العيساوي وعساف ومعاناة شعب

بقلم: نافذ غنيم


أثار اهتمامي الحالة الشعبية وردود الفعل المتباينة تجاه صعود المغني الفلسطيني محمد عساف في "عرب أيدول"، وكان قد سبقها ولازال الاهتمام الشعبي والوطني بالمناضل سامر العيساوي المضرب عن الطعام منذ ما يزيد عن مائتا يوم، وما يتصل بذلك من تفاعل شعبي منتظر مع الأسرى الفلسطينيين بمناسبة يوم الأسير الفلسطيني، هذه المناسبة التي تكثف العمل الوطني والشعبي دعما لكافة أسرانا الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي دفاعا عن حقوقهم الإنسانية خلف القضبان، وحقهم الأساس بالتحرر من الأسر الذي يعتبر جريمة ووصمة عار على جبين الاحتلال الإسرائيلي المعادي لكل القيم الإنسانية, وما تسعى إليه سياسته العدوانية والعنصرية لتدمير شعبنا بكافة مقوماته الروحية والمادية, وصولا لان يكون عاجزا متخلفا لا يقوى على النضال او المبادرة والإبداع, ومعزولا عن محيطه بكل امتداداته بهدف تكريس صورة مشوهة عن الإنسان الفلسطيني لدى الشعوب الأخرى، وإظهاره في صورة كائن لا يرتقي لمصاف البشر, والادعاء بأننا شعب لا يمتلك مقومات تقرير المصير والاستقلال والحرية, وبان مصيرنا يجب ان ينحصر في حدود إرادة الإسرائيليين, وفي إطار المساعدات الإغاثة, وضمن حدود العجز والتخلف .
في مواجهة ذلك واصل شعبنا بكل قوة وعناد إصراره على كسر واقع الظلم, متمردا على كل ما يعيق مسيرته الوطنية والاجتماعية والثقافية, ليرسم بذلك صورة مشرقة للشخصية الفلسطينية المكافحة الرافضة للظلم ولكل أشكال الامتهان لكرامتها, وليفجر طاقات الإبداع الفلسطيني في كافة المجالات من النضال إلى العلم إلى الابتكار, إلى الأدب والفن، وإلى كافة المجالات التي تشكل هوية وشخصية أي شعب يحترم ذاته، ويشق طريقه بثبات نحو الحرية والاستقلال, وبناء وطن حضاري منتج ومبدع، يشارك فيه الجميع كل حسب إمكانياته وإبداعاته الشخصية دون تمييز او إقصاء .
العيساوي مناضل فذ، ومعركته في سجون الاحتلال الإسرائيلي امتداد لمعركة إخواننا ورفاقنا ومجاهدينا داخل السجون الإسرائيلية, وهي ملحمة بطولة تضاف إلى ملاحم شعبنا البطولية, تفضح ممارسات الاحتلال البشعة أمام العالم، وشعبنا بكل قواه وفعالياته يقف بقوة إلى جانب هذا المناضل وكافة أسرانا الأبطال, ولا يمكن لهذه المعركة أن تكون على حساب المعارك الأخرى رغم أولويتها، كما لا يمكن أن نغلب القضايا الأخرى عليها باعتبارها القضية الاسخن في وقتنا الراهن .
عساف مكافح فلسطيني كما هو حال شعبنا الصامد في الوطن, الذي يعاني ظلم مركب في قطاع غزة بسبب ظروفه الخاصة, صوت فلسطيني انطلق من قلب الدمار و الحصار، ومن آتون الآم والمعاناة، ليتمرد على كل الحواجز والحدود . هو شاب وهبه الله قدره متميزة ليس من السهل أن يتصف بها الجميع, وجد الشجاعة ليشق طريق نجوميته التي لا تنفصل عن نجومية شعبنا المكافح من خلال مشاركته في برنامج "عرب أيدول", هو انتشار ببعد جديد لشعبنا ليصل إلى كل بيت وكل إنسان، ليقول, أنا فلسطيني انتمي لشعب يتمرد على الحصار لأصل بصوتي إلى أرجاء العالم, وأن سياسة العزل والتشويه لا يمكن أن تنتصر, فنحن شعب يشق طريق النضال والشهادة من اجل صنع الحياة, حياة كريمة يسعد فيها أبناؤنا كافة، حياة تحررنا من كل أشكال الظلم والاضطهاد، وكافة السجون بأنماطها المادية والمعنوية .
أقول لؤلئك الذين يحاولون التقليل من شان هذه الانطلاقة المتميزة للمبدع عساف او يسعون لتشويهها بتعليقات صغيرة..من المفيد لشعبنا وقضيته أن ننتشر عربيا ودوليا, وصولا لكافة المحافل السياسية, والاجتماعية, والاقتصادية، وكذلك لمحافل الإبداع الفكري والثقافي المتنوع, بما في ذلك المحافل الفنية .
وبرغم حداثة تجربة هذا الفنان وما أبدعه من غناء وطني وطرب أصيل في مشواره الأول، فإنني انصحه وباقي فنانو بلادنا ان يكرسوا جل اهتمامهم للفن الملتزم, لينشدوا للوطن وقضايا الناس, للفقر والخبز, للحب وللحياة وللأرض, أن تعبر أغنياتهم عن واقعنا الفلسطيني بكل أبعاده الإنسانية، ولتحمل مضامين ثورية تغذي الروح, ولتعبئ المساحات الضائعة في ذوات شبابنا الفلسطيني لتحفزهم على الالتزام والعطاء والإبداع في كافة المجالات.
أخيرا أقول .. ليس من المفيد ولا المنصف أن يقارن البعض تجربة العيساوي بتجربة عساف، أو أن يُضعا في تعارض او في ميزان التفضيل, فبرغم خصوصية كل حالة وظروفها، يبقى الاثنان من صلب شعبنا, ولكل دوره في النضال والإبداع والعطاء, وليس من شيء على حساب الأخر.
كل الدعم الشعبي للمناضل العيساوي ولكافة أسرانا الأبطال, وكل الدعم الشعبي للفنان المبدع محمد عساف.
وسيبقى يوم الأسير الفلسطيني رمزا لنضال الأحرار، وصرخة تمرد على واقع الظلم, نحو الحرية والتحرر بكل أبعاده.
غزة/ 15-4-2013م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت