وهل يملك الإخوان بديلا غير الأسوأ

بقلم: أحمد إبراهيم الحاج


إنهال الإخوان المسلمون على القيادة الفلسطينية الشرعية نقداً وتجريحاً بدعوى تمسكها بمسار المفاوضات واستقبالها للرئيس الأمريكي باراك أوباما في رام الله. وليس هذا دفاعاً عن نهج القيادة الفلسطينية بقدر ما هو إيضاح للحقائق المخفية في بطون الإخوان المسلمين وما تفرع عنهم من تنظيمات أساءت للإسلام والمسلمين، وجلبت المصائب والنوائب والمآسي ودمرت مقدرات الأمة دون أن تعود عليها بنتيجة ايجابية واحدة.
عندما يجتمع أحد أعضاء الإخوان المسلمين بصحفي أمريكي مغمور أو بمتقاعد سياسي لا يملك قراراً نافذاً، ولا حول له ولا قوة بالسياسة الأمريكية المنحازة لإسرائيل مثل جيمي كارتر المتعصب دينياً وأيدلوجياً لإسرائيل، يعتبرون ذلك إنتصاراً وإنجازاً سياسياً غير مسبوق، واختراقاً ناجحاً للجدار الأمريكي الصلب الملتف حول إسرائيل. ويهللون ويصفقون له إبتهاجاً. في حين عندما يزور الرئيس الأمريكي الفاعل للقيادة الفلسطينية، إعترافاً منه بالشرعية الفلسطينية التي كانت من المحرمات في القاموس الأمريكي السياسي، يعتبرون ذلك خيانةً عظمى تستحق هدر دم كل من يستمع ويتفاوض معه. إنه تناقض عجيب وغريب يستدعي الإستهجان. ولو زار الرئيس الأمريكي غزة التي تسيطر عليها حركة حماس إحدى أفرع الإخوان المسلمين لذبحوا له الجمال على دواوير غزة، ولعطلوا المدارس والجامعات لحشد المستقبلين له. ولكان ذلك في عرفهم إنجازاً سياسياً رائعاً للحركة لم يسبق تحقيقه ولتم تدوينه في سجل النضال السياسي الناصع للحركة.
يحق للمواطن الفلسطيني بشكل خاص وللمواطن العربي بشكل عام أن يتساءل، ماذا قدم الإخوان المسلمون منذ ظهورهم على السطح عام 1928م من إنجازات للأمة العربية وللقضية الفلسطينية؟
ففي خضم نضال الحركة الوطنية المصرية من أجل الإستقلال في عام 1928م ولدت حركة الإخوان المسلمين في مصر لتكون البديل وليس المعاضد للحركة الوطنية المصرية كما خطط لها الدهاء البريطاني منظر سايكس بيكو، فقسمت المجتمع المصري الى قسمين، قسم مسلم وقسم كافر، ولما آتت الحركة الوطنية المصرية أكلها بثورة الضباط الأحرار في يوليو عام 1952م، إختارت حركة الإخوان المسلمين لنفسها أن تكون حركة إقصائية معارضة ومعادية للثورة المصرية. وبدلاً من أن تمد يد العون والمشاركة والمساعدة للدولة المصرية الناشئة بدماء وعرق الثوار الأحرار من أجل البناء والتعمير، حملت معول الهدم والتشكيك لكل بناء تنشؤه الثورة في الدولة المصرية الفتية، واختارت لنفسها أن تكون قوة إحتكاك خشنة معاكسة للقوى الوطنية المصرية التي تعمل في بناء الوطن وإرساء قواعد نهضته وإعلاء شأنه. وظلت على هذا النهج المعاكس للإتجاه الوطني نائية بنفسها عن المشاركة الوطنية الأمينة في مفاصل الدولة، وكانت عينها مفتوحة على كعكة السلطة كلها، دون اقتسامها مع بقية القوى الوطنية والحزبية. فعطلت عجلة البناء والتنمية، وظلت تعمل ضد التيار الوطني منذ نشوئها الى يومنا هذا، مما حدا بمصر الى أن تتخلف عن الدول التي كانت تسبقها خطوات واسعة في التقدم والبناء والتنمية، إذ كانت مصر في الستينيات تسبق الهند وايران وكوريا الجنوبية في مجالات التنمية والبناء والتطوير. وكانت منارة ثقافية وعلمية وحضارية للأمة العربية والإسلامية والأفريقية ومجموعة دول عدم الإنحياز كدولة قائدة ورائدة. وكانت تتمتع بثقل علمي وحضاري ونفوذ سياسي يحسب له ألف حساب.
وأصبحت سيرة ومسيرة الإخوان المسلمين في مصر تتكرر وتعيد نفسها في الأوطان العربية، ففي حين كانت الثورة الفلسطينية الحديثة التي انطلقت عام 1965م يداً واحدة، وتمتاز بديمقراطية البنادق، عدوها واحد وهدفها واحد، وكان الإخوان يعيشون بياتاً شتوياً في ذلك الوقت، ويعتبرون شهداء الثورة الفلسطينية قتلى وليس شهداء، ولمااقتربت الثورة الفلسطينية من حصاد ثمار نضالاتها واعترف بها العدو قبل الصديق، وظهر بالأفق الدولي إشارات لقيام دولة فلسطينية نتيجة لنضالات وتضحيات فصائل الثورة الفلسطينية، ولدت حركة المقاومة الإسلامية حماس في فلسطين عام 1987م تحت الإحتلال الذي غض النظر عن نشاطاتها المجتمعية الإجتماعية والدعوية، لمعرفتة الدقيقة وقرائته للتاريخ وللعقل العربي المنفصم على خلفية سايكس بيكو، ولتخطيطه الإستراتيجي طويل المدى، قرر السماح لوجود بديل إقصائي للعائدين للوطن من الحركات الوطنية الفلسطينية في إطار إتفاق أوسلو، الذي اعتبر خيانة عظمى في نظر الإخوان الذين دخلوا للسياسة من أوسع أبوابه الضيقة، وحصل ما كان منتظراً لها من دور في شق الصف الفلسطيني المقاوم، وقسمته الى خندقين متناقضين متنافرين متخاصمين، وكان الإنقسام الجيوسياسي الفلسطيني، والإنفصام الشخصي للمواطن الفلسطيني. وانقسم المجتمع الفلسطيني ما بين إسلامي وكافر، ووطني وخائن وثائرٍ ومتخاذل. وكانت مقاومة حماس منذ نشوئها الى يومنا هذا مقاومة مناسبات سياسية بامتياز، تعتمد على إطلاق صواريخ بالصحراء أو عمليات استشهادية في مناسبات سياسية واستحقاقات تفاوضية، وآخر تلك المقاومات السياسية هو إطلاق صاروخين بمناسبة زيارة أوباما للأراضي الفلسطينية، وكأنهم يقولون لأوباما فلسطين هي غزة، والأحرى أن تكون زيارتك لها، وتفاوضك معها، لأنك ستجد تخفيضات سياسية تتمثل في إقامة نواة للخلافة الإسلامية في غزة تجذبك اليها أكثر، وتعزز نجاحك في مساعيك لنيل شرف إنهاء صراع طال أمده، وكل ذلك مناكفة وتعطيلاً لأي بادرة سياسية ايجابية تصب لصالح القضية الوطنية الفلسطينية. وتساوقت مقاومة المناسبات السياسية تلك مع التطرف الصهيوني المتعصب الذي كان يصفق لها كلما حدثت ليستخدم مخزون القوة لديه ضد شعبنا الفلسطيني الأعزل وليتنصل من كل استحقاق سياسي، ذلك اليمين المتطرف الذي وصل بفضلها الى سدة الحكم في اسرائيل، وأدار ظهره للمجتمع الدولي الذي ينادي بالحقوق الفلسطينية مبرراً ذلك بالتطرف الفلسطيني الذي يريد هدم دولة إسرائيل ومحوها من الوجود. وقد تزامن حكم التطرف الصهيوني لإسرائيل منذ ظهور حماس الى يومنا هذا ويزداد تطرفاً يوماً بعد يوم. وافتعلت حماس معارك مع العدو تصب موازين القوة فيها لصالحه، وأودت بحياة الأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء دون تحقيق أي نتيجة ايجابية واحدة تعود على الشعب بالنفع لا سياسياً ولا إقتصادياً.
كل مواطن فلسطيني وعربي وحتى الأطفال وليس الإخوان المسلمون وحدهم يدركون الإنحياز الأمريكي لإسرائيل، وكلنا يعلم بالمقابل أهمية الدور الأمريكي المحوري الخاص في هذا الصراع بالذات وفي إدارة العالم بشكل عام، والذي يفرض علينا التفاوض معه وعدم تجاهله شريطة تمسكنا بحقوقنا الوطنية المجتزئة حسب الشرعية الدولية كباب مفتوح أمامنا يمكننا من فتح أبواب أوسع في المستقبل، وكلهم يعون تماثل وتطابق الموقف الأمريكي مع الموقف الإسرائيلي، وأن الموقف الأمريكي أبعد مسافة من الموقف الإسرائيلي عن الموقف العربي والفلسطيني، وأن المعركة السياسية أشد ضراوة في الساحة السياسية الأمريكية نظراً للتحالف الإستراتيجي المبني على المصالح المشتركة بين الطرفين الأمريكي والإسرائيلي وإبقائه في أعلى درجات التنسيق لجني العوائد والمصالح الأكبر، والكل يدرك أن العرب غير قادرين على اللعب على وتر المصالح التي تربطهم مع الولايات المتحدة نظراً للتشرذم العربي، وغليان المنطقة العربية في صراعات عربية عربية من العراق الى سوريا الى لبنان الى مصر الى تونس الى اليمن الى الصومال. وفي ظل هذا الضعف العربي ما هي البدائل المتاحة امام الفلسطينيين الذين يعانون التشريد من الأوطان العربية حيث يزج بهم في كل خلاف عربي عربي. ندرك تماماً أن واقع القضية الفلسطينية اليوم سيء جداً، وأن الخيارات باتت محدودة، وكلها سيئة، وأننا أمام تحد كبير وخطير، وعلى مفترق طرق، يحتم علينا أن نختار بين خيارات وطرق كلها وعرة، وبالتالي علينا أن ندعم ونلتف حول الخيار الأقل وعورة وسوءاً بموقف وطني موحد، وصوت فلسطيني منسجم يخلو من الأصوات النشاز. يحفظ لنا ما تبقى من أمل لنعيش عليه. حتى تتغير موازين القوى ويقضي الله أمره بالإنتصار لصاحب الحق المظلوم. ويجزي صبره على البلاء.
وهل النموذج الذي قدمه الإخوان في الأوطان العربية مشجعاً ليكون بديلاً نافعاً وناجحاً؟
والجواب على هذا السؤال المحير للعامة من الناس يكمن في التجربة الفلسطينية في قطاع غزة، ومن بعدها التجارب المصرية والتونسية والليبية. إنه نموذج يقوم على الإقصاء، والتسلط والتحكم بستار الدين، وإلغاء الآخر واعتباره في خندق معادٍ للخط الذي ينتهجونه. فقد ثبت بالدليل القاطع أنهم لا يملكون البديل الأفضل لقيادة الأمة. بل يملكون البديل الأسوأ الذي سيعيث بالأمة فرقة وتشرذماً وتخلفاً. فمشروعهم يتنافى مع الخارطة السياسية للأمة ومع الفطرة الخلقية المبنية على التنوع في العرق واللون والألسنة ومع حرية الفكر والمعتقد التي منحها الله للإنسان. ومشروعهم يتنافى مع مقومات ومقدرات الأمة العلممية والتنموية مما يضعها كحمل في صراع مع كواسر العالم من المفترسين المتربصين بها وبمقدراتها ويجرها من هزيمة الى هزيمة ويضعف قواها ويقعدها عن النهوض واللحاق بركب الأمم النامية الطامحة للتقدم والإزدهار والإنفتاح العقلي والعلمي الذي يجلب القوة ويعدل الموازين.
ملاحظة: لن نستغرب إذا طالب الإخوان في مصر بنبش قبور الرموز المصرية الوطنية من جمال عبد الناصر، ونجيب محفوظ، وعبدالحليم حافظ، وأم كلثوم ومحاكمة رفاتهم وإعدامهم وهم أموات. ولن نستغرب إن طالبوا بهدم الأهرامات والآثار التي تدل على الحضارة المصرية الموغلة في التاريخ. وكذلك إن طالبوا بهدم السد العالي ومصانع الحديد والصلب وإلغاء التعليم المجاني، وقانون العمل والعمال وبيع قناة السويس لأنها من أعمال ومنجزات الزعيم الراحل جمال عبد الناصر.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت