من يتابع المشهد الفلسطيني هذه الأيام يدرك أن ثمة شيء ما قادم ، لا ندري ما هو والسبب بطبيعة الحال أننا لسنا قريبين من صناع القرار ، أو حتى القريبين منهم ، حتى نستطيع التعرف أكثر عما يدور في الأذهان ، وكل ما نتلقاه من معلومات هو ما تنشره وسائل الإعلام ، حيث نعكف عليها دراسة وتحليلا واستنتاجا ، ففي خلال الشهر الماضي شهدت ساحتنا العديد من الأمور تثير الاستفهام وهي :
- استقالة وزير المالية نبيل قسيس ، ورفضها من قبل الرئيس وقبولها من رئيس الوزراء .
- زيارة اوباما ، وما نجم عنها من تفكيك الأزمة المالية للسلطة ولو بشكل مؤقت ، بإعادة ضخ بعض الأموال سواء من الجانب الإسرائيلي بالإفراج عن أموال الضرائب المحتجزة لديها منذ عدة أشهر ، وتحويل مئات الدولارات من الولايات المتحدة الأمريكية ، والدعوة لإحياء المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي .
- قرارات القمة العربية بعقد قمة مصغرة للمصالحة ، ما تبعها من حديث عن التمثيل الفلسطيني في أي هذه القمة ، والدعوة لإنشاء صندوق للقدس بمبلغ مليار دولار
- توقيع اتفاقية لحماية المقدسات الإسلامية بين الرئيس عباس والملك عبد الله الثاني ملك الأردن .
- زيارة كيري للمنطقة والدعوة للتنمية الاقتصادية في الضفة الغربية ، والبحث في إحياء المفاوضات .
- إعادة انتخاب السيد خالد مشعل رئيسا للمكتب السياسي لحركة حماس .
- حديث المصالحة وزيارة بعض الوفود الفلسطينية إلى القاهرة لبحث الموضوع
- مسالة رواتب موظفي قطاع غزة ، والخصومات الكبيرة الذي حدثت ، بالإضافة إلى قطع رواتب آلاف الموظفين .
- إعلان لجنة الانتخابات بالانتهاء من إعداد السجل الانتخاب ، وما يترتب على ذلك من ضرورة إصدار مراسيم رئاسية بتحديد مواعيد للانتخابات الرئاسية والتشريعية .
كما نلاحظ كم كبير زيارات واتفاقيات ولقاءات وقرارات في اقل من شهر ، ما يدفعنا للتساؤل ماذا يجري ، ولماذا هذا الحراك المحموم الذي لم نعهدة من قبل ، في اعتقادي أن ما حدث في الشهر الماضي إنما يحمل في طياته أننا سنشهد في الفترة القادمة عناوين كبرى متشابكة ومتداخلة ، هذا التداخل والتشابك يجعلها على درجة من التعقيد ، يصعب معها الخروج من الأزمات التي تواجه شعبنا ، وأولها أزمة الانقسام ، وأزمة المشروع الصهيوني المستمر والمتنامي من نهب للأراضي وتوسيع للاستيطان ، ومن ثم السير قدما في تحقيق الحلم الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة ذات السيادة الكاملة وعاصمتها القدس الشريف ، واعتقد أن هذه العناوين الكبرى إنما هي المصالحة الفلسطينية ، والمفاوضات مع إسرائيل ، إذ يدرك القائمين على هذين العنوانين من الفلسطينيين ، والمتدخلين من العرب والعجم والأجانب ، إنهما لا يستقيمان أبدا فلا مصالحة مع المفاوضات ، طالما أن الساحة الفلسطينية تشهد حالة استقطاب حادة بين تيارين متصارعين مختلفين إيديولوجيا، حيث وضع الأول المفاوضات كوسيلة استراتنيجية لتحقيق الأهداف ، بينما يرى الثاني عكس ذلك ، وان صدرت التصريحات من هنا وهناك بالاستعداد للمصالحة والتفاؤل الدائم بقرب حدوثها ، على أي حال وفي ضوء ما ذكرناه من أمور شهدنها الأسابيع الأخيرة ، فإن امرأ ما سيحدث ، خاصة وان ما ظهر لنا من نتائج زيارة اوباما الأخيرة للمنطقة وزيارة وزير الخارجية الأمريكي ، نستطيع القول أن فلسطين وشعبها قد وضع على لوحة الشطرنج الأمريكية ، وهي تستعد في هذا الأثناء إلى ترتيب الأوضاع في منطقتنا هذه المنطقة التي تزداد التهابا منذ انطلاق ما يعرف بثورات الربيع العربي ، حيث قام الرئيس الأمريكي بإزالة الغشاوة لمن ظن أن بعض القوى الإقليمية إنما ابتعدت كثيرا عن طموحاتها وأطماعها وتحالفاتها ، عندما تم الإعلان عن المصالحة التركية الإسرائيلية التي أصابها بعض الخدش نتيجة حادث السفينة مرمره ، ليصحوا الكثير ويتذكر أن تركيا ما زالت عضوا في حلف الناتو ، وما زالت تربطها بإسرائيل اتفاقيات تعاون لم تنقطع يوما ، كما أن تركيا من أكثر دول المنطقة التي تحاول القضاء على الدولة السورية ، لأهداف تتلاقي مع الأهداف الإسرائيلية .
نعم لقد جاء اوباما ووقف هنا في ارض فلسطين ، ولكن كان ينظر إلى هناك إلى سوريا وما يجري هناك ، والى مصر وما يجري فيها والى جل المنطقة العربية ، ولما كانت المسالة الفلسطينية هي المسالة الأهم على الرغم تراجعها مؤقتا في ظل انشغال العالم بما يجري في منطقتنا من ثورات ، فإن الولايات المتحدة باتت تدرك بان مفتاح أي تحرك آمن لسياستها إنما يبدأ من فلسطين لذلك نجدها حريصة الآن على شغل الفلسطينيين بمفاوضات لا تأتي بشيء ، وان جاءت بشيء فسوف يكون هزيلا .
ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية قد أخرجت قطاع غزة من أجندة تحركاتها الحالية ، لتتركه للتجاذب بين كل من إسرائيل ومصر ، حيث ترغب إسرائيل بقذف قطاع غزة إلى الحضن المصري ، في حين ترفض مصر وبالطبع حركة حماس المسيطرة على قطاع غزة ، ويظهر ذلك من تصريحات كيري حتى عندما اغفل قطاع غزة عند حديثه عن إنقاذ الاقتصاد الفلسطيني.
والغريب أن توجه الإدارة الأمريكية تجاه قطاع غزة يجد قبولا عند العديد من الفلسطينيين حتى قبل زيارة كيري ، وقد برز هذا التوجه في بعض الإجراءات التي استهدفت قطاع غزة وسكانه ، عندما تمت خصمت وزارة المالية نسبة كبيرة من رواتب الموظفين بحجة تغطية قيمة فاتورة الكهرباء المتأخرة في قطاع غزة ، وإيقاف رواتب آلاف الموظفين المتواجدين في الخارج لأسباب مختلفة منها أسباب أمنية ، بل وصل الحد أن دعا البعض عن قطع رواتب جميع موظفي قطاع غزة ، صحيح أن مسالة الخصم قتمت معالجتها وقطع رواتب الموظفين المتواجدين في الخارج جاري علاجها لكن لا ينفي هذا أن تيارا فلسطينيا يرى أن قطاع غزة أصبح عبئا على كاهل السلطة ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فهناك من يرى إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في المحافظات الشمالية ، دون انتظار قطاع غزة ، من هنا يمكننا القول أن ثمة قبولا عند البعض بالأمر الواقع الآن والذي فرضه علينا الانقسام البغيض .
من جهة أخرى فإن عملية انتخاب أعضاء المكتب السياسي لحركة حماس ، وإعادة انتخاب السيد خالد مشعل رئيسا للمكتب ، والذي يأمل الكثيرين في يعمل مشعل على تسريع وتيرة المصالحة إذا ما تم تناولها ، إلا أن حركة حماس باتت تلح كثيرا في مسالة التمثيل الفلسطيني حتى قبل إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية ، وهو ربما ما يعمل على عرقلة مبكرة لمحاولات إتمام المصالحة خاصة إذا تم العمل بتوصية القمة العربية الأخيرة ، والتي تقضي بعقد قمة مصغرة تبحث موضوع المصالحة ، على أي حال فإننا بانتظار ما يتخذه الرئيس عباس من قرارات خاصة بعد أعلنت لجنة الانتخابات المركزية عن الانتهاء من إعداد السجل الانتخابي المحدث ، وتسليمه إلى الرئيس ، عندها ستتضح بعض الأمور فيما يتعلق بالمصالحة أو من عدمها .
في انتظار ما ستسفر عنه الأيام القادمة ، نأمل أن لا نرى قطاع غزة يتدحرج تجاه مصر ، والضفة الغربية تتحرج تجاه الأردن، عندها قولوا على فلسطين السلام .
أكرم أبو عمرو
غزة – فلسطين
13/4/2013
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت