طلب غبي تكرره الولايات المتحدة من السلطة الفلسطينية بأن تعمل على منع التحريض الفلسطيني على إسرائيل، فالولايات المتحدة تنظر لهذا الموضوع بعين واحدة، وليس بالعينين الاثنتين، تتجاهل العنصرية والتحريض الإسرائيلي على الفلسطينيين، حتى أن رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" يتهم الفلسطينيين بالتحريض وبالعنصرية، عبر خطب المساجد، ومناهج الكتب التعليمية، في الوقت الذي أصبحت فيه العنصرية سياسة إسرائيلية شبه رسمية، فقد شرّعت الكنيست أكثر من (40) قانوناً عنصرياً في وضح النهار، فإسرائيل بعنصريتها، ما تنشره الصحف الإسرائيلية تعترف فيه بهذه العنصرية، وتتناقله وسائل الإعلام الدولي، عليها أن تخجل من نفسها، وتتوقف عن عويلها وبكائها، بأن اليهود يتعرضون للاسامية في بعض دول العالم، دون أن تبدأ بنفسها بوقف العنصرية والتحريض ضد الفلسطينيين.
هناك في إسرائيل من يعتبر العنصرية وباء يتفشى من أجل البقاء، فأوساط يهودية واسعة تعارض السياسة العنصرية، إذ أن مثل هذه السياسة سترتد عليها عاجلاً أم آجلاً، فاليهود الذين يحاولون الظهور كضحايا العنصرية في أوروبا النازية، أصبحوا هم أنفسهم عنصريين، فوباء العنصرية أصبح موطئ قدم، بدءاً بملاعب كرة القدم، مروراً بعالم السياسة، ليصل إلى ميدان الثقافة على اختلاف صورها، حتى أن عضواً في المجلس البلدي في تل-أبيب من حزب "شاس"، طالب بالفصل بين الأولاد الإسرائيليين وأولاد اللاجئين والعمال الأجانب في المدارس ورياض الأطفال، ووزير النقل يخصص حافلات خاصة للعرب، وأخرى لليهود، كما كان الحال عليه في جنوب إفريقيا في عهد "الابرتهايد"، وفي الولايات المتحدة حين كانت حافلات للبيض، وأخرى للسود.
إن "الابرتهايد" الإسرائيلي، ليس فقط من خلال القوانين العنصرية التي شرعتها الكنيست-حيث أن الكنيست الماضية شرعت وحدها أكثر من (20) قانوناً عنصرياً- فالعنصرية الإسرائيلية متجذرة بالفكر الصهيوني، وأساليب المتطرفين اليهود، ولا نعمم على جميعهم، ففي الوقت الذي تقدم فيه إسرائيل الشكاوى ضد السلطة الفلسطينية متهمة إياها باللاسامية والتحريض ضد اليهود، في التعليم والكتب الدراسية، فقد كشفت دراسة للباحثة والمحاضرة الإسرائيلية البروفيسورة "نوريت بيلد- الحنان" بأن المناهج في المدارس اليهودية تربي الطلاب اليهود على كره العرب واحتقارهم، وتشويه صورتهم بشكل مريع، وتقول الدراسة: أن "الابرتهايد" الإسرائيلي ليس سلسلة قوانين عنصرية فحسب وإنما طريقة تفكير بشأن العرب، أما مالك صحيفة هآرتس "عاموس شوكين"، فقد اتهم حكومة "نتنياهو" بسعيها لسن أنظمة وقوانين لتعبيد الطريق أمام إنشاء نظام عزل عنصري على شاكلة جنوب إفريقيا في إسرائيل.
وزير الخارجية الأردني السابق د. "مروان المعشر"، وفي محاضرة له في الأمم المتحدة، قال أن إسرائيل ليست متعنتة فحسب، بل أن لها موقفاً أيديولوجياً سدت من خلاله كل الطرق أمام السلام، وحسب جريدة "يديعوت احرونوت 12-3-2013"، فإن العنصرية في إسرائيل تحظى بتعاطف جزء كبير من الجماهير الإسرائيلية، حتى أصبحت العنصرية مقلقة جداً عليهم، والجهات الرسمية لا تعمل على إخمادها والقضاء عليها، وهذا القبح العنصري يظهر في سياقات مختلفة، وبين مشجعي "بيتار" لكرة القدم في القدس، الذين ينادون بالموت للعرب والمسلمين، إضافة لهجمات كلامية وشتائم وتهديدات للعرب، فقط لكونهم عرباً، حتى أن رؤساء مجالس بلدية ولجان شعبية يهودية لا يخجلون من القول بأن العرب غير مرغوب بهم، لأن العرب دون، ولأن العرب هم العدو، ويقومون بالاعتداء والبصق عليهم، وقتلهم ورشقهم بالحجارة، والحكومة الإسرائيلية صامتة على هذا التطرف، أما الجهات اليهودية التي تقود هذا التطرف فهي تتفهم وتتعاطف مع هذا التطرف، بزعم أن اليهود هم الضحايا دائماً، أما الكاتب والأديب الإسرائيلي "سامي ميخائيلي"- وهو من أصل عراقي، وله مقالات ومواقف معتدلة- فإنه ينتقد بشدة الصمت الإسرائيلي الرسمي على العنصرية وعمليات التنكيل بالفلسطينيين.
منذ بداية المشروع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية، حذر الفلسطينيون أنه لا يمكن التعايش مع الاستيطان، وهذا التحذير تأكد من الاعتداءات المتكررة للمستوطنين على الفلسطينيين وممتلكاتهم ومزارعهم وقطع أشجارهم المثمرة خاصة الزيتون، ومهاجمة الفلسطينيين بغاز الفلفل، في ظل تقاعس الأمن الإسرائيلي عن اعتقال المعتدين، وحتى إذا جرى اعتقال بعضهم فإنهم لا يقدمون إلى القضاء، وإذا قدموا فإن الأحكام عليهم زهيدة، وفي النهاية يحصلون على العفو، وإذا تظاهر الفلسطينيون ضد أعمال المستوطنين المحميين من قبل الحكومة، وإذا احتجوا في الإعلام والوسائل الأخرى على هذه الاعتداءات، يتهمون بالتحريض، فقد بلغ عدد المستوطنين في الأراضي الفلسطينية أكثر من نصف مليون مستوطن، في (124) مستوطنة في الضفة، و(29) مستوطنة في القدس ومحيطها، وأكثر من (100) بؤرة استيطانية، وهناك أكثر من (516) حاجزاً عسكرياً، بينها (60) نقطة تفتيش، مما يشكل حرباً حقيقية على مواطني الضفة الغربية، من هدم بيوتهم، وطردهم من أراضيهم، وخاصة المجموعات البدوية، أما من يحتج ويتظاهر ضد هذه السياسة العنصرية فيتهم بالتحريض، ففي استطلاع للرأي العام الإسرائيلي "يديعوت احرونوت 12-3-2013"، أكد 67% من المستطلعين بأن إسرائيل أكثر عنصرية حالياً من أي وقت مضى.
وأخيراً .... يكفي بأن نورد ما جاء في التوراة "اغتصبوا نساءهم واضربوا بأبنائهم الصخر"، فإن الصمت الإسرائيلي الرسمي عن عمليات التحريض والتنكيل ضد الفلسطينيين يعني بأن السلطات الرسمية راضية ومشجعة لهذه السياسة العنصرية ضد الفلسطينيين، مما يثير الرعب في دولة تدعي بحكم القانون، فالأحداث العنصرية اليهودية في عام 2012 ارتفعت بنسبة 10% بالمقارنة مع عام 2011، وحسب تقرير مكافحة العنصرية، فقد وثق التقرير (106) تصريحات عنصرية وصفت بالتحريض، و"23) مس بالمقدسات، و(78) حادثاً في ملاعب كرة القدم، فالحل بإنهاء الاحتلال الذي وحده يضع حداً لتفشي العنصرية الإسرائيلية، واقتلاع هذه العنصرية من جذورها، فالاحتلال هو العدوان والعنصرية لا أكثر و لا أقل.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت