تتجه معظم دول العالم على أن تكون دولها دولا مدنية تعتمد على المؤسسات لا على أشخاص أو على الأمن, وترتكز على الأسس والمعايير القانونية والدولية في تنظيم إدارة شؤونها وشؤون مواطنيها, تحرص على ألا تتحول هذه المؤسسات إلى مؤسسات الرجل الواحد,ولا توفر الوظائف لفئة معينة من المواطنين, ويخضع بها جميع المواطنين للقانون ولا أحد فوق القانون0
أما الدولة البوليسية فتعتمد المعايير الأمنية في التعامل مع المواطنين, وتكون دولة الأجهزة الأمنية والمخابرات والمليشيات, وتمارس حكومتها القمع والإرهاب ضد مواطنيها, وتتحكم في حياتهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية, وتفرض عليهم القيود في التنقل,وحرية الراى, وتتدخل أجهزة الأمن القمعي في الحياة المدنية والوظيفية للمواطنين, وفى مؤسسات المجتمع المدني بما يخدم مصالحها, وتفرض سياستها في توجهات المواطنين ومعتقداتهم من خلال بطش وقمع الأجهزة الأمنية والمليشيات المسلحة التي تعمل تحت هيئات رسمية ولكنها غير ملتزمة بالدستور والقانون تحت حجج واهية مثل حماية امن الوطن, والأمن القومي,أو وجود عملاء لدول أجنبية, أو حماية نظام الحكم من المؤامرات الخارجية0
ويكون من أهم مرتكزات الدولة البوليسية بناء السجون والمعتقلات على حساب المؤسسات المدنية لاعتقال وإبعاد من تريد عن الساحة السياسية أو الاجتماعية تحت اى سبب مختلق, بل وأحيانا تقوم بخطف مواطنين عاديين ويتم احتجازهم بشكل غير قانوني من اجل مصادرة ممتلكاتهم, أو دفع إتاوات للمتنفذين في هذه الدولة0وتعتمد الدولة البوليسية على رفض التداول السلمي للسلطة, ووضع جميع الصلاحيات في يد رجل واحد, أو حزب واحد, وتعتمد على إيديولوجية لتفسر وتبرر بها أفكارها وسياساتها, وتبين للمواطن إن هذا يخدم الأمن العام, وأنها المدافعة والمنقذ الوحيد للدولة والمواطن من أي تهديد, وتحرص وبقوة على أن تكون مؤسسات المجتمع المدني تابعة بشكل مباشر للحاكم لتنفيذ سياساته وذلك بتنصيب قيادات مرتبطة به مباشرةً تعمل على ارضائه بكل السبل الممكنة والغير ممكنة, وتستغل وسائل الإعلام بكل انواعها من اجل اهدافها ومصالحها وهذا يسهل عليها سياسة الإقصاء والتهميش وحتى الاعتقال للآخرين, لان الدولة البوليسية ستسمع المواطنين ماتريد وتحجب ماتريد, وتكون ايضا مسيطرة على السلطات وخاصة القضائية والتشريعية عن طريق السلطة التنفيذية التي تحظى بدعم من الاجهزة الامنية والمخابرات حيث تكون تحت إشراف الحاكم, وهذا سيؤدى في النهاية إلى سيطرة المؤسسة العسكرية وتضخمها على مصدر القرار 0
وتعتبر الدول البوليسية نفسها بمناى عن الثورات والتغيير ولكنها عرضة للتغيير أكثر من غيرها, حيث يبقى النظام الشمولي رغم قوته بناء ضعيف وغير مستقر, وأثبتت التجربة إن الدولة المدنية أفضل من الدولة البوليسية للوطن والمواطن والنظام السياسي, لأن الدولة البوليسية ستفقد قوة شعبها اللازمة لدعمها وتأييدها وحمايتها على عكس الدولة المدنية التي تحمى من قبل الشعب, لذلك تعتبر الدولة المدنية صاحبة الأساس القوى الذي تبنى عليه الدول المتقدمة, لانها تعتبر سببا رئيسيا فى نمو البلاد وتطورها, وتكون المؤسسات مرجعية لها في تطور أدائها واستمراره. إن الدولة البوليسية تكون دولة بلا حرية ولا إبداع ولا مستقبل, وتقوم على الترهيب والإرهاب, وترجع بالوطن إلى عصر الظلمات والتخلف, وتظل الحكومة التي تحكم بالبوليس حكومة مكروهة من الشعب ولن يثق بها, لأنها ستضم اللص والمرتشي والمختلس والذي سيعتبر الوقفة الاحتجاجية والمطالب السلمية محاولة لقلب نظام الحكم, ولهذا فهى لن تعمر طويلا0
لقد اصبحت دول العالم اليوم لا تتقبل النظام البوليسى للدول التى تستخدم هذا النظام من الحكم, واصبحت الدول المدنية اليوم تتحالف مع المنظمات الدولية والحقوقية من اجل التصدى للحكومات البوليسية والاستبداد العسكرى الذى يعمل على تدمير واستعباد وتركيع الإنسان وإذلاله, لانه يعتبر تعدى على حقوق الانسان الذى كفلته الاتفاقيات الدولية, لذلك يقوم المجتمع الدولي بالضغط على الدول القائمة على الفكر البوليسي من خلال الهيئات الدولية والحقوقية, وبذلك أصبح اليوم لا مجال إلا لحياة مدنية اى دولة المؤسسات التى تقوم على مبدأ الانتخابات الحرة, والديمقراطية, والتداول السلمي للسلطة, والتعددية السياسية, وسيادة القانون0
لهذا لامناص اليوم الا أن تنهض الشعوب مع مؤسسات المجتمع المدني, والأحزاب, والنقابات, والاتحادات الطلابية, لتأخذ حقها بوسائل سلمية وبطرق ديمقراطية, لكي تضع حدا لكل التعديات على حقوقها, وحتى تكون الدولة دولة مؤسسات لا دولة أفراد, او الحزب الواحد, ليشعر كل شخص بمواطنته ويتحمل مسؤوليته الكاملة في بناء وطنه والدفاع عنه, ويواجه كل المشاكل والصعوبات التي تقف في طريق بنائه ونموه وتقدمه ازدهاره.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت