نشر موقع وكالة معا، ما قال إنها قصة مثيرة، عن حياة يهودية من أصل مصري تدعى دينا عبد الله، التحقت بجيش الاحتلال في أعقاب هجرتها من مدينة الإسكندرية إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقالت "معا" نقلا عن الموقع الرسمي لجيش الاحتلال، ان السبب الرئيس لهجرة الصهيونية دينا عبد الله، هو الاضطهاد الديني الذي تعرضت وعائلتها له، على يد عدد من السلفيين في مصر.
القصة التي تعتبر نموذجا للفبركة والتزوير التي دأبت عليها آلة الإعلام الصهيونية، والتي يمكن أن تكون قصة لأحد الأفلام على غرار مئات الأفلام التي تصور زورا وبهتانا "المسكنة والمذلة والاضطهاد التي تعرض لها يهود لعالم"، مليئة بالهفوات والتناقضات التي تكشف كذب الصهيونية دينا وزيف قصة هذه "المهاجرة" التي لابد انها احتلت عندما أتت إلى فلسطين، احد البيوت الفلسطينية الذي هجر أصحابه قسرا وغدرا لتسكن فيه "آمنة مطمئنة"، وبعد أن استقر بها المقام فيه بدون حتى"وخزة" من ضمير، تحولت إلى أداة للقتل بالتحاقها بجيش الاحتلال كما فعل مئات الآلاف من الصهاينة، الذين أتوا من أصقاع الأرض المختلفة واقتلعوا الشعب الفلسطيني من أراضيه وبيوته منذ النكبة وحتى اللحظة.
قصة المهاجرة الصهيونية التي تقول وكالة "معا" إن موقع جيش الاحتلال يشبهها بقصص "السندريلا"، هي في الحقيقة لا تشبه سوى كل القصص المفبركة والكاذبة، التي دأب الإعلام الصهيوني على ترويجها، وهي في رأينا تشبه إلى حد بعيد، قصة ما قيل إنها قصة فتاة يهودية، قالت انها كانت ضمن المعتقلات في المعسكرات الألمانية، والتي أصدرت كتابا بعنوان "يوميات آن فرانك"، تحدثت فيه عن غرف الغاز لحرق اليهود، ليتبين فيما بعد، ان القصة كتبت بقلم حبر جاف، وهو النوع من الأقلام التي لم تكن معروفة قبل عام 1951 ،في الوقت الذي كانت الكاتبة المفترضة آن فرانك، قد ماتت عام 1945، أي قبل كتابة القصة بستة أعوام كما يقول روجيه جارودي في كتابه "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية".
موقع جيش الاحتلال يبدأ بوصف "تراجيدي" لحالة المجندة الصهيونية بالحديث عن الطفولة التي عادة ما "تهز" الضمائر، ثم يتوقف أمام الدموع المنهمرة من عيون "المجندة" وهي تسترجع ذكريات الطفولة، لينتقل بعد ذلك بحديث "إنساني" عن المشاعر والقلق والخوف وعدم الإحساس بالأمن والأمان "والغربة والاغتراب"، خاصة عندما تقول انها "لم تكن تعرف أي ديانة تلك هي التي تعتنق، وانها تتعرض للصد والتأنيب بسبب "حالة الضياع" التي تعيش.
المجندة التي غيرت اسمها بعد أن وصلت إلى فلسطين ليصبح دينا عوفاديا، والتي لا نعرف كم فلسطينيا قتلت، تقول انها غادرت مصر وهي في الخامسة عشرة من عمرها وإنها تبلغ الآن الخامسة والعشرين من العمر،وهذا يعني انها غادرت مصر قبل عشرة أعوام أي في العام 2001 أو في العام 2002.
دينا عوفاديا تدعي بأنه لم يكن لديها خلفية عن الإسلام والمسيحية،-وهذا برأينا غير ممكن- ثم تقول انها تنقلت بين المدارس الإسلامية والمسيحية "ولم اعرف من أنا حقا"، ثم تضيف "والدي كان يخفي ديانته اليهودية،وكنت احسبه دوما من المسيحيين العلمانيين".
إن من غير الممكن أن نرى في هذه الأقوال كلها سوى ما يشير إلى كذب مفضوح، خاصة وان من غير الممكن ان لا نعرف ونحن في سن العاشرة أو ما قبل وما بعد ذلك عن الإسلام والمسيحية، أو أي الديانات نعتنق، بالإضافة إلى ان اليهودية في مصر لم تكن أبدا ممنوعة، حتى تضطر "دينا عوفاديا" إلى إخفاء أي دين هي عليه، خاصة وان الجميع يعلم بأن هنالك طائفة يهودية في مصر ولو بعدد محدود، إلا انها معروفة وتقيم طقوسها بشكل علني، ومن المعروف انه وبعد معاهدة كامب ديفيد عام 1979 ، صار يتم تنظيم احتفالات رسمية تستمر لمدة أسبوع في محافظة البحيرة احتفالا بمولد الحاخام أبو حصيرة، وهذا ما ينفي إطلاقا ان الديانة اليهودية أو الوجود اليهودي كان محظورا، أو إن مجرد أن يكون الشخص يهوديا فهو يعيش في حالة من الهلع الدائم وعليه فهو مضطر إلى إخفاء ديانته.
وفي مكان آخر تقول إنها درست منذ الصغر في مدرسة إسلامية، إلا أنها طلبت نقلها إلى مدرسة مسيحية، لأنها لم ترغب في لبس حجاب للرأس، مما يعني انها كانت تدرك ما هو الفرق بين المسيحية والإسلام، كما تتحدث عن انها ذهبت إلى الصلاة في مسجد وهذا أدى إلى تقريعها من والدتها، وكذلك حدث الشيء ذاته عندما ذهبت إلى الكنيسة، فأي استهتار بعقول العالم أكثر من ذلك؟
ثم تتحدث عن نقطة التحول في حياتها، والتي لم تذكر متى حصلت، برغم انه يمكن التكهن بذلك، حيث من المفترض انها حدثت قبل قدومها إلى فلسطين مباشرة، وتتعلق بهجوم لمجموعة من السلفيين المسلحين على بيتهم، علما بأن مثل هكذا حادثة كانت كفيلة بأن يشتغل فيها الإعلام الصهيوني لسنوات طويلة، خاصة في ظل وجود معاهدة سلام بين مصر والكيان، ووجود حسني مبارك في سدة الحكم، وهنا تعترف بيهوديتها وتتحدث عن ان هؤلاء طلبوا منهم – منها ومن العائلة- الرحيل لأنهم يختلفون عنهم عقائديا، وان لا مكان لليهود بينهم.
اليهودية المصرية، المجندة الآن في صفوف الجيش الصهيوني، تمارس القمع ضد أبناء الشعب الفلسطيني كما باقي قوات الاحتلال، تقول "انها وفي اليوم الثاني للحادثة "المصطنعة" قررت العائلة ترك مصر والهجرة إلى دولة الكيان" وتضيف "إننا كنا جميعا متحمسين للفكرة" ثم وفي الفقرة التالية ولأنها تكذب تدعي بأنها كانت "ترفض الذهاب إلى دولة الكيان وتود العيش في مصر".
وكغيرها من بني صهيون، تقول بانها "تعلمت ان تكره اليهود من خلال تعلمها القرآن الكريم حيث ان بعض الآيات تدعوا بشكل صريح إلى قتل اليهود". وتدعي كذلك بانها "شاهدت صور مقتل محمد الدرة" وهذا ما أثر بها بشكل كبير وجعلها ترفض الذهاب إلى دولة الكيان "لم يكن يخطر ببالي انني يهودية، وكان أبي يحرص دوما على عدم معرفتي بديانتي".
وفي مكان آخر حيث يتجلى كذب هذه المدعية تقول "وقبل رحيلي من المنزل كنت أود أن أسلم على صديقي الذي كان يسكن بالمنزل المجاور لنا، والذي كنت أتبادل معه الحديث دائما عبر النافذة، ولكن في ذلك اليوم عندما رآني من الشباك أغلق الستائر ورفض التحدث معي، وحينها أدركت أنه لا مكان لي في هذه البلد، وأنه علينا مغادرة المنزل بطريقة أو بأخرى"، وهي هنا لا تعطي تفسيرا منطقيا لماذا لم يتحدث معها صديقها، خاصة وانه وبحسب سياق القصة المزعومة، لا يعلم ما هي ديانتها، كما انه من المفترض لا يعرف إذا كانت تريد السفر أم لا، وإنما هي لمسة "هوليودية" أرادت بها ان تضيف "مسحة" إنسانية على نفسها، وان تنفيها عن العربي "الفظ والجلف والمتخلف".
عندما تصل اليهودية التي تعمل ضمن قوات الاحتلال الآن إلى فلسطين المحتلة، تختلف الصورة تماما، فهي وبرغم ما قالت انه "الخوف الشديد" الذي شعرت به، إلا انها شعرت بالسرور لأنها التقت بأناس يبتسمون في وجهها مما أشعرها بالراحة والسعادة، وهنا أيضا تحاول القول بطريقة غير مباشرة، انها في مصر لم تجد من يبتسم في وجهها، علما بأن الشعب المصري من أكثر الشعوب العربية والعالمية ابتساما وودا وضيافة، فأي تزوير هذا؟
ربما يكون الشيء الوحيد الذي قالته وفيه الكثير من الحقيقة، هو انها في المدرسة الدينية بعد وصولها إلى فلسطين، وخلال وجودها في ممر المدرسة "صرخت إحدى الفتيات وقالت "هنا عربية" وكاد عدد من الطالبات مهاجمتها، وهنا يبرز البرهان على مدى الكراهية التي يكنها اليهود لكل ما هو عربي، ولعل المتحدث باسم جيش الاحتلال افيخاي درعي الذي تقول بانها التقته بعد التحاقها بجيش الاحتلال، ومن الواضح انه هو الذي علمها "السحر" والذي وعدها بأن ينشر قصتها على نطاق واسع، ينتبه إلى هذه الجملة ويشطبها لأنها تشير بدون مواربة على كراهية اليهود للعرب.
دينا عوفاديا، التي شاهدت كيف قتل محمد الدرة، تأتي إلى فلسطين وتحتل بيتا فلسطينيا وتسكن فيه، وتمارس ضد أطفال فلسطين ما مورس ضد محمد الدرة، تأتي إلى هنا مهاجرة وتتحدث عن الحب والكراهية، وتحاول تعليم الآخرين كيف يكون الحب والإنسانية، وهي التي كان من المفروض ان يعلمها مقتل الدرة بتلك الطريقة البشعة، ان لا تقتل أو ان لا تكون أداة للقتل وألا تتماها مع القتلة، وألا تدافع عن النظام الصهيوني بحجج وذرائع لم تعد مقنعة لأحد سوى لمن يمارسها.
دينا عوفاديا ليست سوى نموذجا للعقلية الصهيونية الاستيطانية، وهي على افتراض ان قسما كبيرا من قصتها كان حقيقيا، ليست سوى التعبير الحقيقي عن العقلية الاستعمارية الاستيطانية الاقتلاعية التي يتمتع بها غلاة المتطرفين الصهاينة، وإلا لكانت على الأقل اختارت ألا تكون مجندة في جيش عنصري مهمته الأساسية قتل الفلسطينيين وأطفالهم والتنكيل بهم وتشريدهم والسطو على أرضهم ومنازلهم وذبح ما تيسر منهم كلما سنحت الفرصة.
6-4-2013
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت