أصبحت إسرائيل منذ تسعينيات القرن العشرين المورد الرئيس للأسلحة والأجهزة العسكرية والعتاد الحربي وتكنولوجيا الحرب المتطورة، وأجهزة التشويش، إلى العديد من الدول الأفريقية، خاصةً تلك التي تشهد صراعاتٍ عسكرية، واضطراباتٍ قبلية، وحروباً داخلية أو حدودية مع دولٍ مجاورة، مما يجعلها في حاجةٍ دائمة إلى السلاح والعتاد، خاصة الذخيرة وأحياناً الأسلحة الخفيفة التي تتطلبها حروب العصابات، والعمليات العسكرية التي تشبه الغزو، وفي طبيعتها المباغتة، والكر والفر.
كما أنها تمد دولاً أفريقية بالعديد من الخبراء والفنيين العسكريين الإسرائيليين، ورجال المخابرات المدربين، وضباط أمن وعسكريين متقاعدين، ومجموعاتٍ أمنية خاصة لتدريب وحدات المهام الخاصة في بعض الدول الأفريقية، وتدريب وتأهيل الحراسات الخاصة، والمرافقة الأمنية الشخصية، الخاصة بالرؤساء والوزراء والقادة العسكريين وكبار مسؤولي الدولة، حيث يقوم بهذه المهام ضباطٌ متقاعدون، ممن يملكون القدرة والكفاءة، وممن سبق لهم الخدمة في هذه المجالات، فيقومون بأنفسهم بهذه الأدوار، أو يقومون بالوساطة لإتمامها عن طريق جهاتٍ أخرى، خاصةً إذا كان من المتعذر عليهم دخول بعض الدول الأفريقية، أو العمل فيها بحرية كالسودان مثلاً، أو أخرى ترفض أن تستخدم أرضها للتآمر على جيرانها.
يتعاون عددٌ من الضباط الإسرائيليين في إنشاء شركاتٍ أمنية خاصة، تكون إسرائيل مركزها، أو تؤسس لها مراكز رئيسية في الكونجو وكينيا وأوغندا وأثيوبيا وغيرها من الدول الأفريقية، التي تتميز في علاقاتها القوية مع إسرائيل، والتي يشعر الإسرائيليون فيها بنوعٍ من الأمان، فيفدون إليها، ويشترون المزارع، ويبنون المعامل، ويفتحون المصانع، وتكون لهم فيها مصالح تجارية واقتصادية كبيرة، حيث يشعر الإسرائيليون بنوعٍ من الإطمئنان في الدول الأفريقية التي تكون أغلبية سكانها من غير المسلمين، أو يكون لقادتها احساسٌ بالخوف من المسلمين، من أن يشكلوا أكثرية، أو يقوموا بانقلاباتٍ عسكرية تطيح بهم، وتقوض أركان حكمهم، خاصةً إذا كانت ولاءاتهم الدينية أقوى من ولاءاتهم الوطنية، وارتباطات تنظيماتهم وجماعاتهم خارجية أكثر مما هي داخلية، الأمر الذي يزين لهم تحالفهم مع إسرائيل، وتعاونهم معها.
تعتبر إسرائيل القارة الأفريقية كلها سوقاً مفتوحة لمختلف الأنواع من الأسلحة، وحقلاً جاهزاً لإجراء الكثير من التجارب فيها، ولكنها تركز في مبيعاتها للأسلحة إلى الدول الأفريقية على أنواع من الأسلحة الخاصة، وذلك وفق الأهداف المرجوة من الأسلحة، فهي تصدر الأسلحة الفردية الخفيفة كبندقية العوزي الإسرائيلية الصنع لعدة أسباب، منها التخلص من مخزونها الكبير من بنادق العوزي، لافساح المجال أمام أجيالٍ جديدة من البنادق الحديثة، فهي وإن كان جيشها يعتمد البندقية الأمريكية أم 16، إلا أنها تنتج وتطور أنواعاً مختلفة من البنادق، التي تتميز بصغر الحجم، وخفة الوزن، ودقة الإصابة، وكثافة النيران، وتقوم بإجراء تجارب عديدة عليها بغية تطويرها وتحسينها، الأمر الذي يراكمها في مخازنها بكمياتٍ كبيرة من أجيالها القديمة، فترى أن أفضل طريقة للتخلص منها هو توريدها إلى دولٍ أفريقية، هبةً أو بيعاً، إذ هذا أفضل بكثير من الحفاظ عليها في المخازن أو إتلافها.
كما أن السياسة الإسرائيلية المتبعة في أفريقيا تحرص على أن يكون السلاح الفردي متوفراً بين أيدي المواطنين الأفارقة، إذ أنه وقود التمرد، وشرارة الصراعات الداخلية، والمادة الكفيلة بإشعال الحروب والنزاعات القبلية والحدودية، التي تمكنها من التدخل في الشؤون الأفريقية، وإيجاد موطئ قدمٍ لها في أي مشكلة أو معركة، فوفرة السلاح في أيدي المواطنين، يسهل عليهم اللجوء إليه واستخدامه لحسم أي خلاف، ويقود بسرعة إلى تشكيل اصطفافاتٍ وجماعاتٍ متباينة، سواء على أساسٍ عرقي وديني، أو على أرضية مصالح ومنافع، كما أن بيعه وتسويقه قد لا يلزمه أحياناً موافقة الدولة والتزام سياساتٍ ضابطة، بل قد يقوم بهذا الدور أفرادٌ ومجموعات بقصد الانتفاع والتجارة.
كما تحرص إسرائيل على أن تورد للدول الأفريقية أجيالاً مختلفة من الصواريخ والقذائف المختلفة، بقصد تجريبها، والتعرف على آثارها، والتثبت من دقة إصابتها، ومعرفة درجة تدميرها، بالإضافة إلى قذائف عديدة، مضادة للدروع والأفراد، تحمل على الكتف، أو تطلق من قواعدٍ ومنصات، ولديها قدرات مختلفة على الاختراق والإصابة، ولكن ينبغي تجريبها في الحروب، والتثبت من جدواها وفعاليتها على أرض المعركة، ما يجعل من توريدها لدولٍ أفريقية يشكل منفعةً حقيقية لإسرائيل، قبل أن تكون نافعة وضرورية للدول الأفريقية، فضلاً عن أن أطرافاً كثيرة في أفريقيا تسعى للحصول على السلاح الإسرائيلي وتعتقد بفاعليته وجدواه.
كما تحتاج إسرائيل إلى مناطق لتجرب فيها الأسلحة المحظورة، والقنابل المحرمة دولياً، وهي تجد صعوبة كبيرة في تجريبها داخل فلسطين المحتلة، نظراً لصغر المساحة، وكثافة السكان، واحتمالات الخطورة وإنعدام درجات الأمان المطلوبة، الأمر الذي يفرض عليها البحث عن مناطق جغرافية غير بحرية لتجريبها، والتعرف على آثارها، وهو ما كانت تتعاون فيه سابقاً مع حكومات جنوب أفريقيا العنصرية، ولكنها خسرت هذه الفرصة مع سقوط النظام العنصري، وتولي حكوماتٍ ديمقراطية تعارض إسرائيل الحكم فيها، وهي تختلف معها في سياساتها الاحتلالية للأراضي الفلسطينية، بل وتدين فيها ممارساتها القمعية، مما حرمها من مناطق حرة كانت تجرب فيها أسلحتها وقنابلها بسهولة.
وتقوم الاستراتيجية الإسرائيلية في أفريقيا على أن يكون من بين الدول الأفريقية عددٌ من الدول القوية المتفوقة، التي تمتلك السلاح، وتحوز على قوة الردع، وتستطيع الحسم في أي معركة، كما يمكنها التدخل أفريقياً لصالح أي طرفٍ ضد آخر، وتحقيق الكسب له، أو رجحان الكفة لمصالحه، مما يشكل خطراً على الدول الأفريقية القوية نسبياً بالمقارنة مع الدول الأفريقية الأخرى، كمصر والجزائر وليبيا والسودان، على أن تأمن إسرائيل هذه الدول، وتطمئن إليها، ولا تشعر بالخوف من تعاظم قوتها على مصالحها في أفريقيا، ولا تخشى من خروجها عن الفلك الإسرائيلي، وخضوعها لنفوذِ دولٍ وقوى أخرى معادية، فتحاول أن تكون دوماً قريبة منها، تقدم لها النصح والمشورة، وتساعدها في اكتساب القدرات والمهارات والخبرات لتحافظ على تفوقها.
أفريقيا التي كانت لنا، أرضاً وشعباً ومقدرات، أصبحت تتفلت من بين أيدينا، وتخرج عن إطارنا، وتذهب بكل خيرها إلى عدونا، ولكننا نحن من فرط وباع، ونحن من ترك وتخلى، فهل نلوم أنفسنا، أم نحملهم المسؤولية ولا نعذرهم ...
يتبع ....
بيروت في 21/5/2013
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت