المفاجأة الاولى لزيارة الرئيس الامريكي باراك اوباما الى فلسطين وإسرائيل تجلت في عقد المصالحة بين تركيا وإسرائيل، والتي انتظرت ثلاث سنوات، وتم من خلالها الاعتذار للشعب التركي وعودة العلاقات بينهما، وأيضاً عقد المصالحة بين اوباما و نتانياهو وفتح صفحة جديدة في علاقاته الشخصية مع نتانياهو ومع الرأي العام الإسرائيلي.
أوباما كرر في حديثه وخطاباته أنه صديق لإسرائيل، وأنه عمل من أجل أمنها أكثر من أي رئيس آخر، وأنه يجب الاعتماد عليه في الوقوف إلى جانب إسرائيل، ووجه بعض كلماته باللغة العبرية “أنتم لستم لوحدكم”، ونجح في الحصول على دعم كبير بالنظر إلى عبارات المديح والشكر التي أطلقها القادة الإسرائيليين وعلى رأسهم بيرس و نتانياهو.
أوباما نجح في التأثير على الرأي العام الإسرائيلي الذي يرى فيه صديقا حقيقياً يهتم بوضع ومكانة إسرائيل في المنطقة والعالم، حيث أن الزيارة نفسها واللقاءات والخطابات خلقت دعما للرئيس لم يكن قائما من قبل.
أوباما حقق انجازاً كبيراً ومفاجئاً في تحقيق المصالحة بين اسرائيل وتركيا، وهو يصب في صالح اسرائيل الذي تنظر اليه بايجابية كبيرة جداً، فالعلاقات بينهما لا تتوقف فقط في المجال الاقتصادي مع ان ذلك مهم جدا لإسرائيل، فهي اكثر من ذلك بكثير، فعودة العلاقات بين تركيا وإسرائيل تعني عودة العلاقات الاستراتيجية بينهما، وتعني ان اسرائيل ستعود الى مشاركة تركيا وحلف الناتو في التدريبات والمناورات العسكرية.
أوباما يريد الهدوء لأنه سيعمل ضد ايران وما يجري في سورية خاصة بعد التحولات الدراماتيكية فيها، لذا تدخل لإنهاء الخلاف بينهما، ولمصلحة اسرائيل والولايات المتحدة، فالدول الكبيرة والمؤثرة اقليمياً في المنطقة ليس من بينها أي دول عربية، هي تركيا وإيران وإسرائيل، و اوباما يدرك ذلك.
إذاً فهو بحاجة إلى ثقة المسؤولين والإسرائيليين بسياسته، وخاصة تجاه نووي إيران وسورية والملف الفلسطيني الذي جاء في المكان الثالث وجاء التركيز عليه من خلال الطلب من الفلسطينيين العودة للمفاوضات من دون شروط. وهو بحاجة إلى هذا الدعم لكي يستطيع التأثير على السياسة الإسرائيلية في القضايا الملتهبة.
لذا طلب أوباما من نتانياهو و من الاسرائيليين منحه الثقة في التزامه القاطع لمنع ايران من حيازة سلاح نووي، وحاول جسر الفجوات بين الولايات المتحدة وبين إسرائيل، وعرض صفقة، حيث طلب من نتانياهو دعم العقوبات والدبلوماسية، وتجنب القيام بأي عملية عسكرية من جانب واحد طالما لم تستنفذ العقوبات والدبلوماسية، وتعهد بأنه في حال فشل ذلك فسوف يقوم بالعمليات المطلوبة، والتي لا تعني إلا الهجوم العسكري، وبعد الزيارة، فإنه لن يكون أمام نتانياهو خيارات سوى الموافقة على برنامج أوباما.
زيارة اوباما احاطتها هالة كبيرة هو الذي حددها ووضع خطوطها للوصول للأهداف الذي ارادها كي تكون ناجحة، كسابقتها خلال ولايته الاولى لتركيا ومصر وخطاباته الحماسية التي ادت الى عقد مصالحة مع الشعوب العربية، واعتبرت في حينه نجاحا كبيراً، ولكن على المدى البعيد تبين أنها فشلت تماما ولم تحقق أي هدف سياسي أو إستراتيجي.
أوباما في حينه حاول إنجاز مصالحة بين الولايات المتحدة وبين العالمين الإسلامي والعربي، وتحقيق إستراتيجية تعتمد على تركيا كنموذج لإسلام معتدل، وعلى مصر برئاسة مبارك كحليف إستراتيجي، غير أن المصالحة لم تنجز وانهارت الإستراتيجية التي وضعها واندلعت اكثر من ثورة في العالم العربي كان اهمها الثورة المصرية.
اوباما حاول المقاربة في خطاباته في جامعة القاهرة وتركيا حيث كان ذلك قمة الزيارة، وها هو كرر ذلك في ولايته الثانية بعد اربعة سنوات في خطابه في ما يسمى “مباني الأمة” وليس الكنيست الذي كان قمة الزيارة وهو ما اراده، حيث وجهت الدعوة للشباب من الطلاب الجامعيين وليس السياسيين للتحدث عن مستقبل إسرائيل، وطلب منهم أن يسألوا أنفسهم عن أية دولة يريدون العيش بها، وحثهم على الضغط على القادة لركوب المخاطر وصنع السلام مع الفلسطينيين.
في المقابل وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية، التي تغطي الزيارة بشكل مكثف وخاص، اعتبرتها ناجحة جداً، كما أبرزت تعامله مع الملف الفلسطيني، وحسب زعمها ان ذلك أكثر ما يعنيه، صحيح أن اوباما تحدث عن الوضع الديمغرافي في الضفة الغربية وضرورة الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير وبالعدل، وعن الاحتلال وحرية الحركة حيث قال: “ليس من العدل ألا تستطيع طفلة فلسطينية أن تعيش في دولتها، وهذه الطفلة يتوجب عليها اليوم أن تعيش مع تواجد عسكري أجنبي يتحكم بتحركاتها وتحركات عائلتها، ليس من العدل ألا تتم معالجة عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين”.
لكنه لم يقدم مبادرة وخطط جوهرية اثناء زيارته إلى رام الله حيث طلب من القيادة الفلسطينية التنازل عن مطلب تجميد المستوطنات كشرط مسبق للمفاوضات.
من دون ان يقر اوباما والإدارة الامريكية بحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره والضغط على اسرائيل وتهديدها، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية لن يكون سلام عادل ولن تنعم اسرائيل بالأمن والاستقرار، فالدعم المطلق لإسرائيل لن يأتي بالسلام لها، كما ان التوجه للرأي العام الاسرائيلي الذي يزداد تطرفاً ودعمه لن يساهم في حصول الفلسطينيين على حقوقهم.
اوباما حقق المصالحة بينه وبين نتانياهو والإسرائيليين، وعقد مصالحة وبين اسرائيل وتركيا لمواجهة التحديات الصعبة والخطيرة التي تهدد مصالحهما، وظلت القضية الفلسطينية معلقة وتسير في طريق مسدود.
زيارة باراك أوباما بين ولايتين في الولاية الاولى كانت لمصر وتركيا نجحت في المدى الفوري، والمصالحة التي رسم خطوطها لم تنجز وانهارت الإستراتيجية التي وضعها، وفي الولاية الثانية لإسرائيل نجحت ايضاً في المدى الفوري، ولكن فقط على المدى البعيد يمكن الجزم فيما إذا كان قد حقق أهدافه، وأن امتحانات السياسة والإستراتيجية لا تزال أمامنا، و بالمنظور التاريخي، كيف ممكن أن تكون نتائج هذه الزيارة؟ هل هي مختلفة عن زياراته إلى الشرق الأوسط في بداية ولايته الأولى؟
بهذه الاستراتيجية والانحياز التام لإسرائيل ومن دون ان يمارس اوباما ضغطا حقيقيا على اسرائيل وفرض حلا عليها لن تنجح أي من استراتيجياته المستقبلية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت