الشهيد محمد عباس هديب عبدالهادي
ثلاثة وعشرون عاماً أبكي ،وصرخات الآهات تعلو،والدموع تنهمر ،وعلى الخدود تسيل, ثلاثة وعشرون عاماً كلها قسوة ,وما عاد البكاء يا محمد يشفي الغليل ,ثلاثة وعشرون عاماً وما زالت الروح من بعدك تائهة والقلب لغيابك أصبح عليلاً ... آه محمد من قسوة آهاتي, آه من ألم الرحيل .
غيابك جمر في الصدر ، فتزداد معه أهاتي , فراقك خنجر ينكأ جراحاتي ,أنت هنا لا تفارقني أنت قلبي ،وروح حياتي .. لم تغب عني للحظة ، فأنت كل حكاياتي, أنت معي في صلاتي في سجودي وركعاتي... أضمك كلما أشرقت الشمس أو غابت , أضمك مع كل فرح ٍأو حزن أضمك مع تحقيق أحلامي وأمنياتي. ..آه محمد لو تدري كم هي معاناتي ,آه محمد فقد اهتزت الجبال من شدة أناتي.
غدروا بك ، فقتلوك يا محمد ،وأسالوا دمك بالطُّرُقَات , بعد أن حاصروا المخيم بكتائب جند وأرتال دبابات, تحميهم من فوقهم أسراب من طائرات, لم يكن معك بندقية , أو حتى سِكِّين, بل حنجرة تصرخ بالآهات, وراية تلوح بها في وجوههم , وصوت يردد هتافاتٍ , لكن صوتك زلزل عروشهم ؛ لأنه أيقظ ما اختزن في صدور الشعب من حسرات...حسرات على وطن أضاعوه, على مقاتل سحلوه , وعلى سجين سياسي صلبوه, على طفل رفع راية عذبوه, على تاريخ شطبوه, على شعب يا محمد شتتوه, و في الخيام بعد أن سلبوا أرضه أسكنوه.
نعم ,لقد غدروا بك ، فقتلوك وأسالوا دمك بالطرقات , لكن الجموع هبَّت ،واحتشدت بالساحات وانطلقت شرارة الغضب ,من حطين إلى كل المخيمات, في البقعة, في جرش والوحدات,وتدافع من أحبك إلى ساحة المواجهات ؛ يصرخ في وجوه الطغاة ، يلوح لهم بالرايات.
وفي يوم وداعك يا محمد سقط جرحى وشهداء, أحمد غياض من بينهم حيث أقسم وكان منه الوفاء,قسم الإخلاص لفلسطين ,قسم الانتماء, فنم قرير العين محمد, فدماؤك أسقطت التجنس ولفلسطين أصبح الولاء, فما عادت الوصاية ,وفشلت كل محاولات الاحتواء ,وفي الأردن تنادت المآذن وصاح المؤذن إلى فلسطين هيا.. حي على الجهاد ..حي على الفداء, وفي القدس قرعوا أجراس الكنائس تحية لوحدة جسدها الشعب في كل الأرجاء.
وفي الضفة اشتد لهيب الثورة وزغرد الرصاص , تحية لشهداء عيون قارة ,ومن سقط من أجلهم على أيدي قتلة أنجاس,وفي يوم وداعك محمد توشحت بالسواد غزة بعد أن أقسمت على الخلاص, خلاص من محتل قاتل... من تاجر يدَّعي العروبة ... من كل من أقسم لإسرائيل على الإخلاص.
نعم يا شهيد فلسطين ، يا شهيد الهوية , لقد خلعنا ثوب الذل خلعنا ثوب العبودية , ما عدنا نخشى نظاماً فاشستياً عميلاً للأمريكان ربيباً للصهيونية , ما عدنا نخاف من مخابراته ,ما عدنا نأبه بجنسيةٍ منه أو هوية, وانتصر الشعب كل الشعب للدم وانتصر للقضية ,وعيوننا اتجهت هناك صوب الأرض المحتلة ,صوب الملثم بالكوفية, حيث الكرامة والشموخ حيث الانتفاضة والثورة لنيل الاستقلال والحرية.
نم قرير العين محمد، وارتحْ ،فالشعب كلُّ الشعب أقسم على درب الثورة ،والكفاح, وفلسطين التي سقطت من أجلها _مهرها قد اكتمل ويوم عرسها قد لاح ,وما من قاتل أو متآمر سيبقى أو سفاح, فعروش الاستعمار تتهاوى , تقاذفها العواصف ,تطايرها الرياح.
ملاحظة:
سقط الشهيد محمد عباس هديب عبد الهادي في 22/5/1990 برصاصات غادرة أثناء قيادته مسيرة غضب في مخيم حطين احتجاجاً على الصمت العربي على مجزرة عيون قارة, وما أن سقط محمد حتى انتقلت شرارة الغضب إلى كل المخيمات الفلسطينية في شرق النهر, فكان يوماً فاصلاً للاختيار ما بين الانتماء إلى فلسطين, أو الاحتواء فكان الانتماء الذي تعمَّد بدماء ستة من الشهداء, الذين أصروا على اللحاق بمحمد، مع النبيين والصد يقين والشهداء بإذن الله.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت