كان من الواضح ان الرئيس الأمريكي باراك أوباما في خطابه في رام الله، يختلف تماما عنه في خطابه الذي ألقاه في القاهرة قبل حوالي أربعة أعوام، وكان من الممكن ملاحظة ان الرجل فاقد لألقه "وطلته" أو"هيبته" وحماسته التي سمعها الناس في ذاك الخطاب، طريقة في الخطاب لا تمت بصلة إلى طريقته التي ألقى بها خطابه في القاهرة، ولهجة مختلفة تماما تفتقد إلى الإصرار والعزيمة أو التصميم الذي يجب ان يتحدث بها رئيس الدولة "الأقوى" في العالم تدل على انكفاء وربما انكسار داخلي أصاب الرجل خلال السنوات الخوالي.
برغم ما سمعناه من الرجل إلا ان هنالك من لا زال يحاول القول ان أميركا لا زالت تعتبر القضية الفلسطينية وهذا الصراع مع الدولة العنصرية هو لب وجوهر الاهتمام الأمريكي، وان أوباما سوف يجعل من وزير خارجيته الجديد "شبه مقيم" أو في زيارات متتالية ومتوالية في وإلى المنطقة من اجل إتمام السلام "العادل والدائم" بين العدوين اللدودين.
لقد تحدث اوباما مثلما يتحدث عتاة الصهاينة، وقد اعتبره العديد من ساسة الكيان انه صهيوني ان لم يكن أكثر منهم فعلى الأقل مثلهم، وهو في الحقيقة كان كذلك، إلا ان صهيونيته ليست سوى صهيونية مصطنعة مؤقتة، وسوف تنتهي بمجرد مغادرته للمشهد السياسي وسوف يصبح من "الغوييم" بمجرد أفول نجمه وفقدانه السلطة، ليخلق اللوبي اليهودي من الرئيس الذي سيليه صهيونيا جديدا وهكذا دواليك، طالما يتسابق هؤلاء على محاولة كسب ود دولة العدوان والتعهد بإبقائها أقوى دولة في المنطقة.
أوباما الزائر لفلسطين، هو الذي كتبنا عنه العديد من المقالات، وقلنا في أكثر من مناسبة انه يشعر بالعار والهوان والانكسار لمجرد انه يمتلك بشرة داكنة، ففي كتاب له بعنوان " أحلام من أبي " يقول أوباما واصفا والده "كان أبي يبدو بالنسبة لي أنه لا يشبه كل أولئك المحيطين بي، فقد كان يبدو كما – الزفت- فيما والدتي تبدو كالحليب وهو –والدي- قلما علق في ذهني".
وفي مكان آخر من ذات الكتاب يقول أوباما "إنه وخلال مرحلة شبابه عمل جاهدا من أجل تجاوز كونه من أصول عرقية مختلفة"، كما أضاف بأنه كان "يكثر من شرب الكحول وأنه تعاطى المخدرات- ماريجوانا وكوكايين- في العشرينات من عمره"، وكتب بأنه كان يفعل ذلك "من أجل أن يبعد الأسئلة المتعلقة فيمن يكون هو عن ذهنه".
هذا الشعور "بالدونية" والخوف من أصوله ولونه وما قيل عن إسلامه ، كل ذلك يجعل منه أكثر الرؤساء ضعفا وترددا أمام اللوبي اليهودي، لقد ألزم اوباما أميركا بأمن دولة العدوان بشكل لم يسبقه أي رئيس أمريكي آخر من قبل، وصارت العلاقة بين رئيس دولة الكيان ورئيس الدولة العظمى علاقة معكوسة بحيث صار اوباما هو التابع وليس العكس.
في حديثه برام الله عن الزيارة، وتأكيدا لعدم اعترافه بدولة فلسطين، لم يقل انه أتى إلى دولة فلسطين، وإنما إلى الضفة الغربية، وحاول ان يرسل بعضا من معسول الكلام عن الأوضاع في الضفة الغربية وكيف تطورت ما بين زيارته قبل سنوات خمس وزيارته الحالية، كما حاول الحديث عن الإبداع الفلسطيني وتطور الإنسان الفلسطيني ومجاراته للعصر والانترنت و"الكمبيوتر والهايتك" وغير ذلك.
عندما تحدث اوباما عن قطا غزة، تحدث عن صاروخين طائشين "طيرهما" من "طيرهما" في أرض خلاء، وضرب لنا الأمثلة، عن ضرورة نوم الأطفال بدون تعرضهم للإزعاج والترويع في عتمة الليل، وتذكر ابنتيه عندما تذكر الأطفال من سكان المستعمرات الصهيونية جنوب فلسطين.
كنا نعتقد بأن الرئيس الأمريكي الذي حاز على جائزة نوبل للسلام والذي لا يعرف الكثيرين في العالم لماذا وكيف استحقها وأي سلام حققه لينالها، كنا نعتقد بأنه سوف يأتي ولو قليلا على سيرة أطفال فلسطين طالما هو يتذكر طفلتيه، أطفال فلسطين الذين عانوا على مدار عشرات السنين من ظلم الاحتلال وقسوته وعربدته ومجازره.
كنا نتمنى ان يذكره احدهم بان أطفال فلسطين هم الأكثر معاناة في هذا العالم فيما يتعلق بهذا الأمر، وكنا نتمنى ان يطوف به طائف ليريه ولو من بعيد كيف يعيش المستعمرين الأغراب وقطعانهم وأطفالهم في الأراضي التي سرقوا من شعب فلسطين، وان يقارن ذلك بأطفال ليس فقط المخيمات وإنما بكثير من المدن الفلسطينية التي يحول الاحتلال دون تطورها أو نموها، لا ان يحدثنا عن طفلتيه اللتين "من حقهما" أن تناما مليء الجفون بلا رعب أو كوابيس ليلية.
بدلا من ان يتحدث ولو قليلا عن معاناة أهالي غزة، فجأة يتحول أوباما إلى رجل "عطوف رحيم صاحب قلب كبير منفطر على معاناة أهالي القطاع"، رأيناه يتحدث عن قمع الحريات هناك من جانب سلطة حماس، وعن الظلم الذي يتعرض له الناس في ظل تلك السلطة، لم يتذكر أطفال القطاع الذي يتعرض إلى حصار منذ سنوات، ولم يتحدث عمن يقف خلف هذا الحصار وكم من الأطفال جزت أسلحته رقابهم وسرقت طفولتهم وغيبت حياتهم، ولم يتحدث أو يتذكر كم من المرضى ذهب ضحية الحصار، وما الذي يتسبب به الحصار من أوجاع لا تنتهي لأهالي القطاع.
الرجل وقد أطربه حديثه الأقرب إلى الهذيان، أراد للحظة الإسهاب مطولا في الحديث عن ذلك الموضوع- معاناة أهالي غزة في ظل حكم حماس- وكأنه موضوع الساعة أو موضوع الزيارة، لا موضوع الاحتلال الجاثم على صدور أهل فلسطين بمن فيهم أهالي غزة منذ ما يزيد على أربعة من العقود، أراد ان يقنعنا تلميحا أو تصريحا ان سبب مأساتنا هم "حكام القطاع" من جماعة الإخوان هناك.
عندما يقول الرئيس الأمريكي ان من حق الشعب الفلسطيني الحصول على دولة، إنما هو حديث عام تفرضه أصول العلاقات العامة والدبلوماسية، وهو حديث على أية حال لا يتصف بالتحديد أو التخصيص، أي دولة فلسطينية يريد، وما هي حدودها فكل العالم يتحدث عن الدولة الفلسطينية، بما في ذلك العنصري ليبرمان، لكن أي دولة هي التي يريدها ليبرمان أو نتانياهو أو أوباما، وأي دولة هي التي يريدها الشعب الفلسطيني، هذا هو الفرق بين حديث وحديث.
إن من لا يقبل دولة فلسطينية كعضو مراقب في الأمم المتحدة، لا حول لها ولا قوة،لا بل ويحاول بشتى السبل منع الاعتراف بها، ويذهب بعيدا في مواقفه إلى درجة اتخاذ خطوات عقابية كما فعلت دولة الاحتلال، لا يمكن ان يكون صاحب نوايا حقيقية في قوله أو رغبته في تحقيق حل "دولتين لشعبين"، ويصبح حديثه ممجوجا أقرب إلى الكذب منه إلى أي شيء آخر، حديث فيه من اللف والدوران الكثير، وهو بالتالي غير قابل للتصديق أو حتى الاهتمام.
الشيء الوحيد الذي ربما كان واضحا في زيارة الرئيس الأميركي، هو ذلك الخلاف المعلن الذي كان واضحا وجليا في رد الرئيس الفلسطيني محمود عباس على سؤال فيما يتعلق بالمستوطنات، فلقد بدا واضحا ان الموقفين ما زالا متباعدين ومن المشكوك فيه ان يلتقيا في المدى المنظور، خاصة وان الموقف الأمريكي كان واضحا في دعمه لا بل وتبينه للموقف الصهيوني فيما يتعلق بهذا الشأن، وسوف تذهب دولة "الاحتيال" بعيدا في بناء المستوطنات خاصة بعد المواقف "المتهافتة" لأوباما، والتي اثبت خلالها انه الرئيس الأمريكي الأكثر ضعفا والأكثر تبعية لدولة الاحتلال.
أخيرا، المطلوب فلسطينيا عدم تقديم تنازلات، خاصة وان التجربة أثبتت وما زالت، ان دولة العدوان وبمثل هذا الدعم الأميركي غير المسبوق، لن تقبل بالشرعية الدولية التي تعتبر الأراضي المحتلة أراض للدولة الفلسطينية، وان أطماع ساسة كيان "الاحتيال" لن تنتهي مهما قدم الجانب الفلسطيني من تنازلات، وخاصة عندما نعلم ان في الذهنية الصهيونية وهي تتعامل معنا ومع اوباما وأميركا ما قاله احد المسئولين الأمريكيين قبل أيام من أن "دولة الكيان بالنسبة للولايات المتحدة هي ارخص حاملة طائرات" أو بهذا المعنى.
22-3-2013
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت