المراقب لنتائج الانتخابات الطلابية في الجامعات التي حصلت فيها انتخابات حتى اللحظة لهذا العام 2013 في الضفة الغربية، يستطيع الوصول الى عدة استنتاجات أهمها ، أن الذي فاز في هذه الانتخابات هي الاجهزة الامنية وليس حركة الشبيبة الطلابية، فالتدخل الصارخ والمتابعة الحثيثة للطلبة من قبل الاجهزة الامنية ، والاستخدام المفرط لمقدرات وامكانيات السلطة الوطنية الفلسطينية سواء بما يتعلق بالسيارات الحكومية او الطاقة البشرية للاجهزة اكبر دليل على ذلك، وهذا كان واضحا للعيان وفي وضح النهار عملت الاجهزة الامنية وبشكل منظم وضمن خطط انتخابية من الدرجة الاولى مستخدمين كافة الوسائل والسبل من ترغيب وترهيب بالاضافة الى متابعة الطلاب كل باسمه وبمكان سكنه مستخدمين لذلك سجلات الطلبة التي لا تخرج من الجامعات الى لحركة الشبية والاجهزة الامنية وذلك بتواطىء واضح من قبل ادارة بعض الجامعات، اضف الى ذلك الامكانيات المالية العالية التي تصرف من قبل حركة الشبيبة لشراء الذمم وترسيخ وتجذير الزبائنية السياسية .
تنافس الكتل الطلابية الاخرى لم يكن مع كتلة طلابية نظيرة لهم في ساحة الجامعة، وانما مع نظام كامل يمتلك من الطاقة البشرية والامكانيات المنظمة ما يكفي لتحقيق نصرا مزيفا في انتخابات طلابية لا يمتلك فيها الطلبة والكتل الاخرى سوى القناعة والانتماء الفكري والسياسي لحركتهم .
فاموال الشعب الفلسطيني ومقدرات سلطته التي هي من المفترض ان تكون سلطة كل الشعب الفلسطيني، وليس سلطة لخدمة طرف بعينه تسخر من اجل دعم انجاح كتلة طلابية بعينها دون الكتل الاخرى ، مما جعل الطالب يعيش تحت ضغط التهديد الامني من جهة والتهديد المادي بقطع منحته الدراسية من جهة اخرى، لا وبل ابعد من ذلك وهو تهديده بامكانية حصوله على وظيفة بعد التخرج ، وبهذا نربي جيلا من الخانعين المشريين بدل ان نربي جيلا حرا قادر على التفكير والاختيار بحرية كاملة .
ان النصر الذي تغنت به حركة فتح والشبيبة الطلابية لم يكن نصرا حقيقيا بل مزيفا ، وذلك لتدخل النظام بجميع مكوناته كما اسلفنا ، ولعدم الحصول على عدد مطمئن من المقاعد، ففي معظم الجامعات لم تتجاوز حركة الشبيبة نسبة 51% الا بمقعد او مقعدين على الاكثر، وهذا يعني امكانية الخسارة لهذه المقاعد وارد وبشكل قوي ويتيح المجال لصعود كتلة طلابية اخرى او انتقال هذه المقاعد الى كتل منافسة كما حصل في جامعة بيرزيت ، ففي انتخابات عام 2012 حصلت حركة الشبيبة على 26 مقعد والكتلة الاسلامية على 17 مقعد في حين حصل القطب الطلابي على 5 وفي هذا العام حصلت الشبيبة على 23 مقعد والكتلة الاسلامية على 19 مقعد والقطب الطلابي على 7 مقاعد مما يعني ان 3 مقاعد فقدت من الشبيبة ذهب اثنان منها للقطب، و واحد للكتلة الاسلامية مما يعني ان فوز حركة الشبية فوزا هشا يمكن ان يتبخر في أي انتخابات قادمة ، فحصولها على 43 مقعدا في جامعة النجاح ، او 18 مقعدا في جامعة بيت لحم او 23 مقعدا في جامعة الخليل ليس بالشيء الكثير وخاصة ان مجرد خسارتها ل3 مقاعد تفقد الاغلبية .
من جهة اخرى تدفعنا النتائج الاخيرة الى الاستنتاج ان رغم كل ما تقدم من ذكر لقمع الاجهزة الامنية للطلبة وحالة الترهيب والترغيب التي تفرض على كل طالب الا ان هذا لم يمنع ظهور كتلة منافسة، مما يجعلنا نتفائل قليلا لعدم قدرة كتلة طلابية واحدة الحصول على معظم المقاعد وبذلك تفردها في الساحة الطلابية بل على العكس هناك من يهددها بامكانية خسارتها في اي انتخابات قادمة من جانب ، اما الجانب الاخر فيتعلق بالحفاظ على الديمقراطية ولو بحدها الادنى وهو وجود قوتان متنافستنا في ساحة الجامعة، رغم عدم الاختلاف الكبير بين القوتين في الوسائل التي تمثلت في شراء الذمم والاغراءات المالية للطلبة بالاضافة الى قوة السلطة عند الشبيبة والتي تقابلها قوة الدين عند الكتلة الاسلامية ، والقوة المالية التي تمتلكها الكتلة الاسلامية لا تقل عن امكانيات الشبيبة.
الاستنتاج الاخير الذي نود التعرض له وهو ان العقلية العربية ولا سيما الفلسطينية التي ما زالت تعيش في صراع الثنائيات " اسود ابيض" ، "حلال،حرام " ، " جنة ، نار" ، "صح ، خطأ" وهذا ما يفسر حصول اليسار في جامعة بيت لحم على 13 مقعد والشبيبة على 18 مقعد ، هي الثنائية ذاتها، دون الادراك لوجود منطقة وسط بين اي ثنائيتين، و دون القدرة على الانتقال من الثنائية الى التعددية التي نتمنى ان تسود في المجتمع الذي يدفع ثمن الصراع الناتج عن وجود طرفان فقط يحاول كل منهما التفوق والسيطر على الطرف الاخر، دون وجود لطرف ثالث ورابع يمكن ان يساهم في حفظ توازن ما .
فقد دفعنا وما زلنا ندفع ثمن نتائج انتخابات المجلس التشريعي التي اجريت عام 2006 والتي افرزت قوتين كبيرتين بالانقسام الافقي الذي حصل في المجتمع الفلسطيني بين تلك القوتين " فتح و حماس"، فلو كانت النتائج مختلفة بحيث سمحت لقوة ثلاثة بالبروز لكن هناك توازنا يجعل من امكانية التفرد بالسلطة امرا صعبا ، ولاجبرت القوى على تشكيل حكومة ائتلافية او حكومة وحدة وطنية ، ولما كان القرار في المجلس التشريعي بيد حزب واحد، ولكن امكانية ان يقوم كل طرف بأخذ جزء من هذا الوطن ليحكمه امرا حدوثه اكثر صعوبة.
ان حالة الوعي عند طلبة جامعة بيرزيت هذا العام جعلت من امكانية حصول طرف على اغلبية المقاعد امرا صعبا، وبالتالي تم تشكيل مجلس من جميع الكتل التي تجاوزت نسبة الحسم بناءا على قانون التمثيل النسبي ، ما اتمناه ان نصل الى حالة وعي عامة في جميع الجامعات حتى نكون قادرين على فرز كتل وقوى متعددة لبناء مجتمع متعدد ، واتمنى ان ينسحب ذلك على أي انتخابات تشريعية قادمة ، وان تكف حركة فتح في الضفة الغربية وحركة حماس في غزة عن استخدام قوة السلطة التي هي سلطة كل الشعب.
بقلم: خالد كراجة
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت