سؤال برسم الإجابة شفافية الحكومة و المسكوت عنه في الموازنة العامة

بقلم: ماجد إبراهيم


أثار قرار الحكومة إعتماد الموازنة بطريقة أحادية ودون التشاور البناء والكافي مع كافة شرائح المجتمع من مؤسسات المجتمع المحلي والنقابات والمجلس التشريعي هواجس البعض وغضب البعض الآخر للسياسة التي تتبعها هذه الحكومة والتي تجيدها ببراعة فائقة والمتمثلة بالسير على حافة الهاوية ، فلقد تم التسويف والمماطلة في مناقشة الموازنة وعرضها على هذه الشرائح وصولاً للإستحقاق الدستوري وتم الإكتفاء بعرضها ومناقشتها في مؤسسة غير حكومية وتم إستدعاء النقابات على عجل لتجميل الموازنة و الحديث بكلام معسول عنها لذر الرماد في العيون ، وتم أخذ الجميع على حين غرة وإعتمادها بدون أن يكون هناك مناقشة حقيقية ، مع ملاحظة أن التذرع بالإستحقاق الدستوري هو إستخفاف بكافة مكونات وشرائح المجتمع والتي يقف على رأسها المجلس التشريعي ولجانه المختصة بمتابعة الشأن المالي ، فالجميع يعلم بأنه قد جرت حالات في السابق تم تمديد هذا الإستحقاق ، كما أن الرئيس يملك إصدار مراسيم بهذا الخصوص ، إن القول بأنه سيتم أخذ ملاحظات الكتل النيابية بعين الإعتبار وذلك بعد إعتمادها بمثابة دق آخر مسمار في نعش المجلس التشريعي ولجانه المختلفة .
إن الملاحظة الأساسية والجوهرية على طريقة إعداد الموازنة تتمثل في أنه لم يحدث تطور في طريقة إعدادها وفق الأساليب العلمية الحديثة ، ولا زالت طريقة إعدادها تتسم بالنمطية ويتم تطبيق طريقة موازنة البنود في حين أنه كان يجب الإنتقال إلى طريقة موازنة البرامج والأداء ، والتي يتم من خلالها إعداد تلك الموازنة وفق تصورات البرامج والمشروعات التي من المتوقع والمطلوب تنفيذها خلال العام على مستوى القطاعات العامة الأمر الذي سيحقق الرقابة على الأداء ويؤدي إلى تخفيض النفقات بإستبعاد الانشطة غير الضرورية وسيعمل على جعل الحكومة أكثر شفافية وأكثر قرباً من تحقيق شعار الحكومة الرشيدة الذي ترفعه .
كما أن الموازنة المقترحة لم تظهر أية نية لدى الحكومة لإنصاف الموظفين المظلومين في شطري الوطن وخصوصاً في غزة فلا يوجد مخصصات مالية تأخذ بعين الإعتبار الاستحقاقات المالية المتراكمة لموظفي المحافظات الجنوبية منذ سنوات الإنقسام ، مما يدلل على عدم الرغبة في حلحلة هذه الأمور ، وسأقوم في عجالة بتقديم تعليق سريع على بعض بنود الإنفاق الواردة في الموازنة العامة :-
• المصروفات المتعلقة بمكتب الرئيس تبلغ حوالي 246 مليون شيكل وهو يشكل مبلغ كبير من الموازنة ، وهو ما يعادل المصروفات المخصصة لأربع وزارت من الوزارات المهمة وهي وزارة النقل والمواصلات والاتصالات والأشغال العامة والزراعة إن هذه المبالغ المخصصة لمكتب الرئيس يجب بحث إمكانية تخفيضها لصالح الوزارات الخدمية أو الاقتصادية ، كما يجب وضع ضوابط صارمة للحد من الهدر في الإنفاق .
• المصروفات المتعلقة بمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية والتي من المفترض أن تكون مظلة السلطة ، من الواضح أن الوضع معكوس فالسلطة تدعم المنظمة كما أن حجم الإنفاق على مؤسسات منظمة التحرير يبلغ حوالي 322 مليون شيكل ، وهذا لا يوازي مخرجاتها التي تفتقر إلى الفعالية المطلوبة كما أن بعض المستفيدين من هذه المنظمة يغرد خارج إطار سرب الشرعية .
هذا بالإضافة إلى أن المبلغ المخصص للصندوق القومي الفلسطيني يبلغ حوالي 268 مليون شيكل ، ولا أعرف ما هو دور الصندوق القومي لأنه حسب إعتقادي أنه من المفترض أن يكون مركزاً إيرادياً وليس مركزاً للمصروفات .
• ارتفاع حجم الإنفاق المقترح لوزارة الداخلية والأمن الوطني حيث بلغ نحو 3.6 مليار شيكل وهو ما يشكل عبئاً على الموازنة العامة كما أن مخصصاتها اكثر من مجموع مخصصات وزارات الصحة , التربية , التعليم العالي "مجتمعة " ، إن هذا البند يحتاج إلى مراجعة جادة والعمل على تقليصه فنحن لا نحتاج كل هذا الإنفاق على الأمن .
• الإحتياطات المالية تبلغ 104 مليون شيكل وهذا البند غير معرف تحديداً ويستغل في عمليات الصرف غير المحددة مسبقاً ، ولهذا يجب تحديد أوجه الصرف المتعلقة به في ضوء ما يتم صرفه كل عام .
• ينبغي ضبط الإنفاق العام في ما يتعلق بالسفارات حيث يبلغ حجم الإنفاق المقدر 204 مليون شيكل تستحوذ الرواتب والنفقات التشغيلية على معظم هذا المبلغ والمطلوب وضع ضوابط لهذه المصاريف والأخذ بعين الحسبان أننا ما زلنا دولة تحت الإحتلال ، كما يجب مراقبة أداء السفارات للتأكد من قيامها بواجباتها على النحو المطلوب .

• الميزانية المرصودة لوزارة الزراعة تعبر عن عدم جدية واضعي الموازنة وعدم إيلائهم هذا القطاع الهام الأهمية المطلوبة والذي يساهم في تعزيز صمود المزارعين على أرضهم ، حيث أن وزارة الزراعة ستكون قاصرة عن تقديم خدمات فعالة للمزارعين وسيؤدي إلى تقليص دورها لصالح المؤسسات الغير حكومية التي تعمل في هذا المجال وذلك بدلاً أن تكون مظلة لهم لتحقيق إستراتيجية التكامل في الأدوار .
• بالنسبة لشبكة الأمان والتي تم زيادتها للحالات الإجتماعية فهذا شيء جميل ، ولكنني أقترح هنا أن يتم البحث في محاولة إيجاد فرص عمل مؤقتة بالتعاون مع المؤسسات الأهلية يساهم مردودها في زيادة العائد الإنتاجي للدورة الإقتصادية ككل وتساهم في إكساب المستفيدين خبرات متنوعة حسب المجال الذي يرغبون العمل فيه ، وذلك بدلاً من دفعها كإعانات مقطوعة لهذه الشريحة المهمة والمعوزة .
• تبلغ مصروفات التلفزيون الفلسطيني حوالي 100 مليون شيكل والملاحظة الاساسية حول هذا الموضوع أن هناك ضعف في مستوى البرامج المقدمة وعلى هذا فإن المبلغ المرصود لا يقابله إرتقاء في المنتج الأمر الذي يتطلب تغييراً في السياسات العامة الناظمة لأداء العاملين في التلفزيون وتشجيع الكفاءات والمبدعين على التقدم بأفكار إبداعية خلاقة تسهم في الرقي بهذا الأداء ، بدلاً من تفشي ظاهرة المحسوبية والفساد .
• يلاحظ أن وزارة الأوقاف تغطي نفقاتها التشغيلية وهذا جيد ولكن المطلوب هو تنمية الإيرادات الوقفية لوزارة الأوقاف بحيث تستطيع هذه الوزارة الهامة أن تغطي جميع نفقاتها ، كما أن عليها السعي الحثيث لإستعادة جميع الأراضي الوقفية ووقف التعديات عليها وفي هذا الاطار يجب وضع خطة منهجية وشفافة لإدارة أراضي الوقف بما يحقق العائد المرجو .
• يلاحظ أن هناك وجود تفاؤل كبير في تقدير الإيرادات المقاصة حيث بلغت 6.371 مليار شيكل وهذه النسبة تتجاوز نسبة التغيير في إيرادات المقاصة المتحققة عبر السنوات الماضية ، مع أن الظروف الخاصة بإيرادات المقاصة لم تتغير وأقصد هنا الإنقسام السياسي بين شطري الوطن الأمر الذي يضعف التحصيل الشامل لهذه الإيرادات وهذا الأمر سينعكس في صورة زيادة الفجوة التمويلية مما يتطلب وجود مصادر خارجية لتغطيتها .
• لقد أظهرت تقديرات الموازنة أن هناك فجوة تمويلية بين الإيرادات والمصروفات سيتم تغطيتها من خلال التمويل الخارجي وبالرجوع إلى البنود الفعلية لتنفيذ الموازنة خلال السنوات الماضية يلاحظ إستمرار وجود هذه الفجوة وعدم القدرة على تغطيتها ، مما يعد خللاً في التقديرات ، الأمر الذي يستدعي سياسات حكومية أكثر كفاءة لترشيد المصاريف في بعض القطاعات لصالح تمويل هذه الفجوة .
• يلاحظ وجود إرتفاع غير مبرر في تقدير الإيرادات الضريبية لعام 2013 حيث قدرت ب 2.214 مليار شيكل في حين لم تتجاوز الإيرادات المحققة وبحد أقصى 1.8 مليار شيكل في عام 2012 ، كما أنه لم يتم تضمين إيرادات البترول في هذه الموازنة .
وفي النهاية إن عملية سلق الموازنة من قبل رئيس الحكومة والذي هو أيضاً وزير المالية يدل على مدى الإستخفاف بكافة شرائح المجتمع ويعبر عن ردة كاملة عن أساسيات ومبادئ الحكم الرشيد الذي ما فتئت ترفعه هذه الحكومة ورئيسها ، إن المعركة القائمة مع هذه الحكومة ليست حول أشخاص ، ولكنها معركة حول سياسات تسير بنا نحو حافة الهاوية ، وتحولنا إلى مجتمع مثقل بالأعباء والديون لصالح الشركات والبنوك ... وإلى مجتمع استهلاكي غير منتج نستورد كل شيء ، فهل من عاقل لوقف هذه السياسات التي ستؤدي بنا إلى الهاوية ...

بقلم : ماجد إبراهيم

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت