الإعلام الفلسطيني والضوابط الأخلاقية والمهنية

بقلم: رمزي صادق شاهين


تُعد فلسطين من أوائل الدول العربية التي عرفت الصحافة ، وقد كان لديها إصدارات هامة من الصحف والمجلات قبل النكبة العربية الكُبرى واحتلال فلسطين عام 1948م ، كما أن فلسطين أنجبت الكثير من رواد الإعلام والصحافة ، إضافة إلى مجموعة كبيرة من الأدباء والشعراء والمثقفين ، والذين كان لهم الفضل في تطوير الإعلام في فلسطين ، ونقل هذا التطور وهذه التجربة إلى بعض الدول الشقيقة .

لقد تعرض الإعلام في فلسطين لكثير من المواقف ، وأيضاً تعرض لمحاولة الشطب أو الاحتواء ، من خلال قيام الاحتلال الإسرائيلي بفرض القيود عليه ، وملاحقة الإعلاميين والصحفيين ، لمنعهم من نقل صورة معاناة شعبنا ، وما خلفته النكبة ، إلا أن صمود الإعلاميين وإصرارهم على نقل الحقيقة ووفاءهم لفلسطين ، كان هو الدافع الأهم بالاستمرار في أداء رسالتهم ، إضافة إلى أن هذا النوع من العمل كان عنصراً مساعداً في مقاومة الاحتلال ، لأن دور الإعلامي لا يقل أهمية عن دور المقاتل في الميدان .

لا شك أن الإعلام الفلسطيني قد تغير في شكله ومضمونه من فترة لأخرى ، وذلك نتيجة عدة عوامل ، وبما يتناسب مع طبيعة المرحلة ، خاصة وأن فلسطين مرت بالكثير من الأحداث الهامة ، خاصة بعد احتلال باقي الأراضي الفلسطينية عام 1967م ، مروراً بأحداث الثورة الفلسطينية في لبنان ، إلى الانتفاضة الشعبية عام 1987م ، وصولاً إلى إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية ، وقيام مؤسسات فلسطينية رسمية لأول مرة على أرض الوطن .

الإعلام الفلسطيني وبرغم كُل المحاولات لوصوله إلى أن يكون إعلاماً متميزاً ، إلا أنه تعرض للكثير من الانتكاسات على المستوى الرسمي من خلال عدم وجود ضوابط مهنية تُنظم العمل الإعلامي في الأراضي الفلسطينية ، ناهيك عن ضعف الإمكانيات ، إضافة إلى وجود تراكمات من الماضي جعلت من الإعلام الفلسطيني كيان غير متكامل ، وينقصه الكثير من الإصلاح والتأهيل .

لقد شكل الإعلام الإلكتروني الانتكاسة الكبرى للإعلام في فلسطين ، حيث انتشرت المواقع الإعلامية والإخبارية ، بدون وجود قوانين تُنظم عمل هذه المواقع ، وغياب الرقابة التي تضمن مهنية هذه المواقع ، إضافة إلى تحويل الإعلام الفلسطيني إلى إعلام حزبي بعيد عن المهنية ، وهذا ما أوصلنا إلى ما نعيشه اليوم من فوضى كبيرة ، والتي لا يمكن أن تنتظم لأنها خرجت عن السيطرة وأصبحنا نعيش في عالم مليء التجاوزات والأخطاء والمشكلات .

إن المتابع لحال الإعلام الفلسطيني اليوم ، يُصاب بخيبة أمل كبيرة ، كيف لا ونحن نعيش في عالم أقرب إلى غابة يتصارع كُل من يعيش فيها ، فنجد كيف تعمل مواقع الإعلام بلهجة التخوين ، وأخرى بلغة التشهير ، وآخرين يكتبون ما يحلو لهم بدون رقابة أو متابعة من إدارة المواقع ، وهناك من يُلقى الاتهامات لآخرين دون النظر لقانون هذه المهنة ، والتي يتطلب وجود أدلة وبراهين على كُل معلومة يحصل عليها الإعلامي حتى لا يقع أمام المسؤولية القانونية .

لقد أدى غياب الضوابط القانونية إلى ازدياد حالة الفوضى التي نعيشها ، وأدى غياب الأخلاق إلى ما يٌشبه حلبة المصارعة ، لكن بدون فائز في النهاية ، وغياب المهنية سيؤدي بالنهاية لتكوين صورة ضبابية ، يكون فيها الإعلام الفلسطيني عبارة عن كيان عشوائي وغير صادق ، لكونه يكتب أي شيئ وينشر أي شيئ ، ويستطيع أي أحد أن يكتب ما يشاء وينشر ما يشاء ، حتى لو كتب سطوراً من كتاب شكسبير ونشرها باسمه لأنه بالنهاية يعي أن لا وجود لمراقب ولا محاسب .

نحن بحاجة ماسة لثورة أخلاقية ومهنية في إعلامنا الفلسطيني ، هذه الثورة تبدأ من المؤسسات المسئولة عن الإعلام ، حتى تقوم بواجباتها تجاه ما يُنشر في صحفنا الإلكترونية ، ولتصل مسؤولياتها لضبط العشوائية في إنشاء المواقع التي تقول عن نفسها وكالات أنباء والعديد من المسميات ، وعلى المؤسسات المهنية وعلى رأسها نقابة الصحفيين واتحاد الكُتاب ، أن تأخذ دورها الطبيعي في تحديد الضوابط المهنية للمواقع الإلكترونية الإخبارية والإعلامية ، بالتعاون مع الجهات الرسمية ، حتى لا نصبح عبارة عن ندور في حلقة مفرغة ، ويكون الإعلام عبارة عن ملاذ للتافهين والموتورين والمندسين .

&&&&&&&&
*إعلامـي وكاتـب صحفــي – غــزة
[email protected]

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت