كثر الحديث عن المصالحة في أعقاب مؤتمر القمة العربية الـ 24 الذي عقد في العاصمة القطرية الدوحة الأسبوع الماضي وخاصة عقب الموقف القطري الذي دعا إلى مؤتمر قمة مصغر يضم فتح وحماس وبرئاسة مصر ومشاركة قطر ومن يريد من الدول العربية من أجل مناقشة قضية المصالحة الفلسطينية الفلسطينية المعطلة رغم وجود اتفاق القاهرة.
ورحبت كل من حماس وفتح على التوالي بالطرح القطري واعتبرته خطوة مقدرة من أمير قطر لجسر الهوة وتطبيق اتفاق المصالحة الذي وقع عليه وفصلت فقراته وجدولت بعد اتفاق بين الطرفين فتح وحماس ولكن على ارض الواقع بقي الاتفاق مجمدا ولم ير النور وتم تعطيله بانتظار زيارة اوباما ووزير خارجيته ويبدو أنه سيؤجل حتى تنجلي المواقف الأمريكية خاصة أن هناك حديثا عن مشروع أمريكي سيقوده جون كيري وزير الخارجية لما يسمى بالتسوية الفلسطينية وفق الرؤية الإسرائيلية التي عبر عنها نتنياهو في خطاب بار أيلان عندما تولى الحكومة السابقة ، هذه الرؤية التي تتبناها أمريكا بالكامل وتعمل عليها وربما استمعنا جميعا إلى ما قاله الرئيس الأمريكي خلال زيارته للمنطقة عن الدولة اليهودية.
المشكلة أننا لا نريد أن نتعلم، ولا نريد أن نفهم بأن الإدارة الأمريكية لن تكون في ظل المعادلة القائمة إلى جانب الحقوق الفلسطينية والشعب الفلسطيني وانتظار موقفا أمريكيا معتدلا أو متوازنا في العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية هو ضرب من الخيال، والانتظار لمعرفة المشروع الأمريكي للتسوية هو مضيعة للوقت وفيه تعطيل للمصالح وللمصالحة وهذا يعطينا انطباعا أن الإرادة السياسية لمن ينتظر ما في جعبة كيري من مشاريع غير متوفرة، وان المفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي مقدمة على أي مصالحة مع الشعب وقواه الحية.
هذا يعيدنا إلى الدعوة القطرية التي قبلت والآن ظهر رفضا مبطنا لها من خلال شروط يضعها محمود عباس على هذه القمة ، وهذا ما عبرت عليه صحيفة الشرق الأوسط التي تصدر في لندن وعبر عنه بعض الشخصيات سواء الحزبية المنضوية تحت منظمة التحرير أو مستشارين لمحمود عباس وجميعها يؤكد على أن محمود عباس لن يحضر قمة تجمعه بحماس على طاولة واحدة؛ لأن هذا فيه ازدواجية في الشرعية، وأن شرعية محمود عباس يجب أن تبقى الشرعية الوحيدة التي يعتد بها وعلى كل المعنيين اخذ ذلك في الاعتبار.
عقدة الشرعية التي تتلبس محمود عباس ستجعل دعوة قطر للقمة المصغرة كأنها لم تكن، خاصة في ظل الحديث عن الشرعيات المفقودة في الأساس وغير القائمة ، ولو أردنا الحديث عن الشرعيات فلدينا نوعان من الشرعية شرعية محمود عباس والتي انتهت منذ 2009 واستمر وجودة توافقيا بين القوى الفلسطينية وليس شرعيا عبر صناديق الاقتراع ، وشرعية المجلس التشريعي والتي كان من المفترض أن تنتهي عام 2010 ولكن لم يحدث ذلك لعدم إجراء الانتخابات ووفق القانون الفلسطيني يبقى المجلس التشريعي حتى يحل محله مجلس ثاني، ورغم ذلك المجلس معطل بقرار من قبل محمود عباس الذي يرفض انعقاده وهذا يعطي دليلا بعدم اعتراف الرجل بهذا المجلس كي يصل إلى ما يريد وهو أنه صاحب الشرعية الوحيدة في الأراضي الفلسطينية والمتصرف الوحيد بالقضية الفلسطينية.
الحديث عن الشرعيات والتمثيل الواحد هو وسيلة واضحة لإفشال دعوة قطر وإبقاء حالة الانقسام قائمة عبر تأجيل تطبيق اتفاق المصالحة في انتظار المجهول الذي سيقدمه كيري في جولاته القادمة من أجل عودة الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني ممثلا بمحمود عباس إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى بعد الفشل الذي وصلت اليه المفاوضات بعد عشرين عاما وكانت الحصيلة صفرا كبيرا ومزيدا من الاستيطان ومزيدا من الحرمان ومزيدا من المصادرة للأراضي والتي كان آخرها مصادرة 37% من الأراضي الحكومة ( الأميرية ) في الضفة الغربية لصالح المستوطنين والاستيطان.
الذي نريد أن نؤكد عليه أن ممارسة الضغوط لن تجدي نفعا وان قضية المصالحة هي قضية فلسطينية فلسطينية مع عدم إنكار الدور العربي الراعي والمشجع، و في ظل غياب الإرادة السياسية، وفي ظل عدم وجود نوايا صادقة، وفي ظل الرهان على الموقف الأمريكي أو الأوروبي أو على الموقف الصهيوني لن تكون هناك مصالحة وسنبقى نراوح مكاننا ما لم تتغير القناعات ويكون الاعتراف بفشل مشروع التسوية والبحث عن إستراتيجية فلسطينية متفق عليها بين الكل الفلسطيني لمواجهة المرحلة القادمة استنادا على قاعدة متينة منطلقة من حقوق وثوابت الشعب الفلسطيني.
مصطفى الصواف
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت