الليونة التي أبدتها قيادة منظمة التحرير للانخراط بمشاريع التسوية المطروحة، لاقت رفضا صهيونياً أمريكياً إلى أن وافقت قيادة المنظمة على المشاركة بمؤتمر مدريد من خلال الوفد الأردني، حيث اعتبرت هذه الموافقة رغم ان تسمية الوفد الفلسطيني كانت من قبل قيادة المنظمة إلا أنها اُعتبرت تنازلاً فلسطينياً رسمياً بوقتها عن حق المنظمة بتمثيل الشعب الفلسطيني بمؤتمر مدريد.
رهان القيادة الفلسطينية على المفاوضات جعلها تقدم التنازل وراء التنازل إلى أن قدّمت خطاب الاعتراف بالكيان الصهيوني كدولة والتزمت بأمنه، واعترفت بقراري 242 و 338، وأكدت على إلغاء وتعديل بنود الميثاق الوطني، والتي بالجوهر هو تصفية منظمة التحرير الفلسطينية كمؤسسة وإطار وطني فلسطيني وقد جاء خطاب رئيس وزراء العدو آنذاك " اسحاق رابين" الموجه للرئيس ياسر عرفات، ليؤكد على شطب شرعية ووحدانية التمثيل، بعد التزامات المنظمة بشطب ميثاقها الوطني.
لم يكن مجيء ما تُسمى السلطة الفلسطينية إلا بعد التنازلات التي قدمت لتكون السلطة بديلاً للمنظمة، وأن التصريحات الرسمية التي تصدر من جهات ذات نفوذ بالقرار الفلسطيني لا تعبر إلا عن مواقف تكتيكية ومن أجل الاستهلاك المحلي فقط حول إعادة تفعيل المنظمة، لقد تم استبدال العديد من مؤسسات المنظمة بمؤسسات السلطة الفلسطينية، فوزارة الشؤون الخارجية حّلت مكان الدائرة السياسية، وسفارة فلسطين بدل سفارة منظمة التحرير الفلسطينية، ووزارة المالية بدلاً عن الصندوق القومي، ومن النادر أن نسمع رئيس اللجنة التنفيذية ل م.ت.ف وإنما رئيس فلسطين أو رئيس السلطة الفلسطينية، ورغم تشكيل دائرة شؤون المغتربين بالمنظمة إلا أن الهدف من تشكيلها هو تهميش دائرة شؤون اللاجئين بل والتآمر عليها، حيث محصلة برامجها وعملها تؤدي إلى شطبها هذا الحق ضمن مخطط مدروس وممنهج.
من خلال الحديث الذي يدور بالحوارات بين الفصائل الفلسطينية حول إعادة تفعيل المنظمة، نطالب هذه الفصائل على السؤال التالي: ما هو موقفكم من رسائل الاعتراف المتبادلة بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني؟ ! فالقيادة الفلسطينية لا تأخذ قراراً بالشأن الفلسطيني دون دعم وموافقة قوى وفصائل أساسية كفتح أو غيرها، فرسالة الاعتراف الفلسطينية بالكيان الصهيوني وإلغاء بنود الميثاق الفلسطيني ما كان يحصل لولا الدعم الذي قدمته فتح لتوجه القيادة الفلسطينية للتوقيع على أوسلو والاعتراف بالكيان الصهيوني، فهذا الدعم والاعتراف أخذ الساحة الفلسطينية إلى المأزق الذي نعيشه اليوم، فهل حركة فتح سترفع دعمها عن سياسات القيادة الفلسطينية وتتخلى عنها.
إذاً، أين يكمن الحل؟ بأعراف الدول لا يتم اتخاذ القرارات المصيرية بحكم مواقف الأكثرية وإنما بالتوافق بعد اكتمال كافة النقاشات الواسعة والمعمقة من كافة أطراف القوى السياسة وممثلي كافة طبقات وقطاعات وفئات الشعب التي تأخذ بعين الاعتبار المصالح الجذرية والوطنية للشعب باعتبارها قرارات مصيرية، بالحالة الفلسطينية لم يتم أخذ هذا الجانب بعين الاعتبار فقرار تصفية منظمة التحرير الفلسطينية بالطريقة التي تم اتخاذه كانت نتيجة رغبة فئوية فلسطينية وبوجود الرئيس الأمريكي السابق" بيل كلينتون" وهذا الموقف لا يمثّل الموقف الفلسطيني الشعبي، كذلك توقيع اتفاق "اوسلو" بالطريقة التي تمت هي أصلاً باطلة من أساسها، حيث لم يتم أي توافق فلسطيني عليه وهذا ما قاد الساحة الفلسطينية إلى هذه الأزمة وهذا المأزق الذي تعيشه اليوم، فلا يجوز الرهان على وعودٍ شفوية قد يكون قدمها الكيان أو الإدارة الأمريكية.
لقد راهن اليسار الفلسطيني على تغيير بالموقف الرسمي للقيادة الفلسطينيةـ حيث كان من المفترض على اليسار الفلسطيني البدء بتحرك من أجل إسقاط هذه النهج وانتزاع القيادة من أجل الحفاظ على الثوابت والحقوق الفلسطينية، وأن استمرار اليسار الفلسطيني برهانه على تراجع من القيادة الفلسطينية ومن يدعم نهجها هو رهان باطل من أساسه، فليس هكذا يتم التعامل مع تدمير الثوابت والحقوق الفلسطينية، وإنما من خلال إسقاط هذه القوى التي راهنت وقدّمت التنازلات المتتالية والتي مست جوهر القضية الفلسطينية وعلى رأسها حق العودة، وقوى اليسار مطالبة بوضع برامج التي يكون بإمكانها استقطاب قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني تسمح لهذه القوى بانتزاع القيادة لتكون قادرة على خوض معركة الحرية والاستقلال.
جادالله صفا – البرازيل
22/05/2013
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت