قراءة في العدوان الإسرائيلي على سوريا

بقلم: راسم عبيدات


من الواضح جداً أن حلقات العدوان على سوريا ومحور المقاومة والممانعة في المنطقة والذي تشكل ايران وسوريا والمقاومتين اللبنانية والفلسطينية عصبه الأساسي مترابطة ومتشابكة الأهداف والمصالح (امريكا والغرب الإستعماري واسرائيل وتوابعهم من مشيخات النفط والإمبراطورية العثمانية)،ولذلك فإن هذه القوى مجتمعة كانت تريد لعصاباتها في الداخل السوري،ليس فقط العمل على إسقاط النظام والإستيلاء على السلطة،بل المطلوب هو أبعد من ذلك بكثير،المطلوب تدمير سورياَ جيشاً وشعباً ومجتمعاً وسلطة،وتحويل سوريا الى دولة فاشلة كما هو الحال في الصومال وليبيا والعراق واليمن...الخ، على ان تخرج من معادلة الصراع العربي- الإسرائيلي ومحور المقاومة،وتصبح دولة لا يحسب لها حسابات في المعادلات العربية والإقليمية والدولية.
ومن هنا علينا ان نرى العدوان الإسرائيلي في هذا الإطار والسياق،وإن كان قد دخل على خط العدوان مباشرة وشكل تحولاً نوعياً،وهذا العدوان لا يعني أن الأمور مرشحة نحو التطور والتصاعد والإتجاه نحو خيار حرب إقليمية او عالمية ثالثة فإسرائيل وامريكا تدركان جيداً حجم التداعيات والمترتبات والمخاطر على مثل هذه الحرب،فالتطورات على الأرض والإنتصارات الكبيرة التي حققها الجيش العربي السوري على العصابات والمرتزقة،هي من دفعت بإسرائيل وأمريكا للقيام بهذا العدوان،من اجل دعم المعارضة السورية بالنار عن بعض من اجل تحسين شروط التفاوض في اللقاء الحاسم الذي سيعقد يومي الثلاثاء والأربعاء القادمين في موسكو بين وزيري الخارجية الروسي لافروف والأمريكي كيري، فكيري سيأتي الى موسكو للحديث عن الضغوط الذي تمارس عليه من قبل اسرائيل وعربان الخليج من أجل مهاجمة سوريا وايران،وهو حشد لذلك بأن اوعز الى اسرائيل بشن سلسلة من الغارات والهجمات على سوريا لدفع الأمور الى حافة الحرب،وكذلك نرى في الإعلان عن تزويد ما يسمى بالمعارضة السورية بأسلحة حديثة ومتطورة خطوة تندرج في هذا السياق، ومن يرى سلسلة الخطوات والتحركات الأمريكية والمتمثلة في العمل على إجراء مناورات بحرية في منطقة الخليج العربي تشارك فيها 40 دولة تحت حجة وذريعة الكشف عن زرع إلغام بحرية ومنع اغلاق مضيق هرمز الذي تمر من خلاله 20 % من احتياجات امريكا والغرب النفطية،والحجيج الخليجي – الأردني – التركي الى واشنطن،ومرابطة القوات الأمريكية في الأردن وانضمام قوات بريطانية اليها،وكذلك إعلان امريكا عن تطوير قنبلة حديثة قادرة على إختراق التحصينات العميقة،والمقصود هنا المنشئات النووية الإيرانية،وكذلك تزويد اسرائيل بطائرات التزود بالوقود في الجو،يرى بان الحرب بات اندلاعها وشيكاً جداً وبان النظام السوري يقترب من الرحيل،ولكن في المقابل نحن نرى بان محادثات يالطا 2 بين روسيا وامريكا،هي التي ستتحكم في الأمور،فروسيا والصين ومعها دول البركس وكذلك ايران وحزب الله يقفون الى جانب سوريا،وهناك تصريحات روسية – ايرانية وكذلك لحزب الله،بانهم لن يسمحوا بسقوط النظام السوري تحت أي شكل من الأشكال،وأي عدوان اسرائيلي- امريكي على سوريا سيجعلهم يشاركون في هذه الحرب مباشرة،فسقوط النظام السوري،يعني سقوط مصالحهم في المنطقة،ووضعها تحت رحمة وهيمنة وسيطرة امريكا،ونحن نرى هنا بأن هذا المشروع الأمريكي- الصهيوني- الأطلسي الغربي يتعثر،حيث ان خطوة مشيخة قطر بالسطو على مقعد سوريا في هيئة الأمم المتحدة قد فشلت،والنظام المصري يفكر بإعادة سفيره الى دمشق،وكذلك اللقاءات الإيرانية- المصرية،والإعلان الأمريكي بأن تسليح عصاباتها في سوريا بأسلحة حديثة،لن يمكنها من تحقيق إنتصارات على الجيش السوري الصامد بشكل بطولي لمدة تصل الى 20 شهراً.
من الواضح بأن هذا العدوان الإسرائيلي الجديد،قد شكل تحولاً نوعياً في العدوان على سوريا،وجعل الخيارات مفتوحة على كل الإتجاهات،ومن الواضح انه تشتعل اتصالات مستمرة على أعلى مستوى عالمياً من اجل إحتواء التداعيات المترتبة على هذا العدوان،وخصوصاً ان الرئيس السوري رفض التعهد لبوتين بعدم الرد،وبوتين طالب أوباما بشكل حاسم بأن اسرائيل،إذا ما إستمرت بالعبث،فإن الرد السوري جاهز،وقد تندفع المنطقة الى حرب عالمية.
والشيء المرجح حتى الان بأن تتجه الأمور نحو عملية تفاوضية شاقة بين امريكا وروسيا،حول كل الملفات والأزمات،إذا لم تحدث تطورات دراماتيكية،تقود نحو مجابهة عسكرية شاملة، وما أراه انا حتى اللحظة باننا امام يالطا 2 من اجل إقتسام المصالح والنفوذ بين روسيا وحلفاءها من جهة وامريكا وحلفاءها من جهة ثانية،اتفاقيات بشأن الدرع الصاروخي والملف النووي الكوري الشمالي،وكذلك حول المحادثات التي تقودها آشتون باسم السداسية مع لاريجاني حول الملف النووي الإيراني،والشيء المهم بأن أمريكا بحاجة الى روسيا فيما يخص القضية الفلسطينية،حيث ترى امريكا بان ما يسمى بالربيع العربي وما وصل إليه العرب من ظل وهوان،تمثل بأن تقودهم مشيخة مثل قطر تسطي على الجامعة العربية وعلى القرار الفلسطيني،وتشرعن الإحتلال والتخلي عن حق العودة، عبر ما يسمى بالمبادرة العربية لتبادل الأراضي الفلسطينية المحتلة،فأمريكا تحتاج روسيا في مؤتمر دولي عربي- إسرائيلي،يصفي القضية الفلسطينية بأيد عربية،ويجعل من اسرائيل قوة ضاربة في المنطقة.
نعم العدوان على سوريا دخل فيه العدو الإسرائيلي بشكل مباشر،وهو يريد ان يمنع النظام السوري من ان يستكمل تصفية قوى الردة والعصابات المجرمة،وعمليات الرد على هذا العدوان،يجب ان تكون خارج إطار الإنفعالات والعواطف،ففيها الكثير من التعقيدات والتدخلات،ولكن من واجب ان النظام السوري،ان يحفظ لسوريا هيبتها وكرامتها،وان يحافظ على مكانتها الكبيرة في قلوب كل الأحرار والشرفاء من هذه الأمة.

القدس- فلسطين
5/5/2013

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت