العراق من دولة مظمة لفوض طائفي

بقلم: سامي الأخرس


الحديث عن العراق السابق أصبح كوخز الجسد بسهام سامة في جسد كان جامع لكل طوائف ومذهبيات فسيفساء اجتماعية متعددة شهدت تناحرًا منذ خلافة علي بن أبي طالب_ رضي الله عنه_ حيث بدأت الفرق والطوائف تتوالد وتتكاثر لتعبر عن حالة متوترة وملتهبة اجتماعيًا، ودينيًا، وسياسيًا، لم تتآلف أو تتوحد وتشكل حالة من التماسك وان لم تدفن ألسنة الفتنة كليًة، ولكنها شهدت وأدًا لها سوى في حقبة الشهيد صدام حسين وأن كانوا أطلقوا عليه ديكتاتور، إلاَّ أن هذه الديكتاتورية هي القانون المطلوب لتآلف هذه الفسيفساء، ومحاربة رؤوس وأفكار الفتنة، والتدمير لدولة مثل العراق تتمتع بواقع جغرافي واقتصادي مميز، ديكتاتورية كان المواطن العراقي يعيش فيها بأمن وأمان، وينال نصيبه من ثروات وطنه وبلده. واستطاع أن يكون العراق قوة إقليمية لها ثقلها في المنطقة، وتصطف إلى جانب قضاياه العربية القومية، وهي الحالة التي لم ترق للولايات المتحدة الأمريكية والقوى العميلة في المنطقة التي ساهمت في تنفيذ المخطط الأمريكي وفق ما هو معد بسيناريوهاته الخبيثة التي ابتلع العراق منجلها، فتحقق لهم ما أرادوا، حيث قضوا على العراق كدولة موحدة قوية، وفتتوها لدويلات منقسمة سياسيًا وإن كانت ظاهريًا تبدو موحدة، إلا أن ما يجري على الأرض يؤكد أن العراق عمليًا مقسم طائفيًا وسياسيًا وجغرافيًا، وكذلك اقتصاديًا، وأيضًا استطاعوا القضاء على زعيم عربي قوي استطاع أن يجعل من العراق وحدة قوية مؤثرة في المنطقة، وبذلك تحقق للولايات المتحدة الأمريكية وعملائها ما أرادت.
بعد عشرة سنوات من الاحتلال الأمريكي، والعراق لا زال يشهد تمزقًا وقتلًا ودمارًا في كلًّ ربوعه، قتل على الهوية الطائفية والمذهبية ومفخخات في كل شارع وحي وزقاق، وثروات منهوبة حسب الهوية الطائفية، ومواطن لم يَعُد يجد قوت أطفاله وحياته، يلاحقه الفقر والاعتقال والقتل بذنب أو دون ذنب وقوى دولية وإقليمية يسيطر كل منها على فصيل أو حزب سياسي ينفذ أجندته الخاصة، ولم يعد يملك العراق في خضم هذه الحالة سوى تهجير لمواطنيه من كل الطوائف والمذاهب، وتدمير لمؤسساته وبناه الوطنية، ومراكز نهضته وقوته، ونهب لخيراته، حتى أضحى العراق الذي كان يمتلك ثروات بشرية علمية بكل المجالات يعاني من تصحر علمي وفكري، وساد قانون العصابة والعربدة والزندقة، حتى أن الطائفة نفسها انقسمت على ذاتها.
من خلال هذه الحالة السوداوية لا زال الشعب العراقي المنقسم يبحث عن خلاصه، وعن حياته، ويحاول استعادة ولو جزء من العراق المغتصب من خلال حراك شعبي متواصل، ولكنه حراك يحتاج لوحدة شعبية تذوب فيها الطائفية والمذهبية لتستطيع تصليب الجبهة الشعبية القوية القادرة على تخليص العراق ممّا هو فيه وعليه، وهو ما لم يتحقق بعد، حيث لا زال هذا الحراك رغم شرعية مطالبه تنقاذفه مصالح قوى خارجية سواء كانت إقليمية أو دولية، تستغل الوضع العراقي في إغراق العراق بمزيدٍ من الفوضى والموت والتدمير، وتبعده رويدًا رويدًا عن ثورة شاملة تقتلع قاتليه وناهبيه وتعيد الأمل للعراق من جديد.
من هنا فإن الحراك الشعبي العراقي لازال في بداية إرهاصاته الذي يحتاج لقوى ثورية وطنية تقوده باسم جموع الشعب العراقي، وتنأى بالعراق من السيطرة والاحتلال غير المرأى للولايات المتحدة الأمريكية والقوى الإقليمية الممثلة بإيران ودول الخليج العربي اللتان أصبحت بصماتهما واضحة في الساحة العراقية.
د. سامي الأخرس
29اذار(مارس) 2013

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت