الأسري بين ثنايا الانقسام

بقلم: أسامة الوحيدي


لعله قد بات من البديهي وصف الانقسام الفلسطيني بالنكبة الثالثة التي ألمت بشعبنا الفلسطيني بحيث شكلت تداعياته صفحة سوداء مظلمة في تاريخ هذا الشعب ، وأوقع استمراره بالغ الضرر علي قضيته الوطنية العادلة ، هذه الحقيقة المؤلمة أصبحت محل إجماع كافة الوطنيين و الغيورين من أبناء هذا الوطن المثقل بالهموم والآلام، بل وأضيف هنا بأنه من البلاهة والسذاجة الاعتقاد بغير ذلك ، فبعد مرور أكثر من ست سنوات علي شطر الذات الفلسطينية كان التدهور هو عنوان المرحلة والتراجع هو سيد الموقف ، هذا التراجع الذي طال كافة المناحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في داخل المجتمع الفلسطيني.

تداعيات الانقسام وإفرازاته السيئة شكلت دائما ناقوس خطر يحدق بنا وينذر بعواقب وخيمة علي مجمل القضية الفلسطينية ويبدد الأمل في تحقيق المصالح الوطنية المنشودة وعلي رأسها إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف ما من شأنه تعريض المشروع الوطني الفلسطيني برمته إلي الانهيار الكامل ، هذا المشروع الذي خط حروفه الأولي بمداد من دم قائدنا وحارس ثورتنا الشهيد الراحل ياسر عرفات ورفاقه من مناضلي هذا الشعب وقياداته التاريخية .

ولعل أبرز القضايا التي نالها نصيب وافر من الضرر قضية الأسري الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي ، هذه القضية التي أصبحت وبنسب مقبولة تستحوذ علي اهتمام جمهور عريض من أبناء شعبنا بحيث لم تعد مقتصرة علي الأسري وذويهم ، وذلك يعود فضله إلي ذلك المزيج من القوي والتيارات,والمؤسسات التي عملت بدأب من أجل إبراز قضية الأسري وجعلها ماثلة أمام كل فلسطيني وعربي وكل حر في هذا العالم سعيا وراء تحقيق أكبر قدر ممكن من الدعم والتأييد لحقوق أسرانا البواسل وصولا إلي بلورة رأي عام محلي ودولي ضاغط لإنهاء معاناة الآلاف من أسرانا الصامدين خلف القضبان وإطلاق سراحهم انطلاقا من قناعتنا كفلسطينيين بأنهم أسرى حرية ومارسوا حقهم المشروع في مقاومة الإحتلال ، إلا أنه وبكل مرارة وأسف استطاع الانقسام أن يفقد تلك الانجازات المتواضعة ديمومتها وأن يحد من صيرورتها .

لقد جسد مسلسل الانقسام الدامي وخاصة مشاهد الاقتتال الدموي المسلح بين الأشقاء صورة مشوهة لمقاومة وكفاح الشعب الفلسطيني لم نعهدها علي امتداد سنوات النضال ضد الاحتلال وأشكاله من الظلم والعدوان ، فبعد أن كان هذا السلاح مشرعا في وجه الاحتلال ومؤامراته انحرفت بوصلته وصوبت لتحقيق أهداف مرتبطة بالمصالح الفئوية المقيتة وإنكار الآخر، فأصبحت المكونات الرئيسية للقضية الفلسطينية بما تمثله من قضايا مركزية قضايا هامشية لم تعد تشكل هاجسا ملحا لأرباب العمل السياسي والعسكري بعد أن كانت علي الدوام الشغل الشاغل والأولوية المطلقة علي سلم اهتمامات العمل الوطني والجماهيري .

بكل أسف فإن النموذج السيئ في إدارة الصراع مع الإحتلال وغياب استراتيجية وطنية موحدة لمواجهة التحديات القائمة إضافة إلي طغيان البرامج التنظيمية علي مبدأ التوافق الوطني ، كان لها مجتمعة عظيم الأثر في تراجع الدعم والتأييد الدولي للشعب الفلسطيني وقد أحدث`ذلك تغييرا جذريا في نظرة الكثيرين ممن ناصروا القضية الفلسطينية باعتبارها قضية تحرر وطني من الطراز الأول فكان من البديهي أن يمتد هذا الأثر السلبي ليفتك بصورة النضال الفلسطيني التي تتجلي في شخص الأسير القابع خلف القضبان والذي يرمز إلي النواة الحقيقية لكفاح شعب قد منحته كافة الشرائع بمختلف مسمياتها الحق في مقاومة من احتلوا أرضه وشردوا أطفاله وصادروا حقه بالعيش بحرية كباقي شعوب الأرض

وبالرغم من كل ما ذكر لا يزال الأمل معقودا في أن تنطوي صفحة الانقسام إلي غير رجعة وأن يدرك الجميع خطورة ما كان وما هو كائن وما سوف يكون وأن تتجه البوصلة من جديد نحو ما هو مفيد لشعبنا وهويتنا وقضيتنا .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت