في تصريح لوزير الصحة الفلسطيني، هاني عابدين، نشرته وسائل الإعلام اليوم بأن عدد المدمنين للمخدرات أكثر من 50 ألف في الضفة والقدس، هو الأمر الخطير جدا، إذ يجب التنويه وبكل صراحة علمية أن المخدرات هي سموم تقضي على نضارة الشباب وتهدده بأخطر الأمراض البدنية والعقلية وتدفع به إلى مهاوي الضياع وأسرار السجون، إضافة أنها لعنة تصيب الفرد، وكارثة تحل بأسرته وخسارة محققة تلحق بوطنه, لان تأثير المخدرات على الأسرة ينعكس على المجتمع الذي تمثل الأسرة خلية من خلاياه.
فعرفت هيئة الخبراء الخاصة بالمخدرات في منظمة الصحة العالمية الإدمان على انه حالة مزمنة أو متكررة من التخدير, مضرة بالفرد و المجتمع, سببها التناول المتكرر للعقاقير الطبيعية منها أو المركبة، وخصائص هذه الحالة هي رغبة أو حاجة ملحة (إلزامية) للاستمرار في تناول المادة و الحصول عليها بكل وسيلة، والاتجاه إلى زيادة الجريمة المخدرة، والاعتماد النفسي والاعتماد الجسمي على الآثار تحدثها المادة التي يتناولها الفرد فالإدمان على المخدرات أصبح آفة اجتماعية ترتبط ارتباطا وثيقا بالظروف الاقتصادية و الاجتماعية وحتى السياسية منها التي تعيشها الشعوب المتقدمة و المتخلفة إذا صح التعبير و التقسيم.
وبالنسبة لانتشار المخدرات بين الشباب بغض النظر عن مستواهم المعيشي, تظهر فئة التجار"مصاصي دم الشعوب"، وهم عصابة مجرمة على مستوى عالمي من التنظيم و الاتصال فلهم فروع في معظم دول العالم, فهم غير إنساني للكسب غير المشروع و الثراء الفاحش في سرعة و جرأة, كما لهم هدف سياسي يستهدف تحطيم الشباب من اجل سلب أرادتهم و إشاعة اللامبالاة في المحاور الوطنية القومية و أضعاف الولاء في الدفاع عن الوطن و إهدار النخوة بين أبنائها.
ومن خلال الدراسات, دلت كافة المؤشرات التي أجريت على مدمني المخدرات على أن غياب دور البيت وضياع السلطة الأبوية من اكبر العوامل التي تدفع الشباب إلى الانحراف وازدياد نسبة السلوك الجانح الذي يعد تعاطي المخدرات احد صورة.
وفي معظم اسر المدمنين يكون الأب غائبا معظم الوقت ولا يمارس إلا دورا هامشيا في حياة الأسرة، فمشكلة الإدمان لم تطرح نفسها بعد كقضية اجتماعية تستحق المواجهة على أساس من التخطيط في مجتمعنا.. لان تعاطيها يشكل مشكلة متعددة الجوانب، أولها مشكلة قانونية, لان القانون ينظر إليها باعتبارها جريمة بحق المجتمع، وثانياً مشكلة صحية, لأنها تتعلق بالجانب الجسمي و النفسي، وثالثا هي مشكلة اقتصادية, لأنها تؤثر على مستوى الإنتاج وتساعد في انتشار الجريمة في صورها و أنواعها المختلفة.
إضافة أنها مشكلة دينية, إذ إن عدم ورود نص صريح بحرمتها لا يعني أنها مباحة أو أنها حلال إذ يكفي النص العام الذي يقرر أن كل مسكر خمر وكل خمر حرام, وان المقصود ليس هو كل سائل يشرب ورد فيه النص, إنما المقصود كل ما خامر العقل وغطاه وحجب ضوءه وحال بينه وبين التفكير السليم, و الرسول علية الصلاة و السلام يقول"كل ما خامر العقل فهو حرام وكل مفتر حرام" أي ما يغيب العقل ويدعو إلى الفتور فهو حرام.
أما عن أنواع المخدرات التي يتعاطاها المدمنون في بلادنا فهي تتنوع إلى الحشيش، والهيروين، وحبة كاجون مطمون، ودواء سيمو، والأفيون، واشتال القنب، وزيت الحشيش. أما حول نسبة انتشاره، فينتشر الإدمان بصفة عامة في الرجال أكثر من النساء, حيث 75%من الرجال، وينتشر بين المطلقين و العزاب والأرامل أكثر من المتزوجين، وينتشر مع انتشار الفقر و البطالة، ومع تعاطي الحشيش بين العمال والفلاحين، ولدى الأفراد الذين يتدنى فيهم المستوى العلمي و الثقافي، ويشار أنه ترتكب الكثير من الجرائم تحت تأثير المخدرات.
وحول الجوانب القانونية في مكافحة المخدرات توجد هناك معاهدة دولية لعام 1961م, لضرب المنظمات المتاجرة، ومع ازدياد نسبة المخدرات و الإدمان صاغت وعدلت الكثير من الدول تشريعاتها الداخلية في مواجهة هذه الجريمة والمنظمات وعصابات رجال المخدرات ".
ومن جانب آخر لا بد من التنويه أنه في بلادنا نلاحظ أن القانون يساعد ويشجع على التعاطي والسبب بأنة لا توجد إجراءات فعلية للحد من هذه المسلكات ألانحرافية, ولا توجد هناك عقوبة رادعة لهذه الجماعات الشاذة " على سبيل المثال " قانون العقوبات الأردني عام 1960م, المواد392,391,390, لا يتعامل بقسوة مع مثل هذه الحالات لا بالأجراء ولا بالعقوبة, والمقصود هنا بان هذا القانون يطبق على أبناء الضفة الغربية حتى هذا التاريخ.
فبعد كل ما تقدم أعلاه لابد من اتخاذ الأهداف والإجراءات التالية في مواجهة ومكافحة المخدرات، حيث تحضير الدراسات و الأبحاث, التي تبين مضار وخطورة المخدرات، والفهم العلمي لطبيعة وأبعاد المخدرات واتخاذ كل التدابير الوقائية في إطار الأسرة و المدرسة والمؤسسات الاجتماعية المختلفة، والتعبئة الإعلامية, وخلق إيمان جماهيري عام بضرورة مواجهة المخدرات عن طريق العمل التطوعي, وبمعنى فتح النوادي من اجل شغل وقت الفراغ و الترفيه المناسب و الرياضة و النشاط الاجتماعي.
بالإضافة لبناء المؤسسات والمراكز الكافية والملائمة لرعاية المدنين، والتوعية الدينية ووسائلها, عن طريق تدريب القائمين بالوعظ والإرشاد، ونشر كتيبات, تتضمن أضرار المخدرات, و موقف الشريعة الإسلامية الذي يحرم المخدرات شرعا وذلك بهدف تبصير الجمهور وخصوصا الشباب بأسباب تحريمها, وتوزيعها على أوسع نطاق بالمجان أو بثمن زهيد وتوجيه برامج خاصة بها في الإذاعة المسموعة و المرئية على هيئة روايات أو قصص أو مسلسلات أو أن يخصص برنامج دائم يراعي في أعداده جذب انتباه المستمعين أو المشاهدين وبصورة متوازنة دون مبالغة أو إثارة.
بـــقلم الدكتور حنا عيسى - أستاذ القانون الدولي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت