كم كان يؤلمني ذلك السؤال : لماذا لم تقاتلوا ؟ لماذا تركتم أرضكم لليهود و مشيتم الى اللامكان ؟
عشرون عاما في الغربة في أرض هي جزائري ..موطنا للفلسطيني غير كل الأوطان .... لكني عندما كنت أسأل هذا السؤال كنت أدرك كم أنا في غربة عن نفسي ....لماذا رحلنا ... لماذا ؟
ان كنت فلسطينيا لا تصدق أن هناك مكان تذهب اليه و لا تجد أحدا يسألك ذات السؤال بطريقة أو بأخرى , بجدية أو من باب المزاح و لا تصدق انك مهما علوت لن توجه لك عبارات عنصرية يوما ما مهما رقيت تلك العبارات , كنت أعتقد أنه لو عاد التاريخ بنا و علم أجدادنا أن الخمسة عشر يوما المزعومة غدوا 65 عاما لما خطوا تلك الخطوات المرهقة أبدا ...الى أن كتب لي هذا القدر أن أعيش اليوم في دمشق المنهكة أكثر مني .
اليوم مضى أكثر من أربعة أشهر ونصف عن نكبتنا الجديدة في مخيم اليرموك
و بدأنا نتحدث بالصامدون في مخيم اليرموك و الراحلون الى المجهول , أنا و لست لأني ممن خرجوا صباح يوم الأحد 16/12/2013 الى عملي و لم أعد قط الى مخيم اليرموك بل لأنني علمت يومها فقط ما معنى أنك تتمنى أن تبيع الكون لتبقي أظافر من تحب بخير ....
مخيم اليرموك التحم في 17/12/2013 مع كل مناطق دمشق بنكبته ..برحيله عن حياته الطبيعية ... عن خيمته المعنوية... عن أمانه , و لم نكن يوما نتمنى لعربي أن يحيا ما عاشه أجدادنا رغم أننا كثيرا ما كانوا يلومنا أخوتنا العرب على رحيلنا من أراضينا ..فما بالك بابن الشام لم نكن نتمنى أبدا يا أكثر من أخ يا من فتح لنا بيته في ربوع صدره ....لم نكن نتمنى يا أخي أن تذوق ما ذقناه أبدا .......
طوبى للصامدين في مخيم اليرموك و اعذروني أن أردت اليوم أن أقول طوبى لأمهاتنا اللواتي خرجن محملن بالأغطية و الفراش في عز البرد راحلات الى حيث لا يعلمن و لكن أملا منهن بحماية صغارهن ..طوبى لأناملهن , طوبى لرجالنا الذين خرجوا بعائلاتهم كالحديد الرافض الصهر تحت النار , طوبى لجدتي و لأجدادنا الذين أعادوا الكرة بالرحيل مرهقين متعبين و هم فقط من أدركوا من اليوم الأول أن لعبة الخمسة عشر يوما لم تعد تعنيهم , طوبى لأطفالنا الباكين و المبتسمين منهم و اعذرونا على ضعفنا أمامكم , اعذرونا لم نستطيع أن نحميكم من برد الشتاء لم يكن هناك ما يدفئكم سوى بعض الأغطية التي رحلت معنا و صدورنا .
بعد أن عرفت أماكن الشتات الجديدة لأحبائي , لم أبادر بالسؤال الا على من بقوا في سوريا اعتقادا مني أن الراحلون عنها نجوا من هذه المتاهة مهما ساءت ظروفهم حتى استوقفتني صديقة في أحياء دمشق و أخبرتني أنها قدمت منذ يومين من لبنان
و كأن القدرأراد ان يؤلمني أكثر من ذلك الشتاء القاسي في ذلك الليل بجوابها بعد سؤالي لها عن أوضاع أهالينا في لبنان فقالت دامعة أطفالنا يلهون في المقابر في البرد القاسي .....أبكتني كثيرا ذلك اليوم كأنها جاءت لتلومني على فعلتي عندما قررت أنهم بخير .
الوجهة الأولى لكل أهالي مخيم اليرموك في ذلك اليوم هو دوار البطيخة و من ثم دوار الحرب الرهيبة التي تجبر الآمنين على الخوف .
اليوم أهالينا و أصدقائنا مبعثرون على خارطة العالم آمنين و ليسوا بخير , لاجئون في السويد , مرهقون في لبنان , متعبون في مصر , تائهون في الجزائر , مغتربون في ماليزيا , نازحون في قدسيا ,صحنايا , جرمانا , المزة , الفحامة , متألمون في المدارس ........ومنهم من كرر الرحيل .
عاجزون مثلكم و صامدون مثلكم و منتظرون مثلكم ويرددون مثلكم :
"وأنت تعد فطورك ,فكر بغيرك ....لا تنس قوت الحمام .....و أنت تخوض حروبك ,فكر بغيرك....لا تنس من يطلبون السلام" تماما كما كانوا أجدادنا منذ 65 عاما ومازالوا فلا تفعلوا كما فعلناو لا تثقلوهم بملامتكم و لا تدفعون الغريق أكثر ...
فطوبى الى أهالي مخيم اليرموك أينما كانوا و طوبى الى أهالي مخيماتنا أينما كانوا وطوبى الى أهالي الشام أينما كانوا و ليس هناك ناج من ألم الحرب سوى الذي لم يرها و لم يسمعها و ليس هناك شيئا جيدا في الحرب سوى انتهائها .
بقلم / هلا تيسير أبوبكر- مخيم اليرموك
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت