الهجوم الفتحاوي على سلام فياض

بقلم: رشيد شاهين


يتعرض رئيس الوزراء الفلسطيني د.سلام فياض منذ فترة طويلة إلى هجوم "شرس" من بعض رموز حركة فتح، وقد لوحظ ان هذا الهجوم ازداد شراسة خلال الفترة القريبة الماضية، وكان في مقدمة المهاجمين للرجل مؤخرا اللواء توفيق الطيراوي عضو للجنة التنفيذية لحركة فتح، الذي شن هجوما قاسيا على د.فياض ومستشاريه وقد اتهمه بأنه يريد ان يصل إلى قيادة فلسطين من خلال الوصول إلى الرئاسة.

قبل يومين، نشرت صحيفة القدس العربي حديثا لعضو المجلس التشريعي د.نجاة أبو بكر حديثا اتسم بالشراسة والاتهامات غير المسبوقة لرئيس الوزراء الفلسطيني وان هنالك "انتفاضة داخل الحركة للإطاحة بفياض وان جميع أعضاء اللجنة المركزية والمجلس الثوري باتوا مع الانتهاء من الرجل ومن حقبته في أسرع وقت ممكن".

هذا الهجوم المتجدد يعكس رغبة كثير من الفتحاويين بإخراج فياض من رئاسة الوزراء، هجوم لم يكن كما يُعتقد وليد قرار اتخذه د.فياض بقبول استقالة وزير المالية مما اعتبر خروجا على رغبة وإرادة الرئيس الذي لم يقبل الاستقالة. إنها رغبة قديمة تعود إلى الأيام الأولى من تعيين الرجل في هذا الموقع، وكان من السهولة بمكان الاستماع إلى الكثير من التهديد والوعيد بان فياض لن يبقى في مكانه مهما بلغ الأمر، وها هو الرجل في مكانه منذ حوالي ستة أعوام.

برغم اختلافنا مع الرجل من ناحية سياسية، إلا أننا لا نعتقد بان الاختلاف يجيز لنا توجيه الاتهامات بهذا الشكل وتغييب ما يشهده العالم له من كفاءة، ولسنا نعتقد بأنه كان من الممكن ان نستمع إلى مثل هذه الانتقادات والاتهامات لو كان الرجل نفسه وليس سواه "فتحاويا" حتى وإن كان أسوا من فياض بعشرات المرات.

القول بأن الجميع في فتح "نبذ" الرجل ولا أحد يدافع عنه، فيه الكثير من المبالغة، حيث من المعروف ان هنالك في فتح من يدافع عنه ولا يرى انه بكل هذا السوء الذي يحاول البعض تصويره، وقد يكون هؤلاء هم الذين يشكلون "المشكلة" لمن يهاجم د.فياض، على اعتبار انه استطاع استقطابهم وانه أصبحوا "من زلم فياض" برغم ان في ذلك اتهامات ومبالغات غير مفهومة وغير مبررة.

أما أن يصل الأمر بوصف من يقفون مع فياض من أبناء فتح بأنهم "مرتزقة" ومن انهم "ارتضوا بيع فتح ودمائها وشهدائها وأسراها مقابل ملاليم أعطيت لهم" كما تقول د.أبو بكر، فهذا والله خطاب جديد ولغة جديدة يستخدمها أبناء فتح ضد بعضهم البعض، وهي طريقة بالنسبة لنا مستهجنة ذلك ان بالإمكان الاختلاف دونما حاجة إلى استخدام لغة التجريح، وكنا نتمنى ان يكون الاختلاف بشكل اقل حدة واننا تجاوزنا في الساحة الفلسطينية هذه المرحلة التي كانت في سابقات الأيام حيث وبمجرد الاختلاف يتم اللجوء إلى توجيه القدح والاتهامات والاتهامات المضادة.

أن يأتي أي كان وبعد سنوات من تقلد السيد فياض منصبه ليقول انه أداة لمشروع أمريكي، فهذا أيضا غير مفهوم خاصة وان المشروع الفلسطيني الموجود هو في الأساس مشروع فتحاوي بامتياز، ولم يكن فياض في صورته أو تفاصيله عندما انطلق في أوسلو قبل عقدين من الزمن،وعليه فمن غير المفهوم محاولات تحميله فشل مشروع لم يكن له ان ينجح أصلا، لأنه أقيم في ظل احتلال استيطاني بغيض وكل محاولات الترويج لنجاحه هي "كالنفخ" في جثة هامدة أو في "قربة مخزوقة".

لسنا هنا ندافع عن د.فياض، وهذا المقال ليس للدفاع عن الرجل أو سياساته، لكننا نعتقد بان هنالك أجندات خاصة لدى البعض، يحاولون من خلالها رمي كل هذا الفشل "لمشروع أوسلو" على رجل لم يكن له ناقة ولا جمل في هذا الاتفاق، كما ان من يقود مشروعا وطنيا، لا بد أن يكون بإمكانه رفض الشروط أو الشخصيات التي يمكن ان يعينها أو يطلب تعيينها هذا الطرف أو ذاك، وكان من الأجدى أن يتم رفض "تنسيب فياض" لرئاسة الوزراء بغض النظر عمن كان الذي أوصى بذلك؟.

الجميع مع تنظيف المشروع الوطني من كل "الدرن" والأدوات المشوهة المرتبطة بالأجنبي أو الاحتلال، إلا ان السؤال، ماذا في المشروع "منذ أوسلو" وحتى اللحظة غير مرتبط بكل هذه الجهات، هنالك الكثير الكثير من الأمثلة التي يمكن التطرق إليها في هذا المجال، وكل من هو على هذه الأرض يشهدها ويلاحظها ويعيش مآسيها.

نعتقد بأن ليس من السهولة بمكان إقالة فياض، ومن تابع أوباما خلال زيارته، كان يمكنه ملاحظة انه وفي كل مرة "يشيد" بالتطور في الأراضي الفلسطينية، يقرن ذلك باسم فياض مع أسم أبو مازن، وليس من المعتقد بان هنالك إمكانية ان تتم إزاحة الرجل في المدى المنظور، أو على الأقل كما يتمنى أو يرغب البعض.

د. فياض وبحسب اعتقادنا باق، لكن لماذا يكون مدعوما من قبل الغرب وفي المقدمة أمريكا؟، من الذي دفع به إلى تبوأ مثل هذه المنزلة؟ برغم انه لا يمثل حزبا رئيسيا أو حركة جماهيرية أو غير جماهيرية، أو ليست هي الأخطاء وربما الخطايا التي مورست قبل ان يأتي الرجل "بباراشوت" أمريكي؟، لماذا لم ولا تتم محاسبة الذين كانوا سببا في قفز رجل "مقطوع من شجرة" إلى مقدمة المركب وقيادته؟، أين كانت حركة فتح من ذلك وماذا كان دورها؟، أو ليس د. فياض هو امتداد لكل ما ارتكبته الحركة من أخطاء بما في ذلك صعود حركة الإخوان المسلمين"حماس" إلى السلطة ومن ثم هذا الانقسام الذي يعصف "بالوطن". هل سيتم "فتح الدفاتر العتيقة"؟.

ثم هل يعقل ان يستطيع الرجل وهو " بلا ظهر" ولا سند سياسي ولا فصيل مسلح أو غير مسلح، هل يستطيع وهو الوحيد ان يقوم بهذا الذي يتحدثون عنه في حركة فتح؟، هل الرجل بهذه "السوبرمانية" وبكل هذه القوة بحيث ينهي أو يفشل المشروع الوطني الذي يعمل عليه الشعب بما في ذلك حركة فتح منذ عشرات السنين؟،إذا استطاع وفعل، فهذا يعني ان حركة الشعب الوطنية وثورته ليس سوى حركة هلامية غير متجذرة ولا أصيلة، وعليه فان الشعب الفلسطيني يستحق ما يخطط له الرجل من وضع مقدراتنا في الأيدي الأمريكية والصهيونية.

هذه الهجمة على د. فياض يمكن أن نفهمها على أساس ان حركة فتح تعتقد بأنها هي الأحق في هذا المنصب، وإنها الحركة الرائدة التي لا يجوز ان يتحكم في قراراتها من هو "غير فتحاوي"، لكن لا يمكن قبولها على أساس ان حركة فتح من لها الحق في تسيد الوطن والتعامل معه بطريقة "الأسد أو نحرق البلد".

الواقع يقول ان الوطن بشقيه ليس حكرا لأحد بما في ذلك حركتي فتح وحماس، وعلى الذين يعتقدون ان فتح هي فتح السبعينات أو ما بعد أو ما قبل ذلك ان ينظروا حولهم، العالم يتغير، والأوطان ليست ملكا لأحد، وحركة فتح ليست أقوى من الحزب الشيوعي السوفييتي ولا الأحزاب التي حكمت أوروبا الشرقية.

المشروع الوطني الفلسطيني يلزمه شراكة حقيقية بين جميع القوى بما في ذلك الشخصيات المستقلة، وكل محاولة لتهميش الآخرين سوف لن تأتي إلا بنتائج وخيمة على القضية الفلسطينية، وعلى الجميع ان يخرج من النظرة الفئوية الضيقة من اجل ان يكون الجميع شركاء في الوطن حيث لا سادة ولا عبيد.

أخيرا، قبل عدة أيام كنا في مناسبة لإحدى الفصائل الفلسطينية، عندما قال احد القادة البارزين في لفتة احتجاجية على تفرد فتح وحماس بالقرار الفلسطيني "نذهب إلى القاهرة من اجل الحوار، ويأتي الاخوة في فتح وحماس ويخبروننا انهم اتفقوا على هذا وعلى ذاك، والمطلوب منا ان نوقع على ما تم الاتفاق عليه" عندها قال احد الحضور، "لماذا توقعون ان كنتم غير راضين أو مشاركين فيما تم الاتفاق عليه".

سلام فياض ليس سوى شخصية اعتبارية سواء جاءت برغبة أمريكية أو صهيونية، وهو في حسابات المصالح لن يكون أكثر أهمية واستراتيحية من حسني مبارك ولا زين العابدين، ويمكن ان تتخلى عنه الجهات الداعمة كما فعلت مع هؤلاء، المطلوب لإزاحته لا يحتمل كل هذه العنعنات، ودمتم.
27-3-2013

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت