أنهى وزير الخارجية الأميركي "جون كيري" جولته في كل من إسرائيل وفلسطين دون تحقيق أي نتائج، حتى أنه فشل في إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" بإطلاق سراح (123) أسيراً فلسطينياً من القدامى، علماً أنه قبل اتفاق أوسلو كان الاتفاق بين الجانبين، منذ الحكومة قبل السابقة، على إطلاق سراحهم، كما يرفض "نتنياهو" الطلب الفلسطيني بعرض خارطة طريق واضحة لحدود الدولة الفلسطينية، ورفض الطلب الأميركي بإشراك تركيا في عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، مما يزيد في قناعتنا بعدم وجود أية فرصة للتوصل إلى حل سلمي للقضية الفلسطينية، طالما أن الولايات المتحدة تتبنى المواقف الإسرائيلية، وطالما أن الخارطة السياسية-الحزبية الإسرائيلية يمينية متطرفة لا تؤمن بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ولا بقرارات الشرعية والقانون الدولي، فإسرائيل مستمرة بخداعها العالم، وبما تسميه بحل الدولتين، وخديعة المفاوضات المباشرة، وأنه لا وجود لقرار إسرائيلي واحد يقر بحل الدولتين، كما أن الفلسطينيين لا يريدون تخديرهم ببوادر حسن نية مسمومة، بل أن ما يريدونه تنفيذ التزامات إسرائيل المترتبة عليها من الاتفاقات الموقعة التي تتنكر لها، فإن وقف الاستيطان، والإفراج عن أسرى، وفتح المؤسسات الفلسطينية التي أغلقتها في القدس الشرقية، وإعادة الانتشار من مناطق (ج) وتحويلها إلى مناطق (أ)، وإلغاء الإدارة المدنية الإسرائيلية، واحترام الالتزامات الأمنية والإقتصادية، كل هذه الأمور، لا تندرج في بوادر حسن نية، أو إجراءات بناء الثقة، وإنما التزامات ترتبت على الحكومة الإسرائيلية، وفقاً للاتفاقات الموقعة، وتتنكر لها الحكومة الإسرائيلية.
إن ما يجري الترويج له تارة بأن "كيري" لا يحمل اقتراحات أميركية، وأخرى يعلنون باسم "كيري" عن اقتراحات أميركية، وحسب جريدة "هآرتس 8-4-2013" بأن "كيري" سيطرح خطة لاستئناف المفاوضات، وليس لإنهاء الاحتلال وتحقيق السلام، فاتفاق "كيري" مع "نتنياهو" على مشاريع ومساعدات اقتصادية، بما في ذلك في منطقة (ج)، وإحياء مشروع الغاز الفلسطيني القريب من ساحل غزة، لا تندرج بخطة سياسية لحل الصراع، بل يكون
"كيري" قد حقق مشروع الحل الاقتصادي الذي سبق أن طرحه نتنياهو قبل سنوات، أي أن من نتائج هذه المحادثات، العودة إلى الوراء، بل إلى المربع الأول، و"كيري" يقول صراحة أنه لا يعتزم طرح خطة أو خرائط أميركية تؤدي إلى الحل.
"كيري" الذي يحث الطرفين على استئناف المفاوضات للخروج من الطريق المسدود، كل همه إحياء المسيرة التفاوضية دون جدول زمني ومرجعيات تؤدي إلى الحل، حتى أنه فشل في بلورة حزمة بوادر حسن نية من قبل إسرائيل تشجع على استئناف المفاوضات، فإسرائيل تضع أمام الفلسطينيين شروطاً تعجيزية لا يستطيعون القبول بها لإضاعة الوقت، والاستمرار بمشروعها الاستيطاني، لكي لا يبقى ما يمكن التفاوض عليه.
وزيرة العدل الإسرائيلية "تسيفي لفني"، المسؤولة عن ملف المفاوضات، وتحت ضغوط وانتقادات لاذعة من الحلبة السياسية الإسرائيلية، تراجعت عما أعلنته بأن استئناف المفاوضات لا يحتاج إلى اعتراف فلسطيني بيهودية الدولة، بل تندرج بالحل النهائي، فالمتحدثون باسم الحكومة الإسرائيلية أضافوا تعديلاً جديداً له أبعاد كبيرة، بطلبهم اعتراف الفلسطينيين "بالدولة القومية للشعب اليهودي"، ومطالبتهم بتجميد توجه الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة، وإلى المحكمة الجنائية الدولية، كما يطالبون بوقف التحريض ضد إسرائيل في مناطق السلطة الفلسطينية، لكن عليهم أن ينظروا بالمرآة للتحريض الرسمي من خلال تشريعاتهم، والتحريض والاعتداءات اليومية التي يقوم بها المستوطنون، والتنظيمات اليمينية والإرهابية ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم، فالاحتلال بحد ذاته هو التحريض بعينه، بينما التصدي له هو واجب فلسطيني، وإسرائيل آخر من يحق لها اتهام الفلسطينيين بالتحريض.
إن موضوع اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة، بشكل أو بآخر، هو من المحرمات، فهي تريد عرقلة المفاوضات من وراء طرحه، فقد جاء في جريدة "معاريف 9-4-2013" أن إسرائيل عرضت على الفلسطينيين الاعتراف بيهودية الدولة، مقابل مطلب الفلسطينيين بتجميد الاستيطان، فيأتي الوزير "سلفان شالوم" المؤثر على اتخاذ القرار في حزبه الليكود، وفي الحكومة، ليكشف عن حقيقة الطلب الإسرائيلي بالاعتراف الفلسطيني الذي يهدف كما جاء على لسانه: الاعتراف بإسرائيل كالدولة القومية للشعب اليهودي، كي لا يعود إليها الفلسطينيون في المستقبل، "معاريف 8-4-2013".
إن إعطاء فرصة شهرين لوزير الخارجية الأميركي لإنجاح مهمته، هو رهان خاسر، فإن عدم استجابة إسرائيل لطرح خارطة الدولة الفلسطينية، واستمرار ابتلاعها للأرض يعني إغلاق الطريق أمام أية فرصة للتسوية، فإسرائيل حصلت على التشجيع من تصريحات الرئيس الأميركي لدى زيارته لإسرائيل، حين قال بأن الأميركان لن يطالبوا إسرائيل بتجميد الاستيطان، فقد تراجع الرئيس (90) درجة عن مواقفه السابقة، أما "كيري" فقد اعتبر بأن تحويل إسرائيل لمستحقات الضرائب للفلسطينيين هو خطوة إيجابية للعودة إلى المفاوضات، وهو على خطأ، إذ أن هذه الأموال حق للفلسطينيين، وإسرائيل تحصل على 3% عن جبايتها لهذه الضرائب، فجميع الوعود من إطلاق سراح أسرى، وتوسيع صلاحيات السلطة -لا سيما في مناطق "ج" - وحرية بناء الفلسطينيين فيها، فإن عودة منطقة "ج" للسلطة الفلسطينية مندرج في وثائق اتفاقات اوسلو، لكن إسرائيل لا تحترم الاتفاقات، ولا قرارات الشرعية الدولية، وهي لا تسعى للسلام بل أن السلام لا وجود له في عقلية الحكومة الإسرائيلية، ولا أمل في أية زحزحة بالنسبة للحل في المواقف الإسرائيلية، ويبقى أمام الفلسطينيين ثلاثة خيارات هي:
1- الاستسلام لسياسة الأمر الواقع الإسرائيلية، من استمرار الاستيطان ونهب الأراضي الفلسطينية والممارسات القمعية حتى تتغير الأوضاع العربية والدولية.
2- لا فائدة من أية مفاوضات، بل يجب العودة إلى الأساس والجوهر، بالمطالبة بتطبيق قرارات الشرعية الدولية بالنسبة للشعب الفلسطيني، ولو عن طريق التوجه للمحكمة الدولية، فهناك عشرات القرارات الدولية لصالح الفلسطينيين، والغريب مطالبة الولايات المتحدة حركة حماس الاعتراف بالاتفاقات الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية، وقرارات اللجنة الرباعية، في الوقت الذي لا تلتزم إسرائيل بهذه الاتفاقات وتتنكر لها.
3- أما الخيار الثالث، فلا بد من حل السلطة الفلسطينية، وتحميل إسرائيل أمام الله والتاريخ مسؤوليتها، وأعباء احتلالها للأراضي الفلسطينية، إذ أن حل السلطة سيشكل أعباء كبيرة على إسرائيل خاصة الأمنية، لتعود الفوضى والمقاومة، وتشكل ضغطاً عليها وعلى الولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية وعلى الدول العربية أيضاً.
وختاماً ... فإن إرسال وفد من وزراء الخارجية العرب للولايات المتحدة - مع أهميته- جاء متأخراً جداً، والإدارة الأميركية مرهونة للكونغرس ولوبيات صهيونية ولا تستطيع الضغط على إسرائيل، وعلى الأقل الامتناع عن اللجوء إلى "الفيتو" في مجلس الأمن لإنقاذ إسرائيل، فقد خاضت الولايات المتحدة عدة حروب من أجل عيون إسرائيل، بعد إخراج كل من مصر والأردن من حالة الحرب معها، فدمرت الجبهة الشرقية بحربها على العراق، والآن ما يجري من تدمير لسوريا، مريح ويصب في مصلحة إسرائيل، وهاجس إسرائيل ما زال تدمير النووي الإيراني، ولا أحد يتحدث عن النووي الإسرائيلي، مما يجعلنا نصل إلى قناعة بأن السلام وإقامة الدولة الفلسطينية لن يتحققا، إلا إذا قام المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، بإلزام إسرائيل بتطبيق قرارات الشرعية الدولية، واحترام القانون الدولي.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت