يعتبر التحكيم الدولي واحداً من الحلول القضائية للمنازعات الدولية، وقد جاء في المادة (37) من معاهدة لاهاي لسنة 1970 بأن: (التحكيم الدولي يهدف الى تسوية المنازعات بين الدول على يد قضاة تنتخبهم هذه الدول وعلى أساس احترام الحق، وان اللجوء إلى التحكيم يفترض التعهد بالرضوخ للحل الناتج عنه على أساس حسن النية).
نلاحظ من نص هذه المادة ما يلي:
1. ان التحكيم طريقة حل حقوقية للمنازعات والخلافات الدولية.
2. ان اللجوء اليه اختياري وقد يصبح الزامياً بواسطة المعاهدات الخاصة.
3. ان التقيد بنتائجه وتنفيذه إلزامي.
كان التحكيم قد مر بثلاثة مراحل: المرحلة الاولى كانت بتحكيم البابا وامبراطور الامبراطورية الرومانية الجرمانية المقدسة في القرون الوسطى، والمرحلة الثانية كانت بتحكيم لجان مختلطة، والمرحلة الثالثة كانت بتحكيم قضائي .. اما التحكيم القضائي فقد كان بمظهرين: الاول كان بتسليم الخلاف الى محكمة عدلية قائمة، والثاني كان بالاتفاق بين الاطراف المتنازعة على تسليم الدعوى الى شخص منفرد من رجال القضاء والقانون.
التحكيم في العرف الدولي
لقد انبثقت عن التعامل الدولي القواعد التالية التي يخضع لها التحكيم الدولي:
1. من حيث الاساس: يستند التحكيم الى ارادة الدول التي تبدو في اتفاق التحكيم المعقود بينها.
2. من حيث الموضوع: يتناول التحكيم الدولي المنازعات الحقوقية كتفسير معاهدة او تنفيذها او تعيين مدى العطل والضرر الناشئ عن المسؤلية الدولية او غير ذلك.
3. فيما يتعلق باختصاص المحكمين فإنه يأتي باتفاق التحكيم.
4. اما الاجراءات التي تتبع في التحكيم، فهي اجراءات خطية ونادراً ما تكون شفوية، ويحق للمعترض ان يسجل اعتراضه، ويكون الحكم نهائياً وملزماً للاطراف ولا يجوز الطعن به الا بطريق اعادة النظر فقط وذلك عند حدوث تزوير او غش او خطأ جسيم او تهديد او تجاوز في الاختصاص.
محكمة التحكيم الدائمة
اتفقت الدول في مؤتمر لاهاي سنة 1899 على تأسيس محكمة (التحكيم الدائمة) ويرمز لها بأحرف ((A.P.C، ومقرها في مدينة لاهاي ثم جاء مؤتمر لاهاي الثاني سنة 1907 ونظم هذه المحكمة .. ومن ابرز ما اتفق عليه الاعضاء في معاهدتي لاهاي سنة 1899 و 1907 هو وضع ملاك للتحكيم يكون مؤلفاً من اربعة محكمين عن كل دولة وهذا يشكل قائمة مشتركة بحيث يتم انتقاء المحكمين منها باختيار الدول المتنازعة، ومدة المحكمين ست سنوات قابلة للتجديد، وتقدم كل دولة اسماء محكميها وتشترك في دفع نفقات المحكمة ومكتبها الدائم.
اما المكتب الدائم للتحكيم الدولي فقد تم انشاؤه في لاهاي لتتمكن الدول الاعضاء من مراجعته والاتصال به عند الاقتضاء، وهو موضوع تحت اشراف مجلس اداري مؤلف من الممثلين الدبلوماسيين للدول المشتركة في المحكمة لدى حكومة هولندا يرأسهم وزير الخارجية الهولندية.
لقد اقر مؤتمر لاهاي الثاني الاجراءات التي يتم اتباعها لدى هذه المحكمة وذلك في حال عدم اتفاق الاطراف المتخاصمة على خلافها، اما في حال تحكيم احد رؤساء الدول فان له وحده تحديد الاجراءات.
الوضع الحالي للتحكيم الدولي
لقد اتسع موضوع التحكيم وتطور لدرجة انه سمح للافراد انفسهم بالمثول امام المحاكم التحكيمية المختلطة، ومنذ عام 1919 اصبح التحكيم الزامياً لبعض المنازعات الحقوقية الدولية، وقد ذكرت المعاهدات التي عقدت بعد الحرب العالمية الاولى (ان الخلافات الناشئة عن الاستملاك او عن التجريد من الملكية او عن الاصلاح الزراعي هي من اختصاص محاكم تحكيمية مختلطة).
وفي سنة 1949 اعادت الجمعية العمومية للامم المتحدة النظر في صك التحكيم العام الذي اعدته عصبة الامم سنة 1938 واوصت الدول الاعضاء اعتماده. ويتضمن هذا الصك اجراءات المصالحة واللجوء للتسوية القضائية عن طريق محكمة العدل الدائمة للخلافات ذات الطابع الحقوقي او التحكيم بواسطة محكمة خاصة مؤلفة من خمسة اعضاء للخلافات ذات الصبغة السياسية.
بقلم الدكتور حنا عيسى - أستاذ القانون الدولي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت