في الوقت الذي وصل فيه أوباما إلى قلب المنطقة وراح يتجول سائحا، كانت هناك قضية فلسطينية وحقوق مشروعة وشعب تحت الاحتلال ومعتقلين خلف القضبان ينتظرون ماذا سيقدم أوباما، أو ماذا سوف يقول .. انتهى الوقت ولم يحقق شيء .. لقد ظهر خجولا ورومانسيا وفيلسوف صامت وقديس متألم، وفي الجانب الآخر ظهر متحمسا قادرا أن يعزف على كل الأوتار ممارسا للوشوشة والمزاح البعيد عن السمع .. لم تحقق الزيارة السياحية أيا من الأمور التي تم مناقشتها باستفاضة عبر وسائل الإعلام " بكل اللغات " .. بل بالعكس ترك خلفه تساؤلات جدية ومخاوف حقيقية ومعاناة من القيود المفرطة عند الفلسطينيين .. المستوطنات لم تتوقف وحكومة الاستيطان الإسرائيلي مستمرة في برامج التوسع ومصادرة الأراضي وامتدادها وتفشيها .. لم تحمل الزيارة تواريخ محددة أو اتفاقيات او مبادرات مستقبلية .. ولولا إغلاق الطرق والتشديد الأمني وكثير من الإفراط في نقل الصور لما شعر أحد بأن هناك زعيم في البلاد .. ولم يشعر الفلسطينيون باي تقدم على مجريات حياتهم اليومية وفي المقابل شعر الإسرائيليون بأن أوباما جدد تأكيده على أن حل الدولتين يبدأ من أن تكون في المنطقة دولة يهودية في إسرائيل وأن الحل القادم هو حل إقليمي وفي اعتذار إسرائيل لتركيا مؤشر قوى حول تفسير معنى " إقليمي " ..
لقد وصلت الرسالة الفلسطينية الى الرئيس الأمريكي وإدارته والى الاسرائيلين وحكومتهم، أن الفلسطينيون يريدون فعلا العيش بسلام في دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وان يتم الإفراج عن كافة المعتقلين في المعتقلات الاحتلالية .. ولكنهم يرفضون مفهوم السلام الذي يملى عليهم بقوة الاحتلال والتنكر للحقوق ورفض الاتفاقيات الدولية .. والدولة الفلسطينية المنشودة هي جزء لا يتجزأ من معالم السلام في المنطقة .. ومما لم يقله أوباما في زيارته المكوكية أنه لم يقل أن حل الدولتين يواجه خطرا جديا بسبب تواصل بناء المستوطنات الإسرائيلية والشوارع الالتفافية وجدار الفصل العنصري الذي يمنع التواصل الفلسطيني في قراهم ومدنهم .. وهذا يدلل أيضا على أن الرؤية الإسرائيلية للسلام ترتكز على جوهرية وأولوية عنصر تحقيق الأمن الإسرائيلي بصورة مطلقة وتتوفر في " الدولة اليهودية " .. وبالتالي فتحقيق هذا الأمن ليس مرهونا باتفاقيات والتزامات أخلاقية أو سياسية أو إنسانية او دولية ، وإنما بترتيبات وإجراءات على الأرض وعلى حساب المصالح الفلسطينية وتهديد حق العودة واللاجئين وحق تقرير المصير ... وبهذا يتضح لنا أن إسرائيل ليست مؤهلة بعد إنجاز السلام وبالتالي لم يستطع أوباما أن يضع في أجندته ما يجبر إسرائيل على ذلك ..
في النهاية علينا أن نؤكد على أن الرئيس باراك اوباما لا يعبر عن سياسة شخصية بقدر ما أنه يعكس مصالح دولة عظمى لديها آليات راسخة في اتخاذ القرارات خاصة إزاء القضايا الكبرى والأساسية كقضية الشرق الوسط .. وبالتالي فإن جاء أوباما سائحا يعجب بملكة جمال أو الأماكن المقدسة أو الأطعمة التراثية فإن هذا شأنه، ولكننا لنا شأننا الذي يجب ألا يتحول إلى سياحة في مطلع كل ولاية رئاسية لكل رئيس أمريكي جديد أو في ولايته الثانية .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت