مصداقية أوباما على المحك ؟؟

بقلم: يوسف صافي


لا يمكن لعاقل أن يصدق أن الرئيس الامريكى باراك اوباما سيأتي إلى المنطقة فقط من اجل التقاط الصور التذكارية، أو لزيارة الأماكن التاريخية او الأثرية الهامة في المنطقة، او لشرب الشاي والقهوة، أو لتناول وجبة من الفلافل، أو لتناول طبق من الكنافة النابلسية، أو للاستماع والتشارو مع قيادات المنطقة كما تردد في كثير من وسائل الإعلام وكما جاء على لسان الكثيرين من ذوى الشأن. يأتي اوباما إلى المنطقة لزيارة إسرائيل والأردن ودولة فلسطين باعتبارها الأطراف ذات العلاقة المباشرة بالقضية الفلسطينية، تماما بعد أن سبقه رئيس الدبلوماسية الأمريكية (جون كيري) في زيارة لمصر والسعودية ذات الثقل والوزن الكبير في ملف الصراع العربي الاسرائيلى ولقائه مع رئيس دولة فلسطين الرئيس محمود عباس في الرياض. يأتي اوباما إلى المنطقة هذه المرة بعد انتخابه لولاية ثانية بأغلبية مريحة متحللا من أية ضغوط سابقه كانت تمارس عليه في فترة ولايته الأولى. يأتي اوباما إلى المنطقة بعد أن اتخذ العالم قراره التاريخي في الجمعية العمومية بأغلبية 138 صوتا لصالح الاعتراف بدولة فلسطين كعضو مراقب رغم كل الضغوطات الهائلة التي مورست على هذه الدول من قبل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها وإسرائيل بعد أن فقد العالم صبره من استمرار الاحتلال الاسرائيلى للاراضى الفلسطينية وبعد أن أدرك العالم عقم المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية على مدار السنوات الطويلة الماضية و بالتالي عقم عملية السلام التي لم ينتج عنها سوى المزيد من الاستيطان للاراضى الفلسطينية والمزيد من التهويد للقدس الشرقية والمزيد من تدمير أية فرص ممكنه لنجاح وتحقيق حل الدولتين. يأتي اوباما للمنطقة بعد قرار الأمين العام للأمم المتحدة بان السلطة الفلسطينية ستسمى "دولة فلسطين" في كل الوثائق الرسمية وفى كل جلسات المنظمة الدولية. يأتي اوباما إلى المنطقة بعد صدور تقرير قناصل دول الاتحاد الاوروبى 2013 التي جاءت بنوده أل (27) منتقدة الممارسات الإسرائيلية ضد المواطنين الفلسطينيين، ورافضة الاستيطان الاسرائيلى في القدس الشرقية وحولها والتي تشكل تهديدا لحل الدولتين، ومؤكدة على تكثيف التنسيق الأوروبي لدعم المؤسسات الفلسطينية في القدس الشرقية وخاصة تلك العاملة في المجال الاجتماعي - الاقتصادي وذلك للحفاظ على حل الدوليين على أن تكون القدس عاصمة لدولتين، ومطالبة بضرورة فتح المؤسسات الفلسطينية المغلقة بالقدس الشرقية كما جاء في خارطة الطريق. يأتي اوباما إلى المنطقة بعد رسالة المؤرخ الاسرائيلى المعروف (موشيه معوز) المفتوحة التي وجهها له يدعوه لان يطالب إسرائيل خلال خطابه إلى جمهور الشباب الاسرائيلى مساء الخميس القادم بقبول مبادرة السلام العربية لأنها تحقق السلام بين إسرائيل وجميع الدول العربية و 57 دولة إسلامية في العالم مقابل الانسحاب من الاراضى الفلسطينية على حدود 1967 بما فيها القدس الشرقية ....... الخ.

نعم لقد تغير العالم حين قال كلمته مدوية "نعم لدولة فلسطين ولا للاستيطان في دولة فلسطين"، وحين انحاز واصطف لصالح القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني متحديا كافة الضغوطات ورافضا كل المغريات، وهذا بكل تأكيد يضع مصداقية الرئيس الامريكى باراك اوباما شخصيا ومصداقية الولايات المتحدة الأمريكية من جديد على المحك. وفى هذا السياق، اعتقد جازما أن استخدام الرئيس اوباما لنفس السياسة والأدوات السابقة في التعاطي مع الملف الفلسطيني الاسرائيلى لن يحقق للفلسطينيين دولة، ولن يقيم في المنطقة سلاماـ، ولن يضمن لإسرائيل أمنا، ولن يحقق للولايات المتحدة الأمريكية ورئيسها مصالحا ومصداقية. فالتوازن في لغة الخطاب السياسي للطرفين الاسرائيلى (القائم على الاحتلال) والفلسطيني (الواقع تحت الاحتلال) على شاكلة مطالبة الرئيس أبو مازن بعدم الإصرار على تجميد الاستيطان كشرط للعودة للمفاوضات، والحديث عن أن الاستيطان يشكل عقبة أمام تحقيق السلام في المنطقة، ومطالبة الفلسطينيين بعدم القيام بخطوات أحادية الجانب مثل التوجه للأمم المتحدة، ومطالبة الإسرائيليين أن يسألوا أنفسهم هل البناء الاستيطاني يساعد القيادة الفلسطينية المعتدلة لا يؤسس لحلول عادلة، والحديث عن أن سلاما مع الفلسطينيين يضمن قيام دولة ذات سيادة ولكن ليس على حساب أمن إسرائيل هو اكبر ضمان لأمن إسرائيل وازدهارها لن ينجح في تحقيق حلا عادلا ومنصفا للقضية الفلسطينية. كما أن الحديث مجددا عن مفاوضات جديدة أيا كان اسمها مباشرة أو غير مباشرة أو استكشافية إن كانت بنفس الشروط السابقة أو بشروط محسنة، والحديث عن مبادرات لبناء الثقة وبوادر حسن النية، وعن تجميد استيطان في أماكن وغض الطرف عن أماكن أخرى، وعن انسحابات هنا أو هناك و نقل السيطرة على بعض مناطق للفلسطينيين، .... وغيرها كلها خطوات بكل تأكيد ستعيدنا إلى المربع الأول وستدمر ما تبقى من فرص لحل الدولتين ولن تجدي نفعا ولن تحقق سلاما ولا أمنا ولا مصداقية. بالمقابل اعتقد جازما بأهمية استثمار و البناء على التغيرات والزخم الذي تحقق على الصعيد الدولي دعما للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وأهمية الحاجة إلى مواقف جديدة جريئة شجاعة تضع النقاط على الحروف تحق الحق وتبطل الباطل، مواقف جديدة تقوم على مبدأ التطبيق: إطلاق سراح كل المعتقلين الفلسطينيين من سجون الاحتلال، وتجميد الاستيطان الاسرائيلى بشكل كامل و كلى، ووضع خطة واضحة وجدولا زمنيا لانسحاب إسرائيل من الاراضى الفلسطينية المحتلة في العام 1967 بما يؤسس لقيام دولة فلسطين على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف. نعم أن مصداقية أمريكا ومصداقية الرئيس اوباما على المحك، فان فعلها الرئيس اوباما فانه بكل تأكيد سيضمن لنفسه انجازا تاريخيا غير مسبوق، وسيضمن له مكانا في التاريخ كصانع لسلام حقيقي في المنطقة تتحدث عنه الأجيال القادمة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت