التسوية ليست على حساب المصالحة

بقلم: دياب اللوح


تُحاول بعض الأصوات والأطراف الربط سلباً, وتشكيل وصياغة حالة من الوعي السياسي والوطني والاجتماعي بأن أي ذهاب باتجاه المفاوضات والتسوية السياسية سوف يكون على حساب الجهود المبذولة لإنهاء الانقسام الفلسطيني وتحقيق المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية, وتذهب هذه الأصوات في بعض الأحيان لخلق انطباع بأن الذهاب إلى التسوية سوف يكون على حساب المصالحة, والعكس صحيح تماماً حيث أن هناك أصوات وأطراف أخرى تُرَّوِجُ بأن المصالحة الفلسطينية ليست في صالح التسوية وجلب السلام.

تُمثِّل المصالحة الوطنية الفلسطينية شأناً فلسطينياً داخلياً، ومصلحة عليا وضرورة وطنية مُلحة للشعب الفلسطيني في هذه المرحلة التاريخية الحاسمة والهامة في تاريخ ونضال الشعب الفلسطيني, إذ أنه بدون إنهاء الانقسام الفلسطيني الذي أثر سلباً على مجمل مناحي الحياة السياسية والاجتماعية الفلسطينية, وبدون تحقيق المصالحة العميقة في المجتمع الفلسطيني بين الأخوة والأشقاء والأهل أبناء الشعب الواحد وأصحاب القضية الواحدة، لن يكون هناك أي تقدم في أي مسار آخر من المسارات الوطنية والسياسية, فالركن الأساس وحجر الزاوية في إحراز أي تقدم وأي تغيير في الوضع الوطني والسياسي الفلسطيني، مرتبط ارتباط وثيق بإنجاح الجهود المبذولة لإنهاء الانقسام وجلب السلام الداخلي والمصالحة الوطنية وتعزيز وحدة الموقف الوطني والسياسي الفلسطيني والعمل الوطني المشترك بين الأطراف والقوى الفلسطينية كافة, فلا حل سياسي ولا تسوية للصراع إلا من البوابة الفلسطينية, بوابة الوحدة الوطنية, بوابة الشراكة الوطنية لصهر وتوحيد طاقات وإمكانيات الشعب الفلسطيني كافة في بوتقة واحدة, نحو تجسيد إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة العتيدة كاملة السيادة والمتصلة وعاصمتها القدس الشريف.

إن موقف حركة فتح ثابت واستراتيجي من إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية والسياسية الفلسطينية, وحركة فتح جاهزة وعلى أتم الاستعداد للتعاون والعمل لإنجاح الجهود المبذولة برعاية الأشقاء في مصر, لتنفيذ ما تمَّ الاتفاق عليه في اتفاق القاهرة وإعلان الدوحة وتفاهمات القاهرة الأخيرة, وترى بأن تشكيل حكومة الوفاق الوطني الفلسطيني والذهاب نحو الانتخابات العامة الرئاسية والتشريعية وانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني تمثلان الخطوة الأولى نحو الخروج من مربع الانقسام إلى رحابٍ أوسع وأكبر لا حدود له من الشراكة الوطنية والنضالية والسياسية, ونحو آفاق واسعة من السلام الداخلي والتنمية المستدامة لإنجاز الاستقلال الوطني وبناء الاقتصاد الفلسطيني وإقامة مجتمع العدالة والمساواة, مجتمع محكوم بالقانون, ودولة القانون والمؤسسات.

وفي المقابل إن إعطاء القيادة الوطنية الفلسطينية فرصة للجهود والمساعي المبذولة من الجانب الأمريكي, وأطراف دولية أخرى وخاصة من الأصدقاء في الصين, للخروج بالتسوية السياسية من حالة الجمود والمأزق الذي تمر فيه, على أساس حل الدولتين, والوقف الكامل لبناء وتوسيع المستوطنات, وإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين من السجون والمعتقلات الإسرائيلية, وعلى أساس الحقوق والثوابت الوطنية الفلسطينية في الحرية والاستقلال والعودة وإقامة الدولة المستقلة المتصلة ذات السيادة الكاملة وعاصمتها القدس الشريف, وعلى أساس المبادرة العربية للسلام الُمقرَّة والمعتمدة من القمة العربية في بيروت (2002م), هذه المبادرة غير القابلة للتعديل لازالت تُشكل أساساً سياسياً متيناً للتسوية وقاعدة للحل على أساس قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية وخاصة القرار الدولي (194), وعلى أساس مبدأ الأرض مقابل السلام, حيث أن إعطاء فرصة من القيادة الوطنية الفلسطينية لهذه الجهود والتحركات السياسية لا يعني بأي حال من الأحوال إنها سوف تكون على حساب الجهود والمساعي المبذولة لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة.

إن حركة فتح إذ تُعطي الأولوية والأهمية القصوى لإعادة ترتيب الأوضاع الفلسطينية في كافة المستويات, واستعادة الوحدة الوطنية التي هي أساس أي نجاح وطني وسياسي, فإنها تدعم وتبارك أي تحرك سياسي على أساس الثوابت المذكورة أعلاه, لإنهاء الصراع والاحتلال الإسرائيلي, وجلب السلام العادل والشامل, وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة العتيدة, فالتسوية السياسية لم ولن تكون على حساب المصالحة الوطنية والأهلية والمجتمعية الفلسطينية التي هي أساس البناء الوطني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي الفلسطيني.

21/5/2013م

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت