ما فائدة أن تأتينا اليوم محمولا على متن مصفحاتك ومدججاً بالحراسات ومحفوفا بالزهور ومفترشا السجاد الأحمر وطقوس الطبل والزمر تدق وتقرع من كل صوب وحدب ؟ وأن تطئ بأقدامك أراضينا المقدسة لتمارس ابتهالاتك في بيت لحم وتنشد بكائياتك في طريق الالام وتحط سريعا في رام الله ثم تطير مطوقا بنجمة داوود السداسية !!
هل جربت يوما أن تطوف رام الله مرتجلا وتخوض غمار الطرق الإلتفافية في رحلة الموت _ كطريق راس الرجاء الصالح _ ولوجاً لمهد المسيح عليه السلام في بيت لحم ؟ هل وقفت أمام الجدار العازل تضرب رأسك فيه كما يفعل ذوي الجدائل أمام حائط المبكى حتى يسيل دمك غلاً وأنت ترجو طريق الآلام لتدق كؤوس القيامة هناك ؟
سيد البيت الأبيض
أنصحك بأن تهبط في شمال فلسطين فربما تلفحك رائحة الموت المنبعثة من الشام وتذر في عيونك رماد الطرقات المتطاير من أراجيف الخريف وتخاريف الربيع هناك ، وأن تتجه راجلا تجوب مدننا السليبة من رأس المثلث والجليل وأن تتجول في وسط بلادنا لترى كيف أتى االإستيطان المجنون على ما تبقى لنا من أراضينا ، لعل بعضا من الغاز المسيل للدموع أن ينفخ فيك صحوة الغافل المترنم ، سر على قدميك دون بساط احمر أو ما يحلو لك من زهو الألوان كي يغطي حذاءك اللامع غبار ما اعملته الجرافات الساحقة بأراضينا وبلادنا المغتصبة ، ولا ترتدي نظارة سوداء لترى طوابير من نهش فيهم الفقر والبطالة من جموع الشباب الذين خاطبتهم ذات يوم حينما اعتليت منبر جامعة القاهرة وحرضتهم على تغيير واقعهم العربي السيئ المزري حتى هبت نسائم الربيع العربي المفترض وما حطت بلاد العُرب والنيل والرافدين ، فهل تحرضهم اليوم على واقعهم الأكثر شقاءاً تحت نير أطول احتلالاً شهده التاريخ وما زال يجثم فوق صدورهم حتى بلغ الضلوع ؟ ودع حجابك وحراسك يستبقوك بمقاليد سجن أبو غريب وغوانتيمالا اللذان قد أغلقتهما يوم توليت عرش البيت الأبيض إلى بوابات أقبية الظلام التي تمددت على أجسام اسرانا البواسل في فلسطين ، لعل سامر العيساوي يقوى على أن ترتفع يده لمصافحتك وقد كاد أن يفتك به موت الجوع ورفاقه من حوله يئنون ويتقلبون كأهل الكهف يميناً وشمالاً ، إذ لم ينفعهم كلب كنت قد تركته في حديقتك الخلفية في بيتك الأبيض ، وربما يحالفك الحظ وانت من هواة الركض والرياضة لأن تستمر بالمسير جنوباً فقد يكون من الصعوبة بمكان أن تخترق حاجز بيت حانون مرورا لغزة من هول ما أوغل به من أطنان الحديد والأسمنت ، وإن سنحت لك فرصة الدخول ستجد شريطاً ساحلياً تقارع اطرافه شرقاَ حدوداً شائكة ومن الغرب يتمطى على شاطئ البحر الأبيض المتوسط فسل الأسلاك الشائكة شرقاً عن لحم البشر المنثور عليها وسل البحر غرباً عن الصيادين الذين اصطادهم القرش وخفر السواحل ووقفت الأسماك حزينة دون صنارة صيد لتلعق شيئا من فتاتها ، وانظر إلى السماء لتعاتبك قهراً من الطائرات الحربية صنيعة بلادك والتي عصفت بها ولوثتها وأزعجت قمرها ونجومها فحرقت الحجر والشجر والبشر وحولت غزة إلى ركاماً كنفيا منسيا ، ولكن لا تمضي أكثر يا سيد أوباما فقد تصل رفح فيراودك شبح المواطنة الأمريكية راشيل كوري والتي سحقتها جرافات الجيش الأنيق المنمق والذي انت في حضرته اليوم يعزف لك نشيد بلاد راشيل ونشيد نجمة داوود التي كانت على صدر تلك الجرافات حين داست كوري وهي تتضامن مع غزة في وجه الحصار والإحتلال وسياسة الأرض المحروقة ، وقف قليلاً لتطل على حدود مصر الكنانة وسلم عليها تسليما وادخلواها آمنين إن أبقيتم فيها مدخلاً فعلى أبوابها غني العتابا .
حضرة راعي تمثال الحرية
ربما ما كنت إلا حالمًا وكثيراً ما يحلم الشعراء ويهيمون ، غير أنه ليس تمنيا ولا استجداءاً ، إذ أعي تماماً بأنك قد مضيت إلى بلاد العم سام تاركاً عباءة العدل والقانون ياسيادة المحامي تغطي ربيعنا المهاجر في أدغال أفريقيا ، وما حللت إلا لإتمام مسلل خريف الغضب وسنوات الضياع اللذان حلا بوطننا العربي الذبيح من الوريد إلى الوريد ومن المحيط المختل إلى الخليج المحتل .
غزة في /
20/3/2013
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت