رغم ما يعلن من توقعات عن مؤامرات وسيناريوهات تظهر من حين لآخر تقلق الفلسطينيين تتعلق بترتيب أوضاع جديدة لغزة والضفة الغربية والتمثيل الفلسطيني قد تنفيه حماس مرة وتسكت عنه مرات وتتواكب هذه الحالة مع علامات الارتباك على منظمة التحرير وحكام رام الله فتصدر التصريحات والبيانات في كل خطوة تقوم بها حماس أو أية ترتيبات يقوم بها مناصري حماس من الحكام الجدد من الاخوان المسلمين او حلفائها مثل تركيا وقطر فأنه ليس لديا قناعات بإمكانية نجاح أيا كان من هؤلاء ومعهم حماس من اقتناص الواقع المأساوي الفلسطيني بعد خطوة حماس الانفصالية ولو تغير كل الحكام العرب إلى إخوان مسلمين لسبب بسيط وهو اننا مازلنا تحت الاحتلال ولنا قضية عادلة لا تحل بهذه الحلول غير القابلة للحياة والاستمرار لإدارة الصراع ، وأيضا لسبب بسيط آخر هو أن حماس فشلت في إدارة غزة إدارة عادلة للسكان وتصرفوا كما يتصرف الحكام الاخوانجية الجدد في دول الربيع بالاستحواذ والإقصاء للأغلبية من الشعوب التي تسلطوا عليها وهذا منافي لطبيعة الشعوب ولا يدوم.
ولذلك أقول دائما اقفزوا عن هذه الحالة الغريبة وفكروا في المستقبل وأعدوا لما بعد حماس من نظام فلسطيني جديد وأعدوا للإعمار وتجديد الحالة الفلسطينية لأن الصراع لم ينته، وحماس والإخوان ظاهرة عابرة وأودت بنفسها إلى الهاوية كما فتح سابقا حين التحقت بأوسلو والعرب المنبطحين، وحماس ستدفع ثمنا غاليا بتفتيتها وضرب عسكرتاريتها منفردة أو مع الحرب القادمة على تيار الممانعة التي خرمت سفينته حين انتقلت على الجانب المناوئ للمقاومة فضعفت وأضعفت محور المقاومة ومن رضي هذا الانتقال عليه أن يدرك أن هذا الطريق له استحقاقاته كما هي استراتيجية المنبطحين وأولها تدمير قوة حماس العسكرية بالتعاون مع من الآباء الجدد لحماس، وعلى شعبنا أن يجيب على سؤال هو ماذا بعد حماس؟
فماذا بعد حماس ؟ سؤال من الجدير التذكير به لكل فلسطيني بات يدرك نهاية الطريق المعوج الذي سارت فيه حماس تغالب فيه الحظ وتغالب الشعب وتجرب كل ما يخطر وما لا يخطر على بال، تحالفات وارتباطات و تغيير تحالفات وفك ارتباطات، ضربات وصفقات ومساعدات ومحاولات للقفز عن الحواجز والمعابر والانزلاقات التحتية والفوقية والهروب من الرسمي والدستوري والشعبي ومقاومة ولا مقاومة وحروب ولا حروب وهدنة ولا هدنة وتغيير قوانين وسلوكيات ونفي مساءا ما يقال صباحا وخسارة واضحة من شعبيتها تتدرج أحيانا نحو الكراهية وليست الخسارة فقط في شعبيتها، وهكذا تم اطباق الخناق على حماس.
كنت أعود بالتفكير مرات ومرات وأسأل نفسي معقول حركة مثل حماس لا تعيد التفكير فيما جرى ويجري وتستخلص العبر؟ فأقول مستحيل هؤلاء براجماتيون ومن المؤكد أنهم يراجعون خطواتهم ويقرءون مسيرتهم وشعبيتهم جيدا مستحضرا دائما نموذجا ناجحا لحماس في الاختبار في محطتين هامتين كانتا على المسرح أمام أعين الناظرين، المحطة الأولى عندما خاضوا انتخابات التشريعي 2006 وحازوا على فوز كبير فاجأ القوى والفصائل الوطنية ، والثانية في المواجهة مع العدوان الاسرائيلي في نوفمبر 2012 حين وصلت صواريخ حماس والمقاومة الفلسطينية لتل أبيب والقدس.
ولكن في المقابل كانت تظهر صورتهم الخاطئة في الانقلاب الذي كان في حينه في اعتقادي قفزة في الهواء لم يحلموا هم وغيرهم باستمراره إلى اليوم لولا هدية الربيع العربي هذا المتغير الطارئ والمؤقت الذي كان في علم الغيب وتلك القفزة الانقلابية الحمساوية في الهواء لم تكن تنم عن كياسة ورزانة في التخطيط السياسي ولو كانت كذلك لكان الانقلاب في الضفة سابقا لانقلابها في غزة أو على الأقل متواكبا في نفس اللحظة مع الانقلاب في غزة وهذا خلل أول في مسيرة حماس.
والسؤال الثاني الذي كان يراودني دائما عن خلل في التفكير السياسي الفئوي الحمساوي هو لماذا طوال هذه المدة الطويلة لم تفكر حماس بأن تتقدم بمبادرة حل أو مصالحة اسمها "مبادرة حماس" تدل على تمكن عال للسياسة منذ البدء وهي كانت في وضع أقوى ولكنهم تركوا القصة للاجتهادات والتدخلات الخارجية التي لم تنجح ولن تنجح وهنا خلل ثاني في مسيرة حماس.
حماس القلعة تنهار كأي حزب من داخلها وعلى خلفية السلطة والحكم والمصالح والصراعات كما ظهرت أخيرا في انتخابات المكتب السياسي بالتأكيد وهذا خلل ثالث في مسيرة حماس.
وخلل رابع وهو الأخطر في مسيرة حماس هو التبدل في المواقف التي يتحكم بها مزاج وقراءة مختلفة لتيار من قيادات حماس يصاحبه بيئة خارجية تغذي التيار الحزبي القابل للانبطاح بالتأكيد كما يقول الثوريون ، رغم تسميته اعتدال وظاهره يقرب من الواقع للحاجة الفلسطينية في مطلب الوحدة والمصالحة ولكنه في الحقيقة لم هذا هو الدافع بل كان الدافع هو إلحاق حماس بالرجعية العربية وإنهاء دور حماس في المقاومة لقبولها دوليا وانتزاعها من محور سوريا ايران.
خسرت حماس في غزة المناصرين ولن نقول النواة الصلبة الحمساوية رغم الخلافات والتناقضات التي تلاحقها ليس لسبب إلا مفاتن السلطة والحكم والمصالح والكراسي مكتسبات واستمرت الحالة الحمساوية تتراجع وهم غير مدركين لأخطائهم واستمرارهم فيها فهم من طينة العرب أينما حلوا مهما رفعوا من أعلام وألوان فالوحدة الأولية المكونة للشخصية التنظيمية الفئوية في الجماعة العربية واحدة وحماس وعناصرها ليس نبت روحاني ولا شيطاني ، ولم يدركوا أن الانقسام سيطيح بهم وبغيرهم اذا استمر هكذا فالشعب الفلسطيني وقضيته لا يحتملان الفراغ والمعاناة ورؤية مستقبلهم الوطني يضيع من أجل عيون وخلافات حكام هم عابرون.
والآن وبعد تبدل التحالفات كان آخر مؤشرات الضعف الهامة وهو المئؤشر الأكثر فتكا بحركة حماس أن يجتمع مكتبها السياسي في قطر وانتقالها من محور المقاومة والممانعة كما سموها لمحور نقيض انبطاحي في أفضل الاحوال والصفات والنهج، مضافا إليه محاولة حكام غزة اخضاع الناس من آن لآخر لصلفهم وتذكيرهم بقوة بطشهم في الضرائب والاحتكار والاعتقال وإهمال الخدمات والاستيلاء على المواقع الوظيفية الكبرى والصغرى والتجارة والتسهيلات لعناصرهم وحزبهم وارتفاع أسعار كل شيء من الارض والعقارات حتى الفلافل وخلافاتهم وهروب المساجين الجنائيين من حزبهم مؤخرا.
كل هذه مؤشرات على تراجع وتماسك حماس وما خفي كان أعظم، حماس تتآكل مواقفها ومواقعها ولم تدر حتى الآن أن التآكل له علاقة بالتقوقع على الحكم والخروج عن السياق الفلسطيني العام ومحاولة فرض رؤيتها وانقلابها بالقوة وإخضاع باقي الشعب الفلسطيني لإرادتها رغم انتهاء تفويض الشعب لها ولغيرها ومحاولاتها فرض القوانين المعادية للحريات الشخصية والعامة وتراجع الخدمات وارباك ادارة الصراع مع المحتل وإدارة الظهر للمصالحة واستمرار محاولات التغيير القسري في كل شيء من الثقافة والبرامج والموارد والقوانين والعلاقات وعمل كل المحاولات لفرض أمر واقع هو في النهاية غير منطقي ولا يتواصل بل يقطع عن الخط البياني لتراكم النضال الوطني الفلسطيني ضد الاحتلال في مسيرة التحرر والاستقلال.
السؤال يعود ليفكر به شعبنا وقادة المستقبل الفلسطيني وهو ماذا بعد حماس؟ أعدوا لما بعد حماس بالتأكيد لأنها حبست نفسها في انقلابها ورضيت بآبائها من غير الفلسطينيين وتقوقعت عن الشعب الفلسطيني ومستقبله ولذلك لم يعد لها الغد والمستقبل.
حماس لم تقدم مبادرة منذ الانقلاب وهذا خطأ كبير ودرجت على قول لا وهي لا تدري أو تدري أنه كلما مر وقت دون وحدة الضفة وغزة فهو يضعفها ويضعف عباس ويضعف الشعب الفلسطيني وكم تراكمت عليها وعلى رام الله من مساوئ في العقل الفلسطيني وهي حماس التي ستصبح في مهب الريح بتفردها بعيدا عن المؤسسة الفلسطينية التاريخية مهما قدم لها من مساعدات فهي تسير ضد التيار الطبيعي والوطني رغم ما يشوب المؤسسات الوطنية من ترهل ولكن لن تستطيع حماس كحزب من فرض رؤيتها على جموع التيار الوطني الكبير بغض النظر عن ترهل المؤسسات ولو كانت نية حماس الاصلاح لاستجابت لكل المبادرات ولكن حماس لها أجندة خاصة وكانت قد قفزت في الهواء بانقلابها كما قلنا لولا تغيير غير متوقع على الاطلاق من أحد ومنها ومن الآخرين والعالم اجمع بالربيع العربي وتلك ضربة حظ وضربات الحظ ليس سياسة يبنى عليها ولا تجوز لشعب تحت الاحتلال ولا يجوز أن تبقى حماس خارج المنطق تعيق المصالحة لأنها باستمرار خطئها لأن النهاية مثلما صعدت بانقلابها فسوف تهوي بعدم قراءتها للمستقبل والتخلص من وصمة تصرفها وهذا خلل لدى سياسيي حماس فالوضع الفلسطيني ليس عاديا لانتهاز الفرص في اقتناص الحكم كما فعل الذين من قبلها وتصوروا أن الحكم سيدوم لفتح ولعلها حماس تتعظ من حكم فتح ببساطة لأن فلسطين تحت الاحتلال وليس دولة قائمة للصراع على السلطة وخير دليل على ذلك أنها كانت تدعي اعاقتها من سلطة اوسلو بمنعها المقاومة فإذا بها تصبح حامية للحدود من المقاومة مثلها مثل رام الله، فهل من حق الجهاد والسلفيين أن ينقلبوا على سلطتها من أجل المقاومة؟ سؤالنا طبعا هنا انكاري واستنكاري لكل الانقلابات وليس تحريضيا.
23/4/2013م
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت