أوباما والأمل المفقود

بقلم: أسامة الوحيدي


أخيرا قد حل علينا الرئيس الأمريكي باراك أوباما ضيفا بعد أن تعاظم الجدل حول جدوى هذه الزيارة وما يمكن أن تحمله من أفكار ومبادرات من شأنها كما يقال أن تكسر الجمود في عملية السلام بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي وأن تمهد الطريق نحو مفاوضات جادة من الممكن لها أن تحدث اختراقا في عدد من ملفات الوضع النهائي (الحدود ، المستوطنات ، القدس ، المياه والأسرى) والتي كان من المقرر أن ينتهي الطرفين من الاتفاق بشأنها مع نهاية عام 1999 وهو الموعد الذي كان من المفترض أن يشهد إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف وأن يضع حدا للصراع الفلسطيني الإسرائيلي .

لقد تناولت غالبية وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية والدولية جملة من التكهنات والافتراضات المتعلقة بشكل هذه الأفكار وفي أي سياق من الممكن لها أن تكون بعد أن قررت الإدارة الأمريكية الانخراط من جديد في عملية التسوية التي ظلت ولسنوات طويلة في ذيل اهتمامات الولايات المتحدة الأمريكية نظرا لانشغالها في قضايا متعلقة بمزاعم الحرب علي الإرهاب ومعالجة مجموعة من القضايا الداخلية التي تشغل بال المواطن الأمريكي علاوة علي سعيها إلي إدارة ثورات الربيع العربي بشكل يتسق مع رؤيتها في ما يجب أن تكون عليه هذه الثورات وضرورة ألا ينحرف مسارها إلي أهداف قد تضر بمصالح الولايات المتحدة وحلفائها في منطقة الشرق الأوسط وفي كافة أنحاء العالم .

كبير محللي صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية توماس فريدمان خفض من سقف التوقعات المتعلقة بزيارة الرئيس الأمريكي باراك اوباما للمنطقة قائلا "عملية السلام بالنسبة لاوباما هواية تشبه هواية حياكة الجوارب الصوفية".
وقال "فريدمان" المعروف بشدة قربه من دوائر القرار في البيت الأبيض "من الصعب أن نتذكر سقفا منخفضا لزيارة رئيس أمريكي لمنطقة الشرق الأوسط كما هو الحال مع زيارة اوباما المتوقعة".

مجمل الإفتراضات والتوقعات المتعلقة بزيارة الرئيس الأمريكي قد استبعدت الآمال في إمكانية حدوث تقدم ملموس علي صعيد مستقبل التفاوض بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ، خاصة مع تأكيد أوباما بين ثنايا تصريحاته بأن هذه الزيارة هي مجرد زيارة استكشافية وتأتي ضمن حملة العلاقات العامة التي يقوم بها مع بدء ولايته الثانية وفي ذلك تأكيد علي غياب أية رؤية جدية أو استراتيجيه فاعلة لحل الصراع وإنما هي محاولة فقط لإدارة هذا الصراع إضافة إلي بذل الجهود للحيلولة دون تدهور الأوضاع إلي حد لا يمكن التكهن بنتائجه علي المنطقة وعلي العالم بأسره .

علي أية حال فالشعب الفلسطيني قد فقد الأمل منذ زمن في سلام يلوح في الأفق مع استمرار اختلال موازين القوة العسكرية وسطوة النفوذ بكل أشكاله لصالح الإحتلال ، كما أنه لا يمكن توقع الكثير من وراء زيارة أوباما بسبب تجربة حكمه وما تضمنته من شواهد ومواقف رسخت حجم انحيازه لهذا الإحتلال حيث وصفه البعض بأنه أكثر الرؤساء الأمريكيين ولاءً للإحتلال لما أبرزته بعض مواقفه وتصريحاته من تأكيدات وتعهدات باستمرار العمل من أجل ضمان امن دولة إسرائيل ومواصلة دعمها ماليا وسياسيا ومدها بكل مقومات الاستمرار والاستقرار ، في الوقت الذي يغض فيه الطرف عن كل الجرائم التي ترتكبها حليفته المدللة بحق الشعب الفلسطيني من قتل واستيطان وتهويد واعتقال وامتهان لكرامة الإنسان .

لكن أحدا لم يتوقع في أن يصل حجم إنحياز أوباما وإدارته للإحتلال إلي الحد الذي يصف فيه فلسطين بالأرض التاريخية لليهود وهو الأمر الذي يعتبر مثار جدل بين اليهود أنفسهم ولم يتمكن أي منهم من إثبات ذلك بالدليل المادي الملموس وشكلت هذه الادعاءات جزء من منظومة الأكاذيب والأساطير التي يسعي من خلالها الإحتلال لتبرير وجوده اللاشرعي علي أرض فلسطين ، فتجاوز بذلك كل الخطوط الحمراء ، وظهر بتلك الكلمات كمن يتحدى بشكل سافر مشاعر الفلسطينيين وملايين المسلمين في كافة أنحاء العالم ممن يؤمنون بقدسية هذه الأرض التي بوركت في كتاب الله كمهد للديانات ومحط الرسالات وكانت هذه التصريحات بمثابة إشارة واضحة منه علي موافقته المبدئية علي تكريس وصف يهودية دولة إسرائيل واشتراط موافقة الفلسطينيين علي ذلك مقابل موافقة الكيان لمبدأ حل الدولتين في سياق أية مفاوضات قادمة.

لاشك بأن هذا التحول المفاجئ في موقف الإدارة الأميريكية والذي صدر عن قمة الهرم السياسي الأمريكي يتطلب تغييرا جوهريا في شكل ومضمون الخطاب الذي يجب أن يواجه به أوباما من الجانب الفلسطيني بحيث يتضمن رفضا لكل التلميحات والإيحاءات التي قطع سيادته آلاف الأميال ليتحفنا بها في أرضنا وعلي ترابنا كون هذه المهاترات مرفوضة جملة وتفصيلا من كل مواطن فلسطيني يري أن له حقا علي هذه الأرض ولأنها تتناقض مع جوهر الصراع وحقيقته التي تقول بأن أصل المشكلة هو الإحتلال الذي نهب الأرض وسلب الممتلكات وتسبب في تشريد الملايين من الفلسطينيين في الشتات ولابد أن تنصب جهود الولايات المتحدة في خفض مستوي انحيازها لنهج وسلوك الإحتلال المعادي للإنسانية والمتناقض مع جوهر مفهوم السلام وعليها أن تتحرك من أجل اجتثاث هذا الاحتلال ومنح الشعب الفلسطيني حقه في أن يمارس سيادته علي أرضه وفضائه وهوائه وأن يمتلك الحق في تقرير مصيره وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت