المضامين الجديدة للأمن العالمي وإشكالية القانون الدولي

بقلم: سلام الربضي


هنالك منظوراً جديداً للأمن بدأ يفرض نفسه، متجاوزاً الإعتبارات الترابية والإقليمية والعسكرية. فالتحديات الجديدة، جعلت مفهوم الأمن شمولياً ومتعدد الأبعاد وأكثر التصاقاً من الحياة الاجتماعية، وهذا ما جعل برنامج الأمم المتحدة للتنمية يتبنى فكرة "الأمن الإنساني". فالأمن لم يعد يقاس بمدى تقليص التهديدات، بل بمدى الاستجابة للحاجيات الأساسية للإنسان. وبالتالي، عندما يتم التكلم عن المضامين الجديدة للأمن العالمي لا بد من طرح الكثير من التساؤلات، وهي كالآتي :

1- تاريخيا هل تم تحقيق الأمن العالمي؟؟

2- المضامين الجديدة للأمن العالمي هل متفق عليها عالمياً ؟؟

3- هل يمكن مقابلة منظور السيادة الوطنية بمواطنية كونية شبة مكتملة ؟

4- هل مرجعية المضامين الجديدة للأمن العالمي ستنمو بسرعة واقعية السياسة الدولية؟

5- وإذا كان هناك انماط معقدة من إنسنة المجتمع العالمي، فهل نكون قد انتقلنا من المنظور الكلاسيكي، للقانون الدولي، والذي يدافع بقوة عن عدم التطابق بين حقوق الإنسان والسياسة الدولية، إلى نوع من التجاوب الفعلي والمستمر وغير المستقر بينهما ؟

وفي خضم التطرق لواقع المضامين الجديدة للأمن العالمي، يجب الاخذ بعين الأعتبار حالتين :

أ- الأمن العالمي القائم على العلاقة بين الإنسان والطبيعة ( الأمن البيئي ) .

ب- الأمن العالمي القائم على العلاقة فيما بين الإنسان واخيه الإنسان (حقوق الإنسان) من جهه، والدول فيما بينها (الأمن السياسي) من جهه آخرى .

ففيما يتعلق بالعلاقة القائمة بين الإنسان والبيئة، هناك تحديات تواجه الأمن العالمي، وقد يكون التضامن العالمي لإيجاد حلول لمواجهة التحديات في هذا الصدد، أكثر إمكانية منه، على صعيد الأمن السياسي بين الدول. فالعقد الاجتماعي هو أساس شرعية القانون في المجتمعات البشرية، وفي النظام الدولي التقليدي، الدول تتمتع بقدر من الحرية والسيادة، ولا توجد أي سلطة فوقها، ولا قانون دولي ألا ما تختاره الدول، على أساس اتفاقيات أو معاهدات تم مناقشتها بحرية تامة أو أعراف تم قبولها ضمنياً. فحرية الدولة، لا تحدها سوى حرية الدول الآخرى. وإذا كانت الحالة الطبيعية، قد تم تجاوزها في النظام الداخلي، فليس الأمر كذلك في النظام الدولي، حيث القوة هي المقياس الوحيد للتصرف _ هذا على الرغم من أن الأمور قد تغيرت مع ظهور المنظمات غير الحكومية_ إذ أن علاقة القوة، داخل هذه المنظومة ستبقى موجودة .

فالرهانات الدولية في ظل العولمة، اضحت مرتبطة بشكل أقوى بالقضايا الاجتماعية، وأقل تفاعلاً مع الاستراتيجيات السياسية والعسكرية، والفاعلون الاجتماعيون أكثر حضوراً على الساحة الدولية، حيث المجال الدولي لم يعد حكراً على الحكومات وحدها، بل هو فضاءاً عمومياً تتداخل فيه كل من الحكومات والأفراد والمنظمات غير الحكومية، والذي يعبر عن نوع من التصالح ما بين الإنسانية والواقع الدولي. ونتيجة للظروف الناتجة عن اختلال التوازنات الاجتماعية، وتزايد الاعتماد المتبادل بين مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، تم التعجيل بالتفكير في مبدأ إدارة شؤون الدولة والمجتمع، كنمط لتجديد أساليب الحكم وتفعيلها بشكل أفضل، من خلال صياغة أشكال جديدة وجدية في المشاركة، قائمة على التضامن والنهوض بالاحتياجات الأساسية والإنسانية للمواطن.

إذاً، على صعيد المضامين الجديدة للأمن العالمي، هناك إشكالية على مستوى تأقلم الضوابط القانونية مع القضايا أو المشكلات العارضة، فكيف يتم معالجة قضايا أنسانية عالمية، في ظل غياب قواعد قانونية تضبط هذه الأوضاع العارضة؟؟؟

وهذه الإشكالية يمكن التعبير عنها، من خلال طرح بعض القضايا الأمنية الإنسانية، المتعلقة بصحة الإنسان. ومنها على سبيل المثال، قضية اللحوم الملوثة هرمونياً، التي انقسم حولها الرأي العالمي، بين الولايات المتحدة وكندا من جانب، والمجموعة الأوروبية من جانب آخر. وأيضاً، يوجد العديد من القضايا الإنسانية الشائكة، التي تطرح علامات استفهام حول إمكانية الاتفاق عليها خاصة على الصعيد الثقافي، فالخلاف الدائر ما بين منظمة الصحة العالمية وبعض الدول ومنها مصر، حول ختان الإناث، يعبر عن واقع هذه التناقضات، حيث تعارض منظمة الصحة العالمية هذه العملية من منطلق الدفاع عن حقوق الإنسان _ تحديداً حقوق المرأة _ بينما تدافع مصر عن موقفها، من منطلق التمتع بالحقوق الثقافية والخصوصية للمجتمعات التي يكرسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

ومن الواضح، بقدر ما هنالك قوة في طموحات المشاريع الكونية على كافة الصعد، إلا أن هناك قصور _ إلى حد ما _ حين تتجسد في الواقع. فإذا كان هناك حرص على المصلحة والسلطة والأمن القومي، ولكن على الجانب الآخر، أيضاً هناك تشديد على الحق والعدالة، والتركيز على حقوق الإنسان. وهذا ما نجده في الصراع الفكري التاريخي، بين هوبز الذي يرفض منح حقوق الإنسان، أي اعتبار دولي، باعتبار الأمن القومي هو وحده، الذي يمنح المعنى للمصالح الوطنية. وبين غروسيوس الذي كان مناصراً للمواطنة العالمية، ولنظام عادل يسمو فوق كل السلطات والسيادات.

وانطلاقاً من ذلك، يبدو أن الدوافع الاستراتيجية والمصالح، ما تزال فاعله وحاضره بقوة، وكثيراً ما تتحول حقوق الإنسان، إلى أداة لضغط الأقوياء على الضعفاء، وهو ما يخلق التداخل بين ما هو دولي وما هو إنساني. وبالتالي، من الطبيعي أن ينعكس ذلك فيما بعد على الأمن العالمي. التي بدأت تتضح معالمة يوماً بعد يوم، والذي يجعلنا أكثر تفاؤلاً وتمسكاً بمستقبل تعاون وتكافل المجتمع العالمي، والذي سيبقى فيه القانون الدولي، يشكل ركائز هذا الدعم، لذلك المستقبل المنتظر.

وجدلياً ، ومن أجل البحث عن مقاربة عملية للأمن العالمي في ظل المضامين العالمية الأنسانية الجديدة، لا يمكننا سوى استحضار تلك الإشكاليات الأزلية حول العلاقة بين القانون والسياسة :

كيف يمكن للقانون الدولي أن يتطور؟ وهل يمكن للقانون الدولي أن يتطور إلا في ظل حياد سياسي يحافظ على استقلاليتة ؟ ولكن،هل ذلك ممكن ؟ وتاريخياً، هل تم تحقيق ذلك؟؟؟؟؟؟؟

سلام الربضي باحث في العلاقات الدولية

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت