قرات قبل فترة مقالا للكاتبة السعودية (بلقيس الملحم)..، فاستوقفتني كثيرا الفكرة.. !!وها أنذا بعد شكري ،وامتناني .. أستميحها عذرا أن اقتبس ،وافصل من جديد على مقاس لساني الساخر ..!!
منذ لحظة الوعي..كنت اسمع أمي، وجدتي تقولان لي ..اسمع يا ولد (اللي بيكذب ،أو بيسرق ح يروح النار).. وكنت أرى أخي الأكبر، وجارنا (أبو عثمان) صاحب الدكان ،وأعمامي، وأخوالي ، وزوجاتهم ، وأولاد الحارة كلهم يكذبون.. حتى أنا ..اضطررت للكذب أكثر من مرة أمام أبي الغاضب ،وهو يلوح بالقشاط الخميل..!!
كنت دائما أحلم بكابوس أن الحارة - وهي حدود عالم طفولتي - كلها تزج في النار.. نشتعل ،ونسيح..، فأجد نفسي ،وقد عملتها على حالي ..!! لأخذ جزائي في الصباح .. علقة ساخنة بالقبقاب من أمي رحمها الله .
في المدرسة كان مدرس (الدين ) مكفهرا دائما.. مهددا.. متوعدا بعصاه الغليظة.. ، ومشددا على أن يرانا في المسجد قائلا: من لم يصل في الجماعة ،فهو منافق..!!
لم يكن احد في عائلتنا الأمية الكبيرة يصلي ، الا جدي..مصطحبا للوضوء قرقومه الفخار..!! كنا بهذا المقياس عائلة ، بل حارة منافقين..!! ،ومع ذلك كنا نذهب للصلاة فجرا ، وظهرا، وعصرا بوضوء ،أو بغير وضوء خوفا من عصا الرمان..!!
كنا نسمع أيضا عن المسبل ثوبه.. يقتطع قطعة من نار..، فاضحك في سري على المختار أبو علي بعباءته التي تجر على الأرض، فأتخيله بجسده الضخم المدهن ،وهو يشوى كإصبع الكباب على مهل في نار جهنم !!..
لكني في نفس الوقت بدأت أشعر بالحزن من نهايتي المحتومة !!، فانا كوني من عشاق أغاني عبد الحليم .. لابد واني سأحشر معه ومع كل المطربين ،وهو يقول (نار يا حبيبي نار)..،ولن تشفع له الأدعية المؤثرة التي تركها خلفه كما قال شيخ مسجدنا..،بل وحلف اليمين ثلاثا أن دخانا يتصاعد من قبر العندليب ..!!
يا ويلي..ويا سواد ليلي..!!
اتصور الحديد ،وهو يصب في اذني..!! كما أكد لنا الشيخ (مرتضى) في دار المعلمين، كنت اهرب من وعيده الى الشيخ الباسم ( زلوم ) رحمه الله ،فواظبت على الصلاة طوعا إيمانا ،واحتسابا ،وليس خوفا هذه المرة من عصا الرمان..!!
لقد احببت الرجل حقا.. لا ادري لماذا..؟ربما لخفة ظله .. ويسر منطقه المعجون بلهجته الخليلية المدهشة..!!
كنا مع ذلك كشباب فائر..،و في طريقنا الى السينما نسترق النظر الى فتيات رام الله الجميلات ،ونشبههن ب(الفينو) مقارنة ببنات المخيم الذابلات، والملفوفات بالحزن ،والسواد.. نتخيل أنفسنا /والرامللويات المتوردات نجوما في فيلم هندي.. !! ونتعلل بان الله جميل يحب الجمال..!! ثم نعود للمعهد ليلا متسللين مخافة أن يشي بنا احد إلى الشيخ مرتضى الذي كان يشدد على أن وجه المرأة فتنة.. ،فتنخسف علامات التربية الدينية..
كان من بيننا من يحذرنا من حلاوة لسان المعلمات، والمعلمين المسيحيين..في المعهد مخافة التبشير..!!
وكنا معجبين بجمال ،ورقة الست (سلوى ).. نتأملها كيف تبتسم..،وكيف تأكل بدون أن تفتح فمها ،وكأننا أمام فاتن حمامة..!!
كانت الست (أنيسة) بعكسها عصبية والست (آسيا) قوية.. لكننا لم نر منهن إلا كل خير ..!!
عرفنا ادب ،ودماتة خلق (ابراهيم علم) حافظ القران الكريم وابداع (ابراهيم سابا) ..بكينا في وداعهم ، وبقينا على ديننا ، ولم نتحول إلى المسيحية..!!
أذكر يوم طرحت علينا معلمة علم النفس (آسيا) فكرة الاختلاط..!! فغرنا أفواهنا.. تمنينا ذلك ،وتخيلناه ..لكني بدافع من موروث المخيم المتزمت ،ومن التحذيرات من سلوك المسيحيين السائب.. !!
قمت كما أحمد عرابي رافضا بصوت مجلجل ،وحذرت متهكما إن كان كذلك.. فلتبنى دار حضانة في ساحة الملعب..!! فما كان منها إلا أن طردتني من الفصل.. !!
عرفت فيما بعد ان من أهلنا المسيحين من هم أكثر محافظة ،وانتماء منا.. ،ووجدت أن الاختلاط قد اخذ طريقه إلى المعاهد ،والجامعات..!! ضحكت على نفسي ، وقد تبين لي فيما بعد ان الاختلاط الجسدي أكثر سرية ،والتصاقا في الأسواق ،والمطاعم ، والسيارات ،والأتوبيسات!!
الخلاصة أننا بمقاييس التكفيريين ..كلنا كفرة .. لا جدوى منا ،ولابد من قطع رؤوسا قد أينعت ،وحان قطافها على طريقة حجاجي النصرة في حلب ،أو قذفنا أحياء في الأخدود ..!!
وهذا التفكير المرضي الشامل.. يذكرني بمعلم فارغ للغة العربية كان يتباهي أمامنا ،وكأنه يزف بشرى تحرير القدس بان كل الصف صفر في قطعة الإملاء..، وانه فلتة زمانه.. ،وينافس سيبويه في المكانة.. مع انه بعنجهيته ،وفجاجته كرهنا في العربية ،وجاراتها.. ، إلى أن أتى معلم شاب متواضع ،ومتمكن أعادنا بالتدريج إلى الضاد ،وأعاد أيضا للغة اعتبارها ،وحلاوتها..!!
اليوم نسمع عن فتوى محلية بهدر دم سفير فلسطين في العرب أيدول ..!! جعلتنا نبتسم لأنها لا تعدو أكثر من نكتة اسمعها..، لكنها لو كانت حقيقة ،و جعل منها الليل رصاصة ..!! فان الأمر يستحق أن نلطم..، ونلطم ،..ونلطم.. على أيامنا السودا..!! ونتحسر حتى على أيام الليخم ،والشمينت..!!
المشكلة ان المتحدثين الزور باسم الله في الارض..يزايدون علينا .. وهم لا يدركون ان بين الرب وعبده علاقة خاصة لا تقبل القسمة على ثلاثة فأكثر..!! فالله ارحم بعبيده من عبيده.. وقد وسعت رحمته كل شيء ، ولو أراحنا الله منهم اولئك التجار الفجار /وعيدهم .. لكانت حياتنا اقل بؤسا ،وقنوطا..
اللهم إنا نعبدك طوعا ،وحبا.. فارض عنا ،وعلينا ..،واغفر لنا ذنوبنا ولوالدينا ،وارحمنا اللهم بواسع رحمتك ماحيينا .. ولا تجعل بيننا وبينك من بغي مزايدا علينا..
اللهم امين.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت