ليس غريبا أن يتقدم وزيرا أو رئيسا للوزراء في أي بلد من بلاد العالم باستقالته إلى رئيس الدولة ، لأي سبب من الأسباب ،ولكن استقالة رئيس الوزراء الفلسطيني كان لها لونا خاصا ، حتى ما قبل تقديم الاستقالة بشكل رسمي ، حيث احتلت استقالة الدكتور سلام فياض رئيس الوزراء مكانه بارزة في وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية والدولية ، بل جاءت على صدر الصفحات الأولى للعديد من الصحف العربية والأجنبية ،فلماذا هذه الاستقالة ، والتي تعرضت لتدخلات كثيرة غير فلسطينية ، ما هي أسبابها وما هي تداعياتها ، هذا ما سنحاول تناوله في هذه السطور .
لقد جاءت الاستقالة لأسباب عدة تناولها العديد من الكتاب ، ومنها الضغوطات التي تعرض لها من حركة فتح ، وبعض الممارسات التي أزعجت مؤسسة الرئاسة ، ومنها قبول استقالة وزير المالية متجاوزا الرئيس ، ولقاء اوباما منفردا ، لكن اعتقد أن السبب القوي لاستقالته هو ذلك الضغط الشعبي الذي تعرض له ، خاصة بعد قضية رواتب الشهر الماضي لموظفي قطاع غزة ، الأمر الذي خسر معها كثيرا من أسهمه ، وهنا اشتم رائحة نفحة من ربيع فلسطيني ، نجح في دفع الدكتور فياض إلى التنحي ، وان كنت لا اويد مطلقا ما يعرف بثورات الربيع العربي لأنها اثبت بأنها ثورات ضد أشخاص وليست ثورات ضد أنظمة ، وها نحن نرى النتائج في ليبيا ومصر واليمن والعراق ، ناهيك عما يجري في سوريا ، ونأمل إلا يتكرر ذلك في بلادنا أي أن يستبدل شخص بشخص ويبقى الحال على ما هو ، على أي حال فلدينا إشارة إلى إن هناك إمكانية للتغير بإرادة الجماهير ، ونرجو أن يكون تغييرا بالمعنى الحقيقي وليس كالتغيير الذي يحدث في عالمنا العربي اليوم .
قبلت استقالة رئيس الوزراء وبقي ميسرا للأعمال ، وهذا يدل أن علاقته بالسيد الرئيس علاقة جيدة ، ومسالة استقالة وزير المالية ولقاء اوباما لم تؤثر كثيرا على هذه العلاقة ، كما أذاعت يغض وسائل الإعلام ، وإلا لقام بتقديم استقالته وأدار ظهره ، ليتولى شخص آخر إدارة الأمور لحين تعيين رئيس وزراء بدلا منه ، على حال نحن هنا لم نشكك في نزاهة رئيس الوزراء ، ولا نشكك في وطنيته ، فالرجل عمل بكل صدق وإخلاص ، واجتهد في عملة وحقق من الانجازات ما شهدت به منظمات دولية كثيرة ، إلا إننا نعتقد بان الرجل قد وقع ضحية للوضع الهش التي تعيشه السلطة الوطنية الفلسطينية منذ عدة سنوات ، وبالتحديد منذ الانقسام ، حيث فقدت سيطرتها على جزء هام من الوطن – قطاع غزة ، بل لا يستقيم هذا الوطن إلا بهذا الجزء ، وبفقدان هذا الجزء تعطلت المؤسسات الدستورية التي تقوم بدور الرقابة والمحاسبة، كالمجلس التشريعي المعطل حتى ما قبل الانقسام ، بل أن هذه المؤسسات قد فقد شرعيتها الدستورية أيضا بتجاوزها فتراتها الذي يحددها القانون الاساسيى ، واقصد هنا الرئاسة والمجلس التشريعي ، لذلك عاب دور الرقيب ، وساد العمل الفردي ، وما يسوده من أهواء هنا وتدخل من هناك .
لذلك أعتقد بان استقالة الدكتور فياض على درجة كبيرة من الأهمية لأنها كشفت هذه الهشاشة التي تناساها الكثير ، بل رغب في استمرارها ، لمآرب في أعلبها فئوية وحزبية ، ولذلك لا بد من الإسراع في تصويب الخطى ، وخاصة أن فلسطين حظيت باعتراف أممي باعتبارها دولة بصفة مراقب وبالتأكيد سوف لم يمض وقت طويل حتى تصبح دولة عضو كامل العضوية ، ولكن هذا يتطلب منا القيام بالعديد من الخطوات لتعزيز وتجسيد هذا المكسب الذي يعتبر من أعظم انجازات شعبنا في القرن الحادي والعشرين إن لم يكن في تاريخ القضية وهذه الخطوات هي :
أولا : البدء في التشاور لتشكيل حكومة تكون بالفعل حكومة دولة فلسطين ولتكن وفقا لاتفاق الدوحة حتى تبدآ في الإعداد لانتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني .
ثانيا : سرعة إصدار المراسيم الرئاسية بتحديد مواعيد للانتخابات التشريعية والرئاسية ، خاصة بعد اكتمال السجل الانتخابي وجاهزية لحنة الانتخابات للعمل .
ثالثا : الدعوة لانعقاد المجلس التشريعي واعتباره في حالة انعقاد دائم حتى يتم انتخاب مجلس تشريعي جديد، لمراقبة أداء الحكومة أولا ، وما يتعلق بالانتخابات من قوانين .
رابعا : الإعلان رسميا عن إنهاء الانقسام وتشكيل الجان الخاصة من أعضاء المجلس التشريعي لمعالجة القضايا الاجتماعية والإدارية الناتجة عن الانقسام تحت إشراف المجلس التشريعي .
خامسا : التوقف عن الحملات الإعلامية بين الفصائل ، وليكن إعلامنا إعلاما فلسطينيا أينما وجد وفي كل زمان .
اعتقد بهذه الخطوات وهي خطوات ينادي بها الكثير ، هي الكفيلة بتثبيت أركان دولتنا الفلسطينية ، وهي الكفيلة بان نقذف مصطلح السلطة الوطنية الفلسطينية وراء ظهورنا ليحل بلا منه اسم دولة فلسطين ، ونبدأ التحرك في بناء دولتنا على أسس سليمة ، مع الاستمرار في نضالنا من اجل استكمال بقية مشروعنا الوطني ، والبدء في السعي الحثيث لنيل حقوق شعبنا المشروعة التي اقرها القانون الدولي والإنساني وأولها ملاحقة مجرمي الحرب في المحافل الدولية .
أكرم أبو عمرو
غزة – فلسطين
15/4/2013
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت