مشكلتنا في عالمنا العربي عندما نقرأ أي كتاب ،أو مقولة ننسجم معها ،وندافع عن الفكرة أكثر من صاحبها الحقيقي ،والذي لا يتردد أبدا ، في إنكارها أو تبديلها ،وقد نسينا أو تناسينا أن القلم وراءه إنسان يخطيء ويصيب..!!مشكلتنا هي التسليم بالرأي الآخر قولا واحدا ،وكأنه رأي لا يقبل الجدال أو النقض ،أو الاستئناف ..وكذلك في حياتنا السياسية كثيرا ما تبهرنا الشعارات الرنانة ،والخطابات الرائعة التأثير خاصة عندما يهب الله سبحانه لمخلوق قوة الأسلوب ،وسحر الألفاظ والمعاني التي تشد المستمعين من أول كلمة ،بقوة أكبر من قوة جذب الأرض للأجسام الساقطة من العلياء ،أو قوة جذب الأرض للقمر رغم وقائع المد والجزر المتراكمة إثر ذلك ..لكن أصعب شيء على المرء عندما يكتشف أن تلك الأقاويل ..مجرد كلمات جوفاء كالطبول ،أو كأشجار الغابة التي لو حركتها رياح خفيفة لانفصلت جذورها عن سيقانها وأوراقها ..!!المهم يجب علينا أن نتحرى الحقيقة دائما ،وألا نصدق كل ما يُنشر.. وكذلك رأيي تجاه وسائل الإعلام ،والساسة ..!!
لذا ..علينا كبشر أن نحلل وندقق جيدا ،وتلك متعة الحياة ..صحيح أن كثيرا من الحقائق تجلب لنا المتاعب، وتؤرقنا لكن كل ذلك يتوارى ، عندما ينكشف الغموض ،فنرى الصورة على حقيقتها .فأني مؤمن تماما أن أعرف حقائق الأشياء ، ولو للحظة واحدة وبعدها أغادر الحياة ،خير لي من أن أعيش الحياة بطولها ساذجا أوجاهلا..!!
الأمثلة كثيرة، وزخمه في إطار التسليم المطلق للحكم والأمثال ، والشعارات ،الدائرة حولنا ككرتنا الأرضية ..فمثلا اليوم على سبيل المثال وليس الحصر ،عندما يُقال أن حكومة الكفاءات المستقلة والتي هي في طور الإعداد والتشكيل بكوكب آخر بعيدا عنا أنها ستعمل على إنجاز مهام معينة ينص عليها اتفاق القاهرة ،وأن أولى هذه المهام الإعداد لانتخابات رئاسية وتشريعية، بالإضافة إلى توحيد المؤسسات المنقسمة في الضفة الغربية وقطاع غزة، ورفع الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع والعمل على إدخال مواد البناء إليه.من الطبيعي أن نكذب ذلك الخبر،وإلا فكيف نصدق أن عمل هذه الحكومة التي لم يتم الاتفاق عليها أساسا ،والتي من غير المتوقع أن يستمر عملها ولو لساعة واحدة في ظل أزمة الثقة والتشكيك والتشكيك المضاد ..!!
من السفاهة عندما يُضاف فيقال بمبالغة شديدة بعد القفز عن موضوع المصالحة أنه سيستمر عمل تلك الحكومة 3 أشهر يتم خلالها إنجاز المهام الموكل بها إليها، وعندما يُقال أن أزمة أصحاب التوكيلات ستنتهي قريبا فهو خبر عار عن الصحة فالآلاف من أولئك لايعلمون إن كانت بياناتهم وأوراقهم قد تم تسليمها للجهات المختصة أم سقطت سهوا ..!!وعندما يُقال أن المجازر في سوريا قد تم وضع حد لها، وقد توقف شلال الدم هناك بضغوط عربية شديدة ..فهذا أمر وهمي كخط الاستواء ،وعندما نسمع أن المسلمين في أرجاء العالم قد جيشوا الجيوش نحو بورما لا لقتل المجرمين الذين يعيثون بالمسلمين فسادا وتدميرا ، وسبي نساءهم فحسب بل ..لاحتلالها كاملة وتحويلها إلى إمارة إسلامية !!وعندما يقولون أن الهدوء عاد من جديد يرفرف كالأعلام على أرض اليمن و تونس والعراق و مصر فكل تلك افتراءات وأكاذيب ..، لأن المعطيات على الأرض مخالفة تماما لما نسمعه ،ولأننا تربينا كمثقفين وكعرب على أن الأثر يدل على المسير ،والبعرة تدل على البعير!! ، وأخيرا أني قرأت منشورا عبر الفيس على صفحة أحد الأصدقاء بعنوان :" كلما زاد نقاء المرء زادت تعاسته"
للكاتب المسرحي والمؤلف القصصي الروسي الكبير "أنطون بافلوفيتش تشيكوف ،والذي يُنظر إليه على انه من أفضل كتاب القصص القصيرة عبر التاريخ ..حقيقة قد استوقفتني كلماته القليلة الحروف ،والعميقة المعنى ،وعلى الفور تساءلت مع نفسي ، وبكل دهشة كيف يمكن ذلك ؟!! وأعلم أن هناك كم هائل من المنبطحين ،والمستسلمين لمثل تلك الكلمات ..ولما دققت النظر قلت معلقا : بل عفوا أنطون تشيكوف..!! ،كلما زاد نقاء المرء ،ازداد جمالا ،وروعة وإبداعا ،وكلما زاد نقاء المرء.. تكشف نورا إيمانيا ليملأ الوجه، بريقا ،وحسنا ،ولمعانا كالحليب الناصع البياض ،وبلغتك كحبات الثلج الأبيض !!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت