فقط من باب التذكير، فقد أطلقت قمة بيروت العربية في العام 2002 مبادرة السلام العربية التي أكدت على أن السلام العادل والشامل خيار استراتيجي للدول العربية يتحقق في ظل الشرعية الدولية، و التي دعت إسرائيل لقبول المبادرة و إعادة النظر في سياساتها، والجنوح للسلم من خلال إعلانها أن السلام العادل هو خيارها الاستراتيجي، وبالانسحاب الكامل من الاراضى العربية المحتلة حتى خط الرابع من حزيران 1967، والتوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، وقبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الاراضى الفلسطينية المحتلة منذ 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية، متعهدة، إذا ما حصل ذلك من قبل إسرائيل، باعتبار النزاع العربي الاسرائيلى منتهيا والدخول في اتفاقية سلام بينها وبين إسرائيل مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة، وإنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار هذا السلام الشامل.
وفقط من باب التذكير أيضا، فقد جاء الرد الاسرائيلى الرسمي مباشرة بعد الإعلان عن مبادرة السلام العربية وقبل أن يجف الحبر الذي كتبت به بأن هذه المبادرة "لا تساوى قيمة الحبر الذي كتبت به"، وهو ما تأكد بالملموس على الأرض، فها نحن في العام 2013 فلا مبادرة السلام العربية قبلت، ولا انسحاب اسرائيلى من الاراضى العربية المحتلة حتى خط الرابع من حزيران تحقق، ولا حلاً عادلة لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 تحقق، ولا دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية قامت على الاراضى الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من يونيو 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة، في حين تضاعف الاستيطان الاسرائيلى في الاراضى الفلسطينية المحتلة وتحديدا في القدس الشريف بشكل غير مسبوق، وتعاظمت مخططات التهويد والتقطيع، وأقيمت الجدران والحواجز، وازدادت وتيرة الحصار والإغلاق والاجتياحات، وتم رفض كل المحاولات الدولية لتجميد الاستيطان كليا أو جزئيا من اجل العودة إلى طاولة المفاوضات، وتم رفع سقف المطالب الإسرائيلية لتصل إلى مطالبة الجانب الفلسطيني بالاعتراف بيهودية دولة إسرائيل فقط من اجل القبول بالدخول في مفاوضات سلام مع الجانب الفلسطيني لا يعرف لها أول من آخر .... الخ، وان كان التطبيع العربي ما ظهر منه وما بطن كتعهد عربي ضمن مبادرة السلام العربية قد تحقق على ارض الواقع الأمر الذي لم يعد يخفى على احد !!!!!.
أن نطرح مبادرة سلام عربية إنما هو شئ محمود، أن نقول للعالم أننا كأمة عربية دعاة سلام إنما هو أمر حضاري، أن نلقى حجرا عربيا من اجل تحريك المياه الراكدة عالميا لإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف على الاراضى المحتلة منذ الرابع من يونيو 1967 و إيجاد حل عادل للاجئين الفلسطينيين فهذا أمر يستحق الاحترام والتقدير، ولكن حين نقوم كأمة عربية بكل هذه المواقف الايجابية تجاه إسرائيل وتجاه العالم ولا نجد بالمقابل إلا الاستخفاف وعدم الاكتراث والاحتقار من كل الجهات ذات العلاقة خلال فترة تزيد عن عشر سنوات اى منذ الإعلان عن مبادرة السلام العربية العام 2002 ، فإننا نكون بكل تأكيد أمام أسئلة كبيرة كثيرة : لماذا كثر حديث الأطراف ذات العلاقة بعملية السلام في الشرق الأوسط خلال الأشهر الماضية وتحديدا بعد زيارة "كيرى" رئيس الدبلوماسية الأمريكية للمنطقة حول أهمية مبادرة السلام العربية كمرجعية لعملية السلام في المنطقة؟ لماذا استيقظ العالم ألان من جديد وبعد سبات عميق على أهمية مبادرة السلام العربية؟ هل أدرك اللاعبون الكبار أخيرا خطيئتهم حينما تنكروا لمبادرة السلام العربية ولليد العربية الممدودة للسلام؟ لماذا المطالبات القطرية السابقة في أكثر من مناسبة، وخاصة خلال مؤتمر القمة العربية الذي انعقد في الدوحة، بسحب مبادرة السلام العربية من سوق التداول السياسي؟ هل كان تكتيكا سياسيا يصب في خانة الضغط على الولايات المتحدة وأوروبا والعالم وإسرائيل لإلقاء حجر عربي لتحريك المياه الراكدة فيما يخص الملف الاسرائيلى الفلسطيني؟ ما هي الخلفيات؟ ما هي الأهداف؟ .... الخ.
لقد جاءت زيارة الوفد السباعي العربي لواشنطن ولقائه مع وزير الخارجية الامريكى "جون كيري" ونائب الرئيس الامريكى "جو بايدن" ومن ثم تصريحات رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جابر آل ثاني ( ضرورة أن يستند الاتفاق بشأن حل الدولتين على أساس خط حدود 4 حزيران عام 1967، مع إمكانية التبادل لأجزاء بسيطة من الأرض بالقيمة والمثل) وما تلاها من ردود أفعال وتصريحات وتسريبات صحفية لتؤكد وجود طبخة سياسية يتم إنضاجها على نار هادئة لتسوية الملف الفلسطيني الاسرائيلى تشارك فيها أطراف هامة ذات علاقة بالملف الفلسطيني الاسرائيلى، من ابرز ملامحها:
• خلال اجتماع "بلير هاوس"، قال "كيرى" للوفد السباعي العربي انه لا يتحدث عن "إدارة" الصراع الفلسطيني الاسرائيلى، ولكنه يتحدث عن "إنهاء" هذا الصراع.
• تسعى الإدارة الأمريكية لتقديم إطار عمل أو قل (مبادرة سياسية) في الأشهر القريبة القادمة تشجع الجانبين الفلسطيني والاسرائيلى على استئناف المفاوضات على أساس الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية بعد تعديلها لتتضمن أن يستند الاتفاق بشأن حل الدولتين على أساس خط حدود 4 حزيران عام 1967، مع إمكانية التبادل لأجزاء بسيطة من الأرض بالقيمة والمثل، والاعتراف بيهودية دولة إسرائيل،
• حسب مصادر إسرائيلية في تل أبيب، تتضمن مبادرة السلام الأمريكية خطة لاستئناف المفاوضات على مسارين متوازيين في الصيف المقبل على أساس مبادرة السلام العربية: المسار الأول بين إسرائيل والفلسطينيين، والمسار الثاني بين إسرائيل والجامعة العربية، بعد موافقة لجنة المتابعة العربية على إضافة بند يفتح المجال أمام تبادل الاراضى بين إسرائيل والدولة الفلسطينية العتيدة، خصوصا وان نتانياهو كان قد ابلغ كيرى انه يرفض العودة إلى حدود الرابع من حزيران 1967، ويطالب بالاعتراف بالتغيرات التى طرأت خلال سنوات الاحتلال، حيث أقيمت عشرات المستوطنات التي يطالب بأن تضم الى إسرائيل.
• حسب صحيفة "الحياة اللندنية"، فقد ذكرت مصادر دبلوماسية غربية ان مبادرة السلام الأمريكية ستتضمن خطة لتقديم رزمة اقتراحات لإعادة الطرفين الفلسطيني والاسرائيلى إلى طاولة المفاوضات، وتشمل خطوات سياسية (مفاوضات نهائية في ملفي الحدود والأمن، وشكل من أشكال تجميد الاستيطان في الضفة الغربية)، وخطوات اقتصادية (تسمح للسلطة الفلسطينية بإقامة مشاريع في المنطقة "ج "الواقعة تحت السيطرة الأمنية والمدنية الإسرائيلية التي تبلغ مساحتها 60 % من مساحة الضفة الغربية، ناهيك عن تقديم مساعدات أمريكية لتنشيط الاقتصاد الفلسطيني)، ومفاوضات أمنية تراعى احتياجات ومصالح الجانبين الفلسطيني والاسرائيلى،
• هناك إجراءات بدأ تنفيذها على الأرض من قبل الجانبين الفلسطيني والاسرائيلى، فحسب (القدس العربي) اللندنية، فقد التزم السباعي العربي بوقف كل المساعي الفلسطينية للانضمام لوكالات الأمم المتحدة، وتعهد بوقف ملاحقة إسرائيل قضائيا في المحافل الدولية، إذا تم طرح المبادرة الأمريكية للسلام في المنطقة، الأمر الذي أكده وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي حين أعلن عن قرار السلطة الفلسطينية تجميد مساعيها للانضمام إلى بعض وكالات الأمم المتحدة بصفة دولة، أو تقديم شكاوى ضد إسرائيل إلى المحكمة الدولية، ما لم تنفذ إسرائيل مشاريع بناء في منطقة E-1 بين القدس و معاليه ادوميم. بالمقابل، وحسب راديو الجيش الاسرائيلى، فان نتانياهو ابلغ قراره بتجميد الاستيطان في الضفة الغربية قبل بضعة أيام الى وزير الإسكان "أورى ارييل" العضو فى البيت اليهود.
• وفى تطور لافت، فقد دخلت دولة بحجم الصين على الخط، فحسب ما ذكره نائب السفير الصيني لدى فلسطين "لى هونغ يو" خلال مؤتمر صحفي عقد في مقر السفارة الصينية فى رام الله بتاريخ 7/5/2013، فقد طرح الرئيس الصيني "شى جينغ يينغ" خلال مباحثاته مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس فى بكين رؤية صينية من أربع نقاط لتسوية القضية الفلسطينية تتضمن: 1) إقامة دولة فلسطينية مستقلة، والتعايش السلمي بين دولتي فلسطين وإسرائيل، وان إقامة الدولة المستقلة ذات السيادة الكاملة على أساس حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية تعتبر حقا غير قابل للتصرف للشعب الفلسطيني، ومفتاحا لتسوية القضية الفلسطينية، وحق بقاء إسرائيل وهمومها الأمنية المعقولة يجب ان تكون موضع الاحترام الكافي، 2) التمسك بالمفاوضات باعتبارها الطريق الوحيد الذي يؤدى إلى السلام الفلسطيني والاسرائيلى، وان على الجانبين الفلسطيني والاسرائيلى التكيف مع التيار العصري وتبادل التنازلات لتقريب المسافات بينهما، 3) اتخاذ إجراءات ملموسة لوقف بناء المستوطنات ومنع أعمال العنف ضد المدنيين الأبرياء، ورفع الحصار عن قطاع غزة ومعالجة قضية الأسرى الفلسطينيين بشكل ملائم بما يهئ ظروفا لازمة لاستئناف مفاوضات السلام، 4) ان تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة بين جميع الفصائل الفلسطينية يساهم في استئناف وتدعيم مفاوضات السلام بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلى، علما بأن "نتانياهو رئيس وزراء إسرائيل يتواجد الآن فى زيارة رسمية للصين ومن المؤكد ان الرؤية الصينية ستعرض عليه، ولربما يكون بينه وبين الرئيس ابو مازن لقاء فى بكين حول هذه الرؤية التى تنسجم تماما مع مبادرة السلام العربية بعد تعديلها.
إجمالا، اعتقد ان المنطقة ستشهد خلال الأشهر القليلة القادمة تحركات لاستئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية و لربما العربية الإسرائيلية، وهذا يحتم علينا كفلسطينيين إنهاء ملف الانقسام فورا دون اى مماطلة أو تأخير أيا كانت المبررات، ومن ثم وضع إستراتيجية فلسطينية متفق عليها من قبل الكل الفلسطيني تقوم على دراسة موضوعية لنقاط قوتنا ونقاط ضعفنا دون تقزيم أو تهويل، وما هو متاح لدينا من نافذة فرص وما يقابلنا من تهديدات، لنكون على أتم الجاهزية مسلحين باليات إبداعية موضوعية تمكننا من مواجهة تحديات المرحلة القادمة بكل كفاءة واقتدار.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت