التساؤل حول ما يمكن تسميته فكراً عربياً أم فكراً إسلامياً

بقلم: سلام الربضي


يجمع علماء الأنتروبولوجيا على أن البلاد العربية تشكل أعرق بقعة حضارية في العالم، انتقل فيها الإنسان إلى العصر الحضاري. وبالتالي، يجب النظر إلى الحضارة العربية من منظارين، منظار تعددي ثابت، ومنظار متداخل متحرك. حيث توالت عى أرض العرب ثقافات متعددة، أهمها : ثقافة وادي النيل، ثقافات بين النهرين وثقافات أخرى( منها العبرانية والفينيقية والآشورية) ،الثقافة المسيحية، الثقافة الإسلامية، والثقافة الغربية.

وبالتالي، فإن مجموع هذه الثقافات بتعددها وتداخلها وانصهارها الواحدة في الأخرى، تشكل الحضارة العربية. إذ يمكن توضيح علاقة الإسلام بالعروبة، من خلال تقسيم تلك المراحل التاريخية، والذي غايته التوضيح، أكثر مما هو ترتيب زمني قاطع. ذلك لأنه، لا يمكن ضبط الحدود الزمنية ضبطاً دقيقاً، بسبب تداخلها وتكاملها وتواصلها.
المرحلة الأولى: الجزيرة العربية والإسلام : الجزيرة العربية بظروفها ومناخاتها الطبيعية والإنسانية، هيأت لظهور الإسلام. كما أن للقبائل العربية المسيحية واليهودية والوثنية، بصماتها في الكثير من المواقف والتعاليم والعقائد التي تضمنها القرآن الكريم. إذ نزل القرآن بلغتها ومن الجزيرة انطلقت الدعوة، فإذاً الصلة بين الجزيرة والإسلام صلة جذور ومصير. إذ لولا الإسلام، لما خرج العرب من الجزيرة، ولما اتخذت اللغة العربية حجمها الضخم. فعندما ننظر لتعلق العرب المسلمين بدينهم، إنما نرى فيه كل تلك الخلفيات التاريخية العميقة، إلى درجة المزج العضوى بين العروبة والإسلام بل إلى حد التوحيد بينهما.

المرحلة الثانية : العهد الأموي والعباسي : تميزت الدعوة الإسلامية بأنها كانت رفيقة العمل السياسي، فكانت فتحاً دينياً عسكرياً، ونشر معتقدات وبناء دولة، وتحولت فيما بعد إلى إمبراطورية عربية واسعة الانتشار، امتدت أيام الأمويين لتصل إلى أفريقيا والأندلس غرباً وإلى خراسان وما حولها شرقاً. ومع هذا الاتساع، أصبحت الخلافة وراثية، وتأثرت الإدارة العربية بالإدارة الفارسية واليونانية والقبطية، وأصبحت العربية ليس فقط لغة الدين، بل ولغة الدولة والإمبراطورية. ومن ما يميز حكم الأمويين، أن المسلمين من غير العرب لم يكن لهم حظ في الحكم، ولا نصيب في الحياة الاجتماعية.

ولكن،عندما تسلم العباسيون الحكم بعد سقوط الأمويين، تبدلت نوعية الحكم ونشأت أوضاع جديدة،على صعد مختلفة، أهمها: التجزئة وتقلص الرابطة العربية، لصالح الرابطة الإسلامية، حيث استعان العباسيون بالمسلمين غير العرب في مختلف المراكز وأعلاها، فضعف الدور الذي يلعبه العنصر العربى، وزالت الرابطة الوثيقة التي كان يستند عليها في الحكم أبان الخلفاء الراشدين والأمويين، إذ أن العامل الديني إن لم يكن مدعوماً بعصبية قومية متحدة يضعف فعله.

وبالرغم، من انحسار وضعف العنصر العربى فى الحكم، إلا أنه تم التعويض عنه في العهد العباسي بقيام حركة فكرية زاخمة، شارك فيها العرب وغير العرب، من خلال اللغة العربية، وجعلوا من ذلك العصر العصر الذهبي في تاريخ الفكر العربي _ على الرغم من أن تاريخ الفكر العربي يرقى إلى ما قبل العباسيين بوقت طويل _ حيث لمعت أسماء كبار العلماء والفلاسفة والشعراء والمؤرخين، من أمثال الجاحظ، الفارابي، الخوارزمي، الكندي، الرازي، ابن سينا، أبو العلاء المعري، جابر بن حيان، الغزاني، ابن طفيل، ابن رشد، ابن خلدون .

ولكن الإشكالية تكمن عندما يتم التساؤل حول ما يمكن تسميته فكراً عربياً أم فكراً إسلامياً ؟

فهنا نواجه معضلتين، فهذه الفلسفة مكتوبة باللغة العربية، ولكن كثير من رجالها غير عرب بل هم ترك كالفارابي، وفرس كالغزالي، ويوجد عند الفرس والأتراك أساليب مختلفة للتفكير حسب بيئتهم،

فكيف يحق لنا أن نسمي هذه الفلسفة عربية ورجالها أكثرهم من غير العرب؟

وإذا أردنا تسميتها إسلامية، فعلينا معالجة كل ما كتبه المسلمين في لغاتهم المختلفة: الهندية، الفارسية ... إلخ ونحن لا نعالج إلا القسم المكتوب باللغة العربية فقط؟

كما أن، هناك أفراد من غير المسلمين، ساهموا في الفكر العربي من المسيحيين واليهود. ويلاحظ من استعراض هذه المرحلة التاريخية من تاريخ العرب والإسلام، ملاحظات رئيسية مهمة جداً:

1- عملياً : بعد انتهاء العصر الأموي لم يعد هناك دولة عربية إسلامية موحدة.
2- ديمغرافياً: يصعب القول أن العصر العباسي كان عصراً عربياً بسبب الاختلاط الكبير بين العرب وغيرهم.
3- انفتاح العرب والمسلمين ضمن ديارهم على الحضارات المختلفة.

ولقد اقترن استقلال العرب الحديث بعد انتهاء عصر الانحطاط العثماني، بقيام الأحزاب وظهور المفكرين لنشر الوعي العربي، والدعوة لإحياء دور الإسلام، وتحديد دوره في العصر الحديث، والبحث في علاقة الدين بالقومية، وخاصة الإسلام بالعروبة. وهذا يأتي، في سياق تطور الواقع الفكري، الذي يعتبر من مراحل التحديث التي لا بد من المرور بها. إذ أن العرب والمسلمين في عصورهم الذهبية، لم يدعوا يوماً، أنه فى خزائنهم الروحية والفلسفية، غذاء يكفيهم مؤونة الاتصال بالشعوب والثقافات الأخرى. وهذا ما نحن بأمس الحاجة ألية الأن، مع هذه الموجات التاريخية المصيرية، التي تمر بها أمتنا العربية.

سلام الربضي باحث ومؤلف في العلاقات الدولية

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت