اعلام التحريض

بقلم: مصطفى إبراهيم


بعض وسائل الاعلام المحلية الصادرة في قطاع غزة تعتمد اسلوباً تحريضياً خطيراً في تناول قضايا حرية الصحافة والرأي والتعبير، في جزء غال من فلسطين من المفترض انه منبع المقاومة والحرية والتحرير وتناول كل القضايا بحرية وشفافية.
وينطلق عدد من كتاب الاعمدة في هذه الصحف والمواقع من رؤية حزبية ضيقة كانت تستخدم في أزمان غابرة وتمثل الانظمة الشمولية والاستبدادية، وخرج بعضهم عن القواعد والأصول المهنية وعدم مراعاة العلاقات الوطنية، والتحريض بشكل سافر يؤسس للعنف.
بعض هؤلاء يعتمدون تحريض موجهاً لتشويه صورة الاخرين في وسط حزبي يصدق أي شيئ يُقال بدون أن يكلفوا انفسهم عناء البحث والتحري، ومطالعة ما ينقله الصحافيون والكتاب الذين يتمتعون بصدقية ومهنية وموضوعية عالية جداً، وينطلقون من حسهم الوطني والأخلاقي والمصلحة الوطنية، ويراعون الاصول والقواعد الصحافية في اطار القانون وحرية الرأي والتعبير، والحق في الحصول على المعلومات وتداولها، وتناول القضية الفلسطينية، ومعاناة الناس والهم اليومي المعاش في فلسطين.
الخطير هنا ان يتم تناول قضايا تناولها الصحافيون والكتاب والرد عليهم بشكل تحريضي متعمد، بدون تكليف الذات عناء البحث والاستناد الى المعلومات الحقيقية بطريقة اقرب للتزوير والكذب وقلب الحقائق، وفي زمن الفضاء الرقمي ومواقع التواصل الاجتماعي المنتشرة كالفطر لم يعد مجالاً للتزوير والكذب وحجب المعلومات.
فحرية التعبير والصحافة لم تعد حكرا على احد، ولا يستطع أي شخص او أي دولة او حكومة وأجهزتها الامنية اي كانت فرض سطوتها وتقييد حرية الرأي والتعبير، فالحدود مفتوحة امام الناس وبكبسة زر يطلع الانسان على ما يريد وعلى كم هائل من المعلومات والتمييز بين الغث والسمين.
نحن بأمس الحاجة لدحض الرواية الاسرائيلية وفضح الجرائم والانتهاكات اليومية بحق ابناء الشعب الفلسطيني، وكشف المستور في ما يجري في ساحتنا من انتهاكات وفساد وتفرد وإقصاء.
أعتقد ان الاعلام الفلسطيني خاصة الحزبي ومن هو على هامشه في موقف لا يحسد عليه، فالناس ينظرون الى اعلامنا الفلسطيني باستخفاف ويحملونه جزءاً من المسؤولية فيما يجري لدينا، وأصبحنا لا نرى إلا الغث منه، وهو يقف على المحك، ما يتطلب منه ضبط النفس والنظر في الامور من جميع زواياها والى القضية الكبرى، ليس من باب التحريض والتنظير ودرء الشبهة عن نفسه فقط، بل من خلال العمل الحقيقي الذي يواجه ما يجري بحيادية وشفافية والإثبات انه قادر على مواجهة الة الحرب ووسائل الإعلام الاسرائيلية الجبارة.
فكلما توسمنا الخير ولاح بصيص من نور في الافق نجد الاعلام الحزبي متورط في التحريض اكثر وفي تعميق الانقسام وبث الفرقة، وبدلاً من تأليب الناس على المسؤولين من طرفي الانقسام نجد فئة من هؤلاء يشوهون غيرهم ويحرضون عليهم.
ليس مطلوباً من الاعلام الحزبي وصحفييه وكتابه الحيادية، مطلوب منهم الموضوعية والمصداقية والنزاهة والشفافية في نقل وكتابة ما يكتبون، ولا يضعون الكل في سلة واحدة وعدم التمييز بين الناس وحقهم في التظاهر وحرية الرأي والتعبير.
الاعلام المحلي والحزبي لم ينضج بما فيه الكفاية ليصبح محايدا في نقل الاخبار بدون تحيز لطرف ضد اخر ولم يقم بدوره في توعية الناس وتحريض الرأي العام لوضع حد للانقسام ومحاصرة المنقسمين.
إن ما يجري في ساحتنا يهدد النسيج الاجتماعي ويزيد من التشاؤم في مستقبل قضيتنا، وقدرتنا على مواجهة التحديات وسطوة الاحتلال.
إن التحريض والإثارة من عمل الضعيف الذي يفتقر الى المسؤولية الاخلاقية والوطنية وعدم القدرة على قبول الاخر والتعايش معه، وهو لا يمكنه العيش إلا من خلال هذه الاجواء، وهذا مؤشر خطير يؤجج العنف ومشاعر وغرائز الناس ويعزز الكراهية والانقسام والمشاحنات الاجتماعية والوطنية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت