وهم السلام مع إسرائيل

بقلم: غازي السعدي

مقال تحليلي
وهم السلام مع إسرائيل

"كذب المنجمون ولو صدقوا".. في مقابلة مع علماء الفلك حول الأوضاع السياسية في إسرائيل أجرتها القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي بتاريخ 15-4-2013 وحيث أنهم يعرفون توجهات وعقلية قادة إسرائيل وحكومتهم أكثر من غيرهم، واتجاهات هذه الحكومة، فالوضع الفلكي شبيه بالكواكب، إذ بين "أورانوس" وبين "نبتون" حسب الفلكيين الإسرائيليين ولادة إسرائيل، ويقرون أنه لا وجود لأي أثر أو دلالة، بين الكواكب يشير إلى السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، بل هناك طاقة ذات طابع عدواني، فعلماء الفلك يشككون بحدوث اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين، ويشككون بإنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية، ويدعون أنه لن يكون هناك عودة للاجئين، مع بقاء المستوطنات، وينادون بطرد الفلسطينيين والاستيلاء على أراضيهم، من جانبنا نعتبر أن هذا ليس تنجيماً بقدر ما هو سرد لنفسية حكام إسرائيل ودخيلتهم التي ترفض السلام.

رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" "هآرتس 15-4-2013"، في خطابه لإحياء ذكرى قتلى الجيش الإسرائيلي في الحروب الإسرائيلية، والبالغ عددهم (23.085) ألف جندي، إضافة إلى (2493) خلال العمليات المعادية لإسرائيل، قال:"واجبنا أن نبذل قصارى جهدنا، من أجل جلب السلام، والقضاء على الحروب"، وهو كذاب ومخادع حتى بنظر جهات إسرائيلية واسعة، فهو مستمر في كذبة وادعاءاته حول السلام، ومن يريد السلام حقاً عليه الالتزام بالقرارات الدولية والاتفاقات الموقعة، فلو كان صادقاً لأصبح السلام يخيم على هذه المنطقة، ولقامت الدولة الفلسطينية منذ سنوات، أنه كذاب حتى بنظر أبناء جلدته، فجريدة "هآرتس 12-4-2013"، اتهمت "نتنياهو" بالتهرب من إجراء مفاوضات جدية مع الفلسطينيين، حتى أنه رفض ما اقترحه وزير الخارجية الأميركي "جون كيري"، بالتفاوض بداية على قضيتين، الحدود والأمن، وإصراره على بحث كافة قضايا الحل الدائم، بهدف التعقيد، وتكريس الوضع الراهن، كما رفض تقديم مبادرات حسن نية، وتهربه من إجراء مفاوضات جدية خلال شهرين، حسب طلب وزير الخارجية الأميركي.

لكن هناك أصواتا مختلفة في إسرائيل، بالنسبة للقضية الفلسطينية، فرئيس الدولة "شمعون بيرس"، وفي مقابلة صحفية بمناسبة مرور (65) عاماً على إقامة إسرائيل، اعترف أنه لا خيار، ولا مناص أمام إسرائيل سوى التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين، وأن أحداً لا يمكنه العيش في الوضع المرحلي الراهن، فـ "بيرس" كملكة بريطانيا، لا صلاحيات له في حل الصراع، وقيادة إسرائيل الحاكمة تريد ابتلاع الأراضي الفلسطينية، والتخلص من الديمغرافيا الفلسطينية، والأغلبية الإسرائيلية تخشى السلام، وحل القضية الفلسطينية، والتبريرات الإسرائيلية كثيرة ولا نهاية لها، حتى أن القيادة الإسرائيلية، رفضت دعوة زعماء يهود أميركا، لتقديم تنازلات من أجل السلام، ففي رسالة فريدة من نوعها تحمل تواقيع (100) من زعماء يهود أميركا البارزين، مرسلة إلى "نتنياهو" وحكومته ألحوا فيها على تقديم تنازلات جوهرية من أجل السلام، هذه الرسالة التي بادرت لها منظمة "إسرائيل بوليسي فورم"، لم تجد آذانا صاغية في إسرائيل.

نائب رئيس الوزراء السابق، وزير المخابرات "دان مريدور"، وصف إسقاط الشأن الفلسطيني من البرنامج السياسي للحكومة الإسرائيلية، بالخطأ الفظيع، "يديعوت 30-3-2013" معتبراً أن استمرار الوضع الراهن خطير جداً، وأنه يخشى أن يأتي يوم يقولون فيه: لا نريد اتفاقاً، ولا نريد سلاماً، ووصف عدم الانشغال في مفاوضات مع الجانب الفلسطيني بالسذاجة، ولا يمكن الحفاظ مدى السنين على الوضع الراهن، فإسرائيل في وضع غير طبيعي وتحتاج إلى تغيير من وجهة نظر "مريدور"، وأنه إذا لم تقم دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، فإننا سنصل إلى مفترق طرق، فهذا الوزير كان حتى قبل شهرين، أحد أبرز الوزراء في حكومة "نتنياهو"، وعضو بارز في مطبخ صنع القرار، إلا أن حزبه الليكود أطاح به من قائمة الحزب للانتخابات الأخيرة للكنيست، لأن مواقفه لا تصل إلى مستوى التطرف الذي وصل إليه التيار المركزي في الليكود، ومع ذلك فهو ليس بحمامة سلام.

بطبيعتي أرفض التعميم والقول بأن جميع اليهود شريحة واحدة، كما أرفض أقوال إسرائيل بأن جميع العرب شريحة واحدة، ففي ندوة عقدت مؤخراً في جامعة "بن غوريون" في النقب، تحت عنوان "السلام بين إسرائيل والفلسطينيين"، شارك فيها مجموعة من الباحثين كان بينهم "د. يوسي امتاي"، المحاضر في قسم دراسات الشرق الأوسط في هذه الجامعة، وله كتابان الأول بعنوان: "مصر وإسرائيل والرؤيا من اليسار"، والثاني: "اليسار المصري والصراع العربي-الإسرائيلي"، تم ترجمته إلى العربية وصدر في مصر، فقد تساءل في محاضرته: هل لا تزال هناك فرصة للسلام حتى الآن؟ ويقول أنه ربما لا يكون لها جواب محدد أو قاطع، فالأمل موجود وقائم، وأن فرصة السلام لا تتعلق بجيل معين، وأن فرصة السلام بين إسرائيل والفلسطينيين تتغير وفقاً لارتباطات ومسلكية العناصر المحلية والإقليمية والدولية، فانتقد التقصير الإسرائيلي بعدم بإنهاء الاحتلال، وأعطى مثالا بأن "د. مصطفى خليل"، رئيس الحكومة المصرية سابقاً، كان من أشد المتحمسين للسلام، فحين قال في ندوة في جامعة الشرق الأوسط حول اتفاقية السلام، بين مصر وإسرائيل، نحن نعترف بإسرائيل، فرد عليه مشاركون إسرائيليون هذا غير كافٍ، عليك الاعتراف بقيام إسرائيل، بل وبحق إسرائيل بالوجود، حينها لم يكن يعرف الدكتور "خليل" كيف يجد مخرجاً، وما أردت أن أقوله في هذا المقال الأسلوب الإسرائيلي محمل بالطلبات والمزيد من الطلبات التي لا نهاية لها، وهذا ما ينطبق حول المفاوضات مع الفلسطينيين التي لا نهاية لها، كان آخرها طلب الاعتراف بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي وأن يفرض على الفلسطينيين وجهة نظر يهودية دينية.

إن الموقف الفلسطيني موقف معتدل، بقبوله بحل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، وليس حسب قرار التقسيم، فـ"نتنياهو" الذي أعلن عن حل الدولتين، يرفض تقديم خارطة لحدود الدولة الفلسطينية، فالحكومة الإسرائيلية -حسب "نتنياهو"- تطالب في بحث كل المواضيع للتملص من مفاوضات جدية، لإفشال أي مفاوضات مستقبلية، فهذه السياسة والتكتيك الإسرائيليين، هدفهما تجميد المسيرة السياسية وتكريس الاحتلال، وإظهار عدم جديتهم في السلام.

إسرائيل رفضت مبادرة السلام العربية في حينه، حتى أنها رفضت بحثها، تناور حالياً لإحيائها، في محاولة لمواكبة التحرك الأميركي، لكن إسرائيل تريد حرف هذه المبادرة عن مسارها، وتفريغها من مضمونها، تريد التطبيع مع العالم العربي قبل إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية، في محاولة لجر الفلسطينيين لاستئناف المفاوضات، ودون التزامها بالمرجعيات المعروفة، وأن الحد الأقصى الذي تطرحه إسرائيل في وسائل إعلامها، وليس بصورة رسمية، دولة ذات حدود مؤقتة، سبق أن طرحتها منذ سنوات، ورفضها الجانب الفلسطيني، فإن إحراز تسوية سلمية في الأمد المنظور مجرد وهم، فإسرائيل تخشى السلام.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت