تقرير اممي يدعو لربط اقتصاد القدس بالاقتصاد الفلسطيني

القدس المحتلة - وكالة قدس نت للأنباء
عرض مؤتمر الامم المتحدة للتجارة والتنمية، خلال مؤتمر صحفي عقده نائب المنسق الدولي لعملية السلام في الشرق الاوسط جيمس راولي، في قاعة مؤسسة يبوس بمدينة القدس اليوم الخميس، بحضور وزير شؤون القدس المحافظ عدنان الحسيني، تقريرا أعده الخبير الاقتصادي الدكتور رجا الخالدي، حول الاقتصاد الفلسطيني في القدس الشرقية.

ويوضح التقرير ان اقتصاد القدس الشرقية كان يشكل ما نسبته 15 بالمائة من الاقتصاد الفلسطيني قبل اتفاقية اوسلو عام 1993 بالرغم من تقلص النسبة الى 7 بالمئة في السنوات الأخيرة، فان حجم الناتج المحلي الذي بلغ 600 مليون دولار عام 2010 قد انخفض لان النمو في القدس الشرقية قد تخلف عبر مواكبة النمو في باقي المناطق الفلسطينية المحتلة، وذلك نظرا لفصل المدينة عبر جدار الفصل والحواجز المتعددة والتي كبدت اقتصاد المدينة خسائر تزيد عن مليار دولار منذ البدء ببناء الجدار العنصري عام 2003.

ويلاحظ التقرير ان الاقتصاد المقدسي ليس مقيدا بالعوائق الاسرائيلية فقط، بل بالكثير من العقبات التي تعترض تنمية المدينة والتي تتصل بوضع القدس الشرقية كأرض محتلة ضمتها اسرائيل اليها لاحقا، كما ان معدل فقر المقدسيين قد سجل زيادة مطردة على مدى العقد الاخير حيث ارتفع خلال سنة واحدة من 68 بالمئة عام 2009 الى 77 بالمئة، وبالمقابل بلغت نسبة فقر الاسر الاسرائيلية في شطري المدينة 25 بالمئة عام 2010، كما اشارت البيانات الى ان ما نسبته 82 بالمئة من الاطفال الفلسطينيين كانوا يعيشون تحت خط الفقر عام 2010 مقارنة بما نسبته 45 بالمئة من الاطفال الاسرائيليين والذين يعيشون في القدس.

ويذهب التقرير الى ان اقتصاد القدس الشرقية ليس مدمجا بالاقتصاد الفلسطيني ولا بالإسرائيلي بل يعتمد بنيويا على الضفة الغربية لدعم الانتاج والتجارة والعمالة وهو في الوقت نفسه يعتمد قسرا على السوق الاسرائيلية التي يجب ان يمتثل لانظمتها والتي تشكل بالنسبة الى المدينة مصدرا للعمالة والتجارة، كما تشكل القناة الرئيسية للسياحة فيها، موضحا ان هذه التناقضات ادت الى ترك الاقتصاد المقدسي يتدبر امره بنفسه بانتظار امر تنميته المعلقة.

ويلاحظ التقرير ان حكومة الاحتلال الاسرائيلي يمكنها تنمية الاقتصاد في القدس ليس عبر الوفاء بالتزاماتها كسلطة احتلال وحسب، انما تعمل بقوة على تحسين الاوضاع الاقتصادية للمقدسيين وضرورة انهاء الانشطة الاستيطانية وإنهاء احتلال القدس الشرقية وفقا لما نصت عليه قرارات الامم المتحدة، وفي غضون ذلك يمكن اتخاذ خطوات الى الامام تشمل ازالة القيود المفروضة على حركة الاشخاص والبضائع وإعادة النظر في انماط فرض الضرائب وتوفير الخدمات وقوانين الاستثمار وتصاريح وإجراءات البناء وإتاحة فرص الوصول الى الخدمات الصحية والتعليمية على قدم المساواة.

ويلقي التقرير الضوء على عدد من السياسات الاسرائيلية التي اعاقت النمو الطبيعي للسكان المقدسيين من حيث سحب الهويات واعتبار السكان مقيمين دائمين وليس مواطنين الامر الذي يقيد فرص حصولهم على السكن واللوائح الاسرائيلية التي لا تسمح لهم بالبناء إلا على جزء محدود من مساحة اراضي القدس الشرقية والعمل والتعليم والخدمات الصحية ويقيد اماكنيات تمثيلهم واستراتيجيات العزل المادي والديموغرافي واسعة النطاق، كما يلاحظ التقرير ان المقدسين الذين يشكلون ثلث عدد سكان بلدية الاحتلال في القدس يدفعون ضرائب بلدية مرتفعة مقابل حصولهم على خدمات رديئة.

ويخلص التقرير الى عدد من الخطوات التي من الممكن اتخاذها لإتاحة نمو متجدد في مدينة القدس بما في ذلك الاستثمارات من قبل القطاعين العام والخاص فضلا عن الدعم من الجهات المانحة من اجل التصدي للتحديات الاجتماعية والاقتصادية الرئيسية وهي تحديات تتمثل في تحسين الحماية والتنمية الاجتماعية وحفز التقدم الاقتصادي وحماية حقوق الانسان وضرورة التنسيق مع القطاع الخاص ومقدمي الخدمات الاجتماعية غير الحكومية في القدس الشرقية لان غياب السلطة الوطنية قسرا عن القدس والإهمال الاسرائيلي يستدعيان الاخذ بنهج خلاق ومرن.

ويقترح التقرير ايجاد مصادر بديلة واليات مستدامة لتمويل الاستثمار والإسكان والأنشطة الانتاجية الاخرى الهادفة الى دعم التلاحم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للمقدسيين رغم استمرار الاحتلال.

ويؤكد التقرير ان هذه النهج يجب ان يستند الى القاعدة الشعبية للمقدسيين الذين تمكنوا رغم كل الصعاب من الحفاظ على جوهر اقتصادهم الذي يتركز في البلدة القديمة والتكيف مع الظروف القاسية والصعبة، كما يدعو التقرير الى تحسين التنسيق والتخطيط بين الهيئات الدولية شبه الحكومية وغير الحكومية العاملة في القدس بهدف تقديم دعم تحفيزي ومحدد الهدف لقطاعات السياحة والإسكان والخدمات.

من جهته ثمن الوزير الحسيني اهتمام هيئة الامم المتحدة بمدينة القدس موضحا ان التقرير يكشف مدى العنصرية التي تمارسها سلطات الاحتلال الاسرائيلي وأجهزتها في مدينة القدس وعموم دولة فلسطين، منوها الى ان مشاكل المقدسيين المختلفة والمتعددة ناجمة عن فصل مدينتهم عن جسمها الفلسطيني وعزلها عن محيطها وممارسة سياسات ممنهجة للتضييق على المواطنين لأهداف استيطانية تهويدية توسعية دون الالتفات الى المعايير الدولية.

وقال "إنه وبالرغم من هذه الممارسات اللانسانية لسلطات الاحتلال فإنه يجب البحث عن حلول مؤقتة تدعم وتعزز من صمود المواطن المقدسي وإنعاشه بمشاريع حيوية في مختلف القطاعات خاصة الاسكان وتنمية الجوانب الاجتماعية والثقافية".

وانتقد الحسيني آليات الدعم المقدمة من الاوروبيين والتي في معظمها لا يستفيد منها الشعب الفلسطيني انما تأتي تسهيلا لإجراءات احتلالية وتجعل من الاحتلال الاسرائيلي غير مكلف وفي المحصلة تحسب لصالح الفلسطينيين، وهذا ليس بعيدا عن الدعم العربي الشحيح والذي نسمع عن الكثير في مناسبات مختلفة لكن لا يصل منه سوى القليل.

ورأى ان الحل يكمن في تطبيق قرارات الشرعية الدولية القاضية بانهاء الاحتلال وإقامة الدولة المستقلة ذات السيادة الكاملة على الارض والجو والبحر وباطن الارض من مصادر مياه وغيرها ما سيمكن الشعب الفلسطيني من ممارسة سيادته واستغلال موارده بالشكل الذي يمكنه من الاستغناء عن التمويل الخارجي والنهوض والتقدم نحو مصاف الدول الاخرى.

وأعرب الحسيني عن امله في استغلال هذا التقرير الاممي والدفع قدما باتجاه ان تأخذ الامم المتحدة دورها الذي انشأت من اجله وتطبق قراراتها المتعددة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية كما فعلتها في مناسبات مختلفة في انحاء العالم والكف عن اعتبار اسرائيل دولة فوق القانون وإرغامها على الانصياع للرغبة الدولية في تحقيق السلام الشامل والعادل الذي يضمن أمن الجانبين، وحينها فقط يمكن بناء سياسات اقتصادية خلاقة وبناءة للجميع.