لعله لأول مرة منذ انطلاقتها في العام 1987 لم تحظ الانتخابات الداخلية لحركة حماس بالاهتمام كما هو في هذه الدورة الجديدة للحركة ولم يحظ اي قائد بالاهتمام والمناقشة على منصبه داخل الحركة كما حظي بذلك الأخ خالد مشعل ، لمدي حساسية المرحلة وكذلك تعزيز دور حماس المحلي والإقليمي والاهتمام الدولي بدورها المفترض في المستقبل المنظور وكذلك حالة المتغيرات الإقليمية التي تعصف بالمنطقة ، ولعل الجميع لا يرى أن الوقت الراهن بما يحمله من صراعات وتعقيدات ليس مناسبا لإجراء تغييرات جوهرية على قيادة حركة بحجم حركة حماس وأن الوقت لا يحتمل قدوم قائد جديد يحتاج الى وقت للتعرف عليه أو هو يعرف نفسه على الآخرين بالرغم أن كافة المرشحين لقيادة الحركة هم شخصيات معروفة ولها وزنها ودورها ولكن كل منها له ما له وعليه ما عليه في الحسابات السياسية الإقليمية والدولية .
ولعل ما يميز الأخ خالد مشعل هو شخصيته ونمط تفكيره الذي أصبح معروفا خلال السنوات الماضية وما قدمه من أفكار ومنهج قيادة تنسجم مع المتغيرات الإقليمية والدولية ولعل نجاحه في تعزيز علاقاته مع أطراف مهمة على المستوى الإقليمي والدولي أعطته ميزة جعلت الكثير من المراقبين يتمنى بقاءه على رأس حركة حماس .
ولاشك أن قرار عودته لقيادة الحركة بعد إعلانه السابق عن استنكافه لهذه القيادة تؤكد أنه عالج كافة الأسباب التي كانت تدفعه لعدم ترشيح نفسه وهذا يعني أنه عاد لقيادة الحركة بشكل أكثر قوة من السابق ، وهو يمتلك كاريزما قيادية قادرة على حسم الكثير من الأمور والقضايا التي تحتاج الي الحسم ولعل أهمها على الإطلاق " ملف المصالحة " هذا الملف الذي أعلن الأخ خالد مشعل خلال لقائه مع عدد من المثقفين عندما زار قطاع غزة بأنه سيعمل على " فرض المصالحة " على كل الأطراف ووعد وعدا قاطعا بهذا الخصوص ولعل التجديد له سيجعله أكثر التزاما بما وعد به .
الغالبية الكبيرة من خارج حماس رحبت بعودة الأخ خالد مشعل وخاصة من طرف الرئيس محمود عباس لأنه أصبح معروفا – وأعلن ذلك خالد مشعل نفسه – قوة العلاقة التي تجمع الرجلين ومدى الانسجام والتوافق على كثير من الملفات بل هناك طباع مشتركة تجمع بينهما بالرغم فارق السن الواضح وفارق الفعل السياسي لكليهما ولكن خلال متابعة للتصريحات بين الرجلين عن بعضهما البعض يلمس المراقب مدى قوة وصدق العلاقة والثقة التي تربطهما وتفهم كل منهما لظروف الآخر ، هذه العلاقة ستكون بكل تأكيد دافع لتخفيف حدة الإشكاليات بين الحركتين .
البعض قد يهرب من موضوع العلاقة بين القائدين الى الحديث عن المؤسسات التي تحكم القرار داخل كل مؤسسة ولكن المعروف أن الفصائل في عالمنا العربي تحتكم لرأي القائد وشخصية القائد تفرض ذاتها على رأي ومواقف غالبية قيادات وكوادر الفصيل ولا نستثني من ذلك أي فصيل لأنها ثقافة سائدة ومتجذرة في العلاقة بين المسئول ورعيته .
وأما الأخ خالد مشعل ملفات يجب التقدم بشأنها وعدم إبقائها عالقة مثل حل الإشكالية القائمة في العلاقة مع القوى المصرية التي تشن حملة إعلامية ضد حركة حماس ، وكذلك ترتيب العلاقة بين الحركة وأطراف المجتمع الدولي خاصة وأن هناك أطراف دولية مهمة تسعى لاستكشاف إمكانية تطوير علاقتها مع حركة حماس ، وكذلك قضية رفع حركة حماس عن قائمة التنظيمات الإرهابية خاصة لدى الاتحاد الأوروبي وهي خطوة لابد منها أمام مسيرة حماس السياسية ، وكذلك تفعيل وتطوير أداء مؤسسات الحركة داخل المجتمع الفلسطيني لتصحيح بعض المفاهيم السلبية التي لحقت بالحركة نتيجة الحكم في قطاع غزة ، وكذلك تفعيل ملف المصالحة المجتمعية بشكل جدي ومسئول .
ولعل الملف الأكثر إلحاحا هو استحقاق العاشر من الشهر الجاري وهو الموعد الذي تنتهي فيه لجنة الانتخابات المركزية من تقديم تقريرها للرئيس محمود عباس وعليه لابد من إصدار مرسومين – حسب وعده – الأول خاص بتشكيل حكومة الوفاق الوطني كما تم التوافق حولها والثاني المرسوم الخاص بالانتخابات الرئاسية والتشريعية ، والايام القادمة ستثبت جدية ذلك وستكون أمام القائدين اختبار مهم لمدى صدق العلاقة وقدرتها أمام تنفيذ الاستحقاقات المتفق عليها .
وأمام قيادة حركة حماس ملف المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي خاصة بعد زيارة الرئيس الأمريكي أوباما وهناك تحركات جدية حول إعادة تحريك ملف عملية السلام والعمل على لقاء رباعي – فلسطيني اسرائيلي اردني امريكي – وسيكون للأردن دور فاعل بهذا الخصوص ، فهل سيكون هذا الملف عامل معطل أم عامل مساعد للتجاوب مع المتغيرات والوعود الإيجابية من الطرف الأمريكي ، خاصة ,ان العلاقة بين حركة حماس والأردن تسير بشكل جيد ، ولعل المصالح المتشابكة والمعقدة في المنطقة ستلعب دورا في صياغة المواقف فهل سنشهد مواقف أكثر موضوعية من السابق ؟؟ .
الأغلبية شعرت بالارتياح لإعادة الثقة بالأخ خالد مشعل وهذه الأريحية ليست شخصية بقدر ما هي نوع من التوقعات بحكم دراسة شخصية وفكر الأخ خالد مشعل وما يمثله ، فهل دورة حماس الجديدة ستعطي الحركة الفرصة لتجديد أو إعادة تقييم لكافة السياسات التي تحكمها وتتقدم برؤية أكثر وضوحا واستجابة لمطلب الشعب الفلسطيني نحو إعادة الوفاق بين أبناء الشعب الواحد في كافة أماكن تواجده ، وهل سيتقدم الطرف الآخر بنفس القدر لدعم القيادة الجديدة وتشجيعها نحو التقدم .
هذا ما يأمله المراقبون .
م. عماد عبد الحميد الفالوجي
رئيس مركز آدم لحوار الحضارات
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت