ما هو سر " الثلاثة أشهر " المتكررة ؟

بقلم: عماد عبد الحميد الفالوجي


لم أكن أتوقع أن أصل الى هذا السؤال الذي بقي لغزا حائرا أمامي ؟ ذات ليلة تصفحت مجموعة من دفاتري التي كنت أكتب فيها ملاحظاتي خلال وجودي في مجلس الوزراء الفلسطيني لمدة تقارب السبع سنوات كنت خلالها وزيرا للبريد والاتصالات من العام 1996 وحتى نهاية العام 2002 ، كنت خلالها أرصد أهم ما يدور من نقاشات سياسية داخل اجتماع القيادة الفلسطينية والذي كان يضم أعضاء مجلس الوزراء وأعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورؤساء الوفود التفاوضية ، ووضعت أمامي تلك الدفاتر السبعة حسب تسلسل تلك الأعوام السبعة وبدأت اتصفحها وافرأ واستذكر ما كان يدور داخل مجلس القيادة الفلسطينية بقيادة الشهيد الرئيس ياسر عرفات ، وفجأة لمحت شيئا ما يتكرر خلال قلب الصفحات ولمعت لي فكرة لم اتوقعها وهي أن القيادة الفلسطينية كانت دائما في حالة انتظار حدث ما وهذا الحدث سيكون خلال ثلاثة أشهر في المتوسط الزمني – احيانا قد يطول وقد يقصر – ثم يبدأ الإعداد لهذا الحدث والتحضير له والاهتمام به وفي كثير من الحالات تبرز مقولة " أن ما سيكون الوضع عليه بعد هذا الحدث ليس كما قبله " أو إطلاق مصطلح " التاريخي " أو المهم وغيرها من أوصاف المبالغة في الاهتمام ، ثم تمر الأيام ويأتي هذا الحدث المنتظر وينتهي ولا يحدث شيء يستحق الذكر ، ولكن يستمر المسلسل دون انقطاع وهذا ما لفت نظري وجعلني أقف طويلا أمام هذه الظاهرة الفريدة والغريبة .
ثم اسقطت هذا الإحساس على ما يحدث اليوم بعد مغادرتي كافة المسئوليات الرسمية وراقبت بكل دقة فوجدت أن المسلسل لازال مستمرا دون انقطاع ، فهناك حدث سيحدث بعد ثلاثة أشهر يجب أن ننتظره وبكل اهتمام وترقب ويجب أن تتوجه كل الطاقات والأفكار نحو هذا المنتظر القادم ، والعجيب أن الأطراف الدولية والإقليمية تقوم بدور بطل صانع هذا الحدث ، وكل حدث له مبرراته ودوافعه كي نسميه حدث مهم أو تارخي والكل يتصرف بقناعة تامة بأهمية الحدث المنتظر .
وصناعة تلك الأحداث الموعودة تقوم بها جهات مبدعة في معرفة تفاصيل حياتنا ومتعمقة في تفكيرنا وتعرف بدقة الحدث الذي يشد المواطن الفلسطيني في كل مرحلة وتتصرف وفق تلك المعطيات ، وبالتالي يكون الاهتمام الرسمي والشعبي بذلك الحدث ويشد الجميع إليه ، ولإن الأحداث كثيرة ومتسارعة ولكنها منسجمة مع تطورات احداث المرحلة فإن الغالبية تتأثر بالحدث المنتظر وتنسى أو تتناسى الأحداث التي سبقت وبالتالي لا يحدث في الغالب عملية الربط بين الأحداث وهكذا تستمر المعادلة دون أن ينتبه إليها أحد أو يقف من يسأل لماذا نستمر في حالة الانتظار ؟ ولو دققنا سنجد أننا بانتظار حدث مهم بعد ثلاثة أشهر .
ولعل ما استفزني ودفعني للتذكير بتلك الحقيقة التي أثارت فضولي عند مراجعتي لسنوات عمل القيادة الفلسطينية هو خبر اليوم الجديد أن مشاورات تشكيل حكومة التوافق الوطني التي ينتظرها الشعب الفلسطيني لتكون عنوان بداية انتهاء الانقسام ستنتهي خلال ثلاثة أشهر وهو حدث يستحق الانتظار والمتابعة وبستحق من أجله أن نتجاهل كل ما سواه ، وستبدأ مرحلة انتظار جديدة ولو راجعنا انفسنا قبل ثلاثة أشهر لوجدنا أننا كنا أيضا بانتظار تحقق حدث مهم وهكذا .
وتستمر مرحلة الانتظار .

م. عمـــاد عبــد الحــميد الفالـــوجي
رئيس مركز آدم لحوار الحضارات

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت