الاول من ايار صرخة غضب في وجه ظلم مركب

بقلم: نافذ غنيم


ككل عام يحتفل عمال العالم ومن بينهم عمال بلادنا بمناسبة الأول من أيار " عيد العمال العالمي"، وان كان ما يجمع عمال العالم هدف واحد وحلم واحد يتمثل في رفض كافة أشكال الظلم السياسي والاجتماعي والاقتصادي، والحصول على كافة حقوقهم العادلة، فان لعمال كل دولة خصوصيتهم، تختلف أولويات نضالهم ارتباطا بالواقع الذي يعيشونه، وللحاجات الحياتية التي تفرض نفسها على أجندتهم . ويمكن القول بان جوهر إحياء هذه المناسبة وبرغم ما تعودنا عليه من احتفالات شعبية ومسيرات، يتمثل بالدرجة الأساسية في إعلاء الصوت والفعل الكفاحي تجاه كافة القضايا التي يعانيها العمال سواء كان ذلك داخل مواقع عملهم، او ما يعانونه من سياسة قهر وتمييز على المستوى الحكومي الرسمي، او بسبب أي من المظاهر والقضايا التي تمس صلب حياتهم اليومية، لتجد تعبيراتها السلبية والأليمة في تفاصيل حياة أسرهم.
إن إحياء مناسبة الأول من أيار هو امتداد لقضية "هايماركت" عام 1886م، والتي وقعت نتيجة للإضراب العام في كل من شيكاغو والينوي، والذي شارك فيه عموم العمال والحرفيين والتجار للمطالبة بحقوقهم التي كان على رأسها تحديد ساعات العمل، في أعقاب الحادث الذي فتحت فيه الشرطة الأمريكية النار على أربعة من المضربين فتم قتلهم في شركة "ماكورميك" للحصاد الزراعي، واثر ذلك تجمع حشد كبير من العمال في اليوم التالي في ساحة "هايماركت"، وظل الحدث سلمي إلى أن تدخلت الشرطة لفض الاحتشاد، فألقى مجهول قنبلة انفجرت وسط حشد الشرطة، وتدخلت شرطة مكافحة الشغب مما أدى إلى وفاة ما لا يقل عن أثنى عشر شخصا بينهم سبعة من رجال الشرطة، ومنذ ذلك التاريخ ووفاء لذكرى هؤلاء العمال، وتأكيدا على حقوق الطبقة العاملة ورفضها لكافة أشكال الظلم والاضطهاد، أصبح الأول من أيار عيدا عماليا عالميا يعكس من خلاله العمال قوتهم وقدرتهم على التأثير في مسار بلدانهم، ولتذكير كل من يستخف بهم او بحقوقهم بأنهم الأقدر على قلب الطاولة باعتبارهم القوة الأكبر في كل مجتمع، وبان مسار التطور وتقدم عجلة الإنتاج والتنمية يمر بالأساس عبر سواعدهم .
إن عمال بلادنا وهم يعانون ظلم وجرائم الاحتلال الإسرائيلي، فإنهم يعانون أيضا ظلما قاسيا بسبب أحوالهم المعيشية، حيث البطالة المزمنة، وارتفاع مستويات الفقر، آلاف الأسر العمالية لم تعد تكسب قوت يومها بجهد عملها، لتتحول إلى متسولة على أبواب وكالة الغوث او وزارة الشئون الاجتماعية، او على أبواب الجمعيات الخيرية، وقد طال الاضطهاد حد الجريمة العمال الذين يعملون في ورش العمل المختلفة وداخل المصانع، هناك من يعملون لما يقارب الأربعة عشر ساعة يوميا في أعمال البناء مثلا، مقابل اجر يقارب الأربعين شيكل يوميا، هناك نساء يعملن في مجالات مختلفة يتقاضين ما لا يزيد عن عشرين شيقل يوميا، هناك عمال لا تعرف الإجازة السنوية وبدل مخاطر العمل طريقها إليهم، وغالبية أصحاب العمل ينكرون عليهم حقهم في عيدهم العالمي " الأول من أيار” كعطلة مدفوعة الأجر، هناك مئات الحوادث التي يذهب العمال ضحية لها، دون أن يلتزم أصحاب العمل بتعويضهم، ودون ان يمنحوا عطلة مدفوعة الأجر .. حال بائس يئن تحت وطأته عمالنا، وما يضاعف ألامهم ما ينحدر إليه أبنائهم بسبب تداعيات حالة الانقسام الداخلي، إحباط متصاعد، الضعف في القدرة على مواصلة التعليم الجامعي، الانحراف نحو آفات المخدرات والجريمة بكل أبعادها، البحث عن مصادر للرزق حتى لو كان ذلك على حساب حياتهم كما هو الحال في مقبرة الأنفاق الممتدة عبر الحدود مع مصر، وما يعانوه أيضا بسبب سياسة التمييز التي تفرض نفسها بسبب الواقع الفئوي الذي تكرس في مجتمعنا الفلسطيني، والى جانب ذلك ما يمس مضمون الخدمات التي يتلقونها وبخاصة في المجال الصحي وما يشهده من تراجع خطير على مستوى العيادات والمستشفيات وبخاصة في قطاع غزة .
وبرغم ما لعبته المؤسسات العمالية من دور في التفاعل مع قضايا عمال بلادنا، لكن المؤسف أن نقاباتنا فرخت نقابات موازية، والاتحادات اتحادات أخرى، ومن المفارقة العجيبة الغريبة، أن العديد ممن يعتبرون أنفسهم قادة للحركة العمالية لم يعد لهم صلة بالعمال وبمعاناتهم، حتى باتت قضيتهم – للأسف - أمر يتسلى به البعض لاعتبارات هنا او هناك، مع التقدير لكافة القيادات التي تؤمن وتدافع بحق عن مصالح هذه الفئة، إلا أن مستوى تأثير ذلك يكاد ان يكون غير ملموس، وغير مقنع لجمهور العمال في بلادنا . والى جانب ذلك لم تستطع القوى السياسية التي تعتبر العمال وقضيتهم في صلب بنائها وبرامجها من تحقيق قفزة نوعية لتنظيم هذه الفئة، وللدفاع الجاد والجريء عن حقوقها، برغم ما ترفعه من شعارات وأحيانا ما تقوم به من معارك محدودة هنا أو هناك.
اجل عمالنا ..هي رزمة كبيرة من المعاناة تحتاج لنضال مركب من قبلكم، لأنكم من يكتوون بنارها اكتر من غيركم، ولأنكم عماد هذا الوطن، والأكثر حرصا على مشروعه الوطني، والأكثر طوقا لتحقيق مبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة، والى قانون عمل يضمن حقوقكم، والى حكومة توحد الجميع قادرة على إنصافكم، وتضع أولويات ميزانياتها المالية لصالح تحسين أوضاعكم وفي مقدمة ذلك تقليص معدلات البطالة، وتوفير البدائل المعيشية لكافة العاطلين من بينكم دون تمييز .
أخيرا .. أقول لكل عاملاتنا وعمالنا البواسل .. كل عام وانتن وانتم بألف خير .. وكل عام وقد استقام ميزان العدل في بلادنا، وقد غادرنا مربع الاحتلال، ومربع الانقسام والانقساميين، والى جانب ذلك كل مظاهر الظلم والاستخفاف بكرامة الناس .
غزة- 29/4/2013م
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت