رام الله - وكالة قدس نت للأنباء
الاعتقال الإداري، مصطلح تتناقله وسائل الإعلام في حديثها عن الأسرى الفلسطينيين في سجون إسرائيل، وتندده المنظمات الحقوقية والإنسانية.
فما هو الاعتقال الإداري، وإلى أي مبدأ قانوني يستند في تنفيذه، ولماذا تلجأ إسرائيل إلى استخدامه. أسئلة كثيرة وغيرها طرحت يجيبها "المركز الإعلامي للشبكة الأوروبية" في التقرير التالي:
تعريف الاعتقال الإداري، نشأته وتطوره تاريخيا:
الاعتقال الإداري هو قرار الزج بالأسير في المعتقل دون محاكمة أو معرفة سبب الاعتقال أو المدة التي ينبغي له تكبد عنائها في الأسر القضبان ، ويصدر القرار عن الهيئات الإدارية الإسرائيلية ذات الصلة بالصراع الميداني مع الشعب الفلسطيني بكافة شرائحه، ويقوم على أساس أن المتهم مدان حتى تثبت براءته، وهذه الصورة من الاعتقال لا تعتمد على تهمة مؤكدة أو إثباتات واضحة أو مدة محددة، بل تقوم على ذرائع علنية أو سرية في الأغلب .
و يرجع تاريخ الاعتقال الإداري إلى بداية الاستعمار، حيث مارسته عدد من الدول الاستعمارية لمكافحة الناشطين من أجل حرية بلادهم وشعوبهم، غير أن العمل به قد توقف بعد انتهاء النشاط الاستعماري المباشر، وارتفاع راية حقوق الإنسان وحرية وكرامة المواطن في أرضه، ولم تبق جهة تطبقه على نطاق واسع إلى وقتنا الحاضر غير سلطات الاحتلال الإسرائيلية، وقد تفردت إسرائيل بين دول العالم في تطبيق الاعتقال الإداري بعد انتهاء الحكم العنصري في جنوب أفريقيا، غير أن السلطات في الولايات المتحدة الأمريكية بدأت بتطبيق هذا النوع من الاعتقال بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر من العام 2001".
بداية العمل بهذا الإجراء التعسفي في فلسطين المحتلة يعود إلى عهد الاستعمار البريطاني ، ففي عام 1945 سنَّـت حكومة الاحتلال البريطاني هذا القانون، واعتقلت بموجبه عدداً من النشطاء الفلسطينيين، بدعوى احتجازهم بدون قضية لعدم وجود أدلة كافية تثبت الأنشطة التي اتهموا بالقيام بها. وورثت سلطات الاحتلال الإسرائيلية عن السلطات البريطانية هذا الاجراء، حاله حال الكثير من وسائل القمع والتنكيل التي كانت يتبعها الاستعمار مع الفلسطينيين، وعلى الرغم من حرص الحكومة الإسرائيلية على إبقاء العمل بهذا القانون ساري المفعول، إلا أنها لم تستخدمه بصورة موسعة قبل اندلاع الانتفاضة الأولى، حيث مارسته على نطاق أضيق في سبعينيات القرن الماضي وحكم على الأسرى بفترات قصيرة لا تزيد عن 6 أشهر، عدا في حالة المعتقل الفلسطيني علي عوض الجمال من جنين، والذي اتهم بقضية دون مثوله أمام محكمة، فقضى أحكاماً بلغت مدتها 6 سنوات وتسعة أشهر في الاعتقال الإداري ، ومن أجل تسهيل عملية الاعتقال الإداري، أصدرت سلطات الاحتلال العديد من الأوامر العسكرية، كان منها الامر (1228) والصادر في 1988، والذي أعطى صلاحية إصدار قرار التحويل للاعتقال الإداري لضباط وجنود أقل رتبة من قائد المنطقة، حيث تم على أثر ذلك افتتاح معتقل " أنصار3 " في صحراء النقب، لاستيعاب أعداد كبيرة من المعتقلين خاصة الإداريين منهم .
لماذا تلجأ إسرائيل إلى الاعتقال الإداري:
تلجأ إسرائيل إلى استخدام هذا الإجراء للمميزات الموسعة الممنوحة للاعتقال الإداري، أهمها أنه يشكل بديلاً عن عقوبة السجن في الحالات التي لا تملك أجهزة الأمن مواد الإدانة، وترغب في الوقت نفسه بمعاقبة أصحاب هذه الحالات، وغالباً ما يكون سبب احتجاز المعتقلين الفلسطينيين وشايات لا ترغب المخابرات الإسرائيلية بكشف أصحابها، الأمر الذي قد يحصل لو وجهت لهؤلاء المعتقلين التهم التي تدور حولها الوشايات، إضافة إلى رغبة إسرائيل في تغييب فلسطينيين ترى أن لديهم قدرات عالية، أو أنهم يمثلون خطراً على أمن الدولة في مرحلة صعبة، ولا تتوفر لدى تلك الأجهزة مواد تصلح لإدانتهم.
وينفذ الاعتقال الإداري بأمر من قائد المنطقة العسكري التي يتبع لها الأسير، وصيغته كما يلي: "بصفتي قائد منطقة ... أصدر أمر اعتقال إداري بحق ... رقم هوية ... المولود سنة ... مكان الإقامة ... لكونه نشيط ... ويشكل خطرا على أمن المنطقة، وبهذا يتم اعتقاله إدارياً في سجن ... من يوم ... حتى يوم ..." . وهذه صيغه جاهزة بحاجه إلى تعبئة الفراغات. بموجب هذه الورقة وهذه الكلمات، يتم تحويل النشطاء الفلسطينيين إلى الاعتقال الإداري لينضموا إلى عشرات الآلاف من المعتقلين الذين رزحوا تحت وطأةهذا الإجراء الاحتلالي الظالم.
وأصحاب الورقة المذكورة أو من وضعت أسماؤهم في مثل هذه الفراغات يشكلون الطبقة المثقفة والناشطة من أبناء الشعب الفلسطيني، فالاعتقال الإداري يحوي بين جنباته خيرة أبناء الشعب الفلسطيني وأشخاص أمضوا زهرات شبابهم في سجون الاحتلال وأعيد اعتقالهم بموجب هذه الورقة خوفا وتحسبا من مشاركتهم بنشاطات سياسية .
وتتم محاكمة الأسير في محكمة عسكرية إسرائيلية مغلقة، لا يسمح لأفراد العائلة بحضور حيثيات المحكمة، فقط يحضر المحامي والمعتقل والقاضي والمدعي العسكري، وممثلو المخابرات في بعض الأحيان، مما يشكل حرماناً للمعتقل من حقه في الحصول على محاكمة علنية حيث تكفل الفقرة الأولى من المادة 14 من الميثاق الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الحق في المحاكمة العلنية.
الأوضاع الصحية للمعتقلين وظروف السجون:
غالبية المعتقلين الإداريين محجوزين في سجن النقب الصحراوي، وعدد كبير كذلك في سجن عوفر، وآخرون في سجون مجدو ونتسان والقليل معزولون في سجن الرملة.
معظم الأسرى والمعتقلين يعيشون في خيام مكتظة ، لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء، وتقدم لهم وجبات غذائية لا يُراعى فيها الكم ولا النوع، لا يُزودون بكل حاجاتهم من الملابس،ومحرومون من كثير من الحقوق التي كفلتها الاتفاقيات الدولية؛ والتي نظمت ظروف احتجاز الأسرى، أما من الناحية الصحية، يعاني الأسرى من الإهمال الطبي والذي كان سببا في وفاة العديد منهم. وتمنع سلطات الاحتلال الإسرائيلية هؤلاء الأسرى من زيارة ذويهم، علماً أن القانون الإسرائيلي كفل لهم الحق في زيارتين كل شهر، إلا أنهم محرومون من رؤية أبنائهم وزوجاتهم ووالديهم بحجة الأمن.
الملف السري للمعتقل الإداري :
يقبع داخل سجون إسرائيل قرابة 250 معتقلاً إدرايا في الوقت الحالي، دون أي مسوغ قانوني، وجل ما تتذرع به سلطات الاحتلال في الإبقاء على المعتقل داخل زنازينها هو ملف يُسمى بـ"الملف الأحمر أو الملف السري "، لا يُسمح للمعتقل أو لمحاميه الاطلاع على تفاصيله، وبالتالي يُحرم المعتقل الفلسطيني من أبسط حقوقه المتمثلة في الدفاع عن نفسه تجاه التهم المنسوبة إليه. وبهذا تنتهك إسرائيل أبجديات حقوق الإنسان والقوانين الدولية الخاصة بالمحاكمات والسجن ، وأهمها أنه لا يجوز حرمان شخص ما من حريته تعسفاً، وأن المتهم من حقه أن يعرف التهم المنسوبة إليه بوضوح، وأن يمنح حق الدفاع عن نفسه، وفقاً لما نصت عليه اتفاقية جنيف الرابعة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
يشار أيضا إلى فضفاضية الاعتقال الإداري فيما يتعلق بمدة السجن حيث يقوم الحاكم العسكري الإسرائيلي بتمديد فترة الاعتقال الإداري، لفترات تتراوح ما بين بضعة أيام إلى سنة كاملة، وذلك بناء على توصيات من جهاز المخابرات الإسرائيلية، التي تقدم لوائح إتهام سرية ضد المعتقلين، أو تتقدم بطلب للمحكمة العسكرية الإسرائيلية من أجل تجديد الاعتقال.
أغلب المستهدفين هم نخب ثقافية وسياسية:
ونلفت الانتباه إلى سياسية إسرائيل في انتقاء شخصيات بعينها وشرائح محددة من خلال الاعتقال الإداري ، فهي تستهدف الناشطين السياسيين والحقوقيين، ونواب المجلس التشريعي، والصحافيين، والأكاديميين، والنساء، عبر الاعتقال الإداري غير القانوني، لأنها لا تجد تهماً حقيقية تستطيع أن تصمد أمام القانون والمحاكم، وتبرر احتجاز مثل هذه الفئات. فإسرائيل تعتقل أكثر من 25 برلمانياً فلسطينياً، غالبية الثلثين منهم يخضعون للاعتقال الإداري غير القانوني، بعضهم قضى فيه أكثر من 4 سنوات ، إلى جانب واحد وأربعين أكاديمياً فلسطينياً ممن يعملون في جامعات الضفة الغربية، معظمهم يخضع للاعتقال الإداري ، في وسيلة تهدف إلى تغييب العقول والكفاءات العلمية عن المجتمع الفلسطيني، كذلك لا تدخر إسرائيل جهدا في كتم الأفواه وتقييد الرأي الآخر ، من خلال اعتقال الصحفيين الفلسطينيين ادريا .حيث يقبع نحو 14 صحفيا في سجون إسرائيل الآن.
الاعتقال الإداري سجن نفسي داخل أسوار سجن حقيقي :
وعلى صعيد الحالة النفسية للمعتقل الإداري ، فإن الآثار النفسية تشكل ضغطا إضافيا على المعتقل لعدة أسباب أن أسير هذا النوع من الاعتقال في سجون اسرائيل في حالة ترقب دائمة للمصير الذي ينتظره، متأرجحا ما بين أمل الإفراج أو تجديد الاعتقال الإداري من جديد. و لا يدري على وجه الدقة التهمة المنسوبة إليه وبالتالي فإنه لا يملك مذكرة دفاع محددة تخدم موقفه، وتبقى المدة التي سيمكثها في السجن أمر يصعب معرفته ويخضع لمزاجية سلطات الاحتلال، وهي بذلك تحرم الأسير الفلسطيني حتى من التكيف نفسياً مع فترة الاعتقال ومحاولة تقبلها، دافعة بهذا الإنسان المدني إلى العيش حالة من القلق والترقب الدائم. وينعكس ذلك على أسرته و ذويه اللذين ينتظرون على أبواب المعتقل خروج ابنهم الأسير، أو يتطلع أبنائه وأطفاله إلى اليوم الأخير من فترة اعتقاله إداريا، فيفاجئون بأن إسرائيل قررت تمديد فترة الاعتقال، الأمر الذي يترك أثرا سلبيا بليغا على نفسية هؤلاء الأطفال والعائلة.