غزة - وكالة قدس نت للأنباء
طفلً فقد أباه وأمً تبحث عن ولدها وشابً تشتت عائلته، وهذا الرجل توفى وذاك الشاب في السجن، كل ذلك نتيجة حرب المخدرات، التي لا تعرف حدودا ولا تعرف دول كانت متقدمة أم نامية، فهي سلاحٌ فتاك تواجهه جميع الأمم، وتعد من أخطر المشاكل العالمية، الصحية منها والنفسية والاجتماعية، وتوصل الشعوب للانحلال وفساد القيم وضياع الأخلاق .
ارتأينا أن نكتب عن هذا السم "المسمى المخدرات" لأنها مسألة خطيرة لا يستهان بها، ولأن المجتمع الفلسطيني بحاجة لتوعية ومعرفة الأخطار الناجمة عنها، فهي تشتت العائلة وتهدد مستقبل الشباب، ويعتبر تعاطي المخدرات من الأمور التي لا تتغير كثيرا مع التقدم فى العمر، فمواصلة الإدمان على المخدرات فى مرحلة المراهقة وحب الفضول والتجربة يقوم بتحويل الفرد إلى شخص مدمن .
المواطن (م.ه) يروي قصته فيقول " أول ما تعاطيت المخدرات كان عمري وقتها 18عاما،ً والسبب في إدماني هم رفقاء السوء الذين قضوا على حياتي وحياتهم لعباً ما مثله لعب، وكانت البداية بضحكة وغمزة في حفلة لأحد الأصدقاء في حينها اقترح على أحدهم تناول حبة من الحبوب المنشطة وكان لها تأثير مؤقت سرعان ما يزول، وذلك التأثير يحدث إرباكاً للمخ يخرج من خلاله الإنسان إلي عالم أخر حلواً كان أو مراً، لقد خدعني صديقي باسم السعادة والحب ودفعني لطريق المخدرات والنتيجة كانت فضيحتي أمام أهلي وكل من حولي " .
وأضاف: " كنت أتناولها ولم أعلم أنني أسقط نحو الحضيض بالتدريج، إلا أنني كنت أشعر بخوف من المجهول، ولكن عندما تضعف الإرادة فإن ذلك يعتبر من أخطر الأمور على الشخص واسألو مجرب، وتزداد الأمور تعقيدا لأقع في بلاء أعظم، وأسباب وقوعي في المخدرات كثيرة ولكنني أنا من فعل ذلك بنفسه، وحينما كنت أتعاطي كنت أتهم أي أحد وأسقط عليه أنه هو السبب، ولكن الحقيقة أن السبب الرئيسي هي البيئة التي أعيش فيها وطريقة التربية فأبي مسافر منذ زمن وأمي في البيت ولقد كنت أتناول المخدرات أمامها ولم تستطع أن تفعل لي شيء، أول حصولي على المخدرات كان مجانا وبعد ذلك كنت أسرق لأشتريه "
ويتابع: " تعاطيت كل أنواع المخدرات على سبيل التجربة ولم اجني سوى خسارة كرامتي وصحتي وجميع من حولي، وكانت حياتي نوم ومخدرات فقط وفى يوم من الأيام ساءت حالتي الصحية بشكل كبير، وبعدها قررت أن أتوب إلى الله وأنا نادم ندم شديد وأدعو المعفرة من الله ثم من أهلي، وقد عزمت على العلاج حتى أصبح إنسان جديد وقد خرجت من حياة الفسق إلى حياة شعرت فيها بالأمن والأمان والاطمئنان والاستقرار، وأنصح كل شباب وفتاة على الحذر والحذر من رفقاء السوء والوقوع في شباك المخدرات، لأن المخدرات طريقك إلى الموت " .
الإدمان وأثاره النفسية..
تترتب على الإدمان أثار نفسية كثيرة فهي أكثر ضررا من الآثار الأخرى، وفي لقاء مع مدير عام مكافحة المخدرات سابقاُ ودكتوراه في علم النفس خضر عباس، قال " تعد الآثار النفسية أعظم ضررا من الآثار العضوية، ويعاني المدمن من أثار نفسية كثيرة منها: الاكتئاب، والامتناع مثل عدم القدرة على تحمل الألم والخمول والكسل، والإحساس بالنقص أي أن يشعر المدمن في داخله بأنه إنسان حقير فينطوي على نفسه وقد يؤدي ذلك للانتحار، وأيضا اختلال الوظائف النفسية مثل ظهور نزعات عدوانية قد تصل إلى حد القتل " .
ويتابع عباس: " توجد مظاهر معقدة لسلوك الإدمان النفسي وهو ما يسمى باللهفة، وهي رغبة المدمن الشديدة في الحصول على آثار المادة المعتمد عليها، مما يجعل حياة المدمن تحت سيطرة المادة المتعاطاه، لدرجة قد تصل إلى تدمير حياته بنواحيها العضوية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية، ومما يجعل المدمن عاجزاً عن الإقلاع عن تعاطي المخدرات.
الجانب القانوني لتعاطي المخدرات..
هناك معيقات قانونية كثيرة تحول دون الحد من ظاهرة انتشار المخدرات، د. إبراهيم المصري أشار إلى " أن القوانين المعمول بها للمكافحة قديمة وغير ذات جدوى ولا تلبي أدنى احتياجات وتطورات الواقع المعاش في التعامل مع ظاهرة إدمان المخدرات ومن هنا نناشد الجميع الارتقاء إلى مستوى المسئولية وإقرار قانون عقوبات للحد من المؤثرات العقلية ."
أضاف المصري: " إن عدم توافر إمكانيات الفحص الفني للمواد المخدرة المقبوضة، تفرض على القاضي تأجيل القضية مرات عديدة ثم يضطر إلى الإفراج عن المتهم بكفالة، والقانون يفرض العقوبة على متعاطي المخدرات بالسجن وهنا تختلف مدة السجن حسب الكمية المضبوطة بحوزة المتهم، أما عقوبة تاجر المخدرات فهي الإعدام "
الجانب الديني ..
اتفق العلماء في مختلف المذاهب الإسلامية على تحريم تعاطي المخدرات بأي وجه من الوجوه، واعتبروا ذلك كبيرة من كبائر الذنوب يستحق مرتكبها المعاقبة في الدنيا وفي الآخرة .
مفتي غزة وعضو مجلس الفتوى الأعلى في فلسطين الشيخ عبد الكريم الكحلوت قال :" إن ما أجمعت عليه شرائع السماء كلها قداسة الإنسان والمحافظة على نفسه وعقله ودينه وماله وعرضه، ومن أجل نعم الله على الإنسان وأعظمها تكريما له نعمة العقل، التي أحاطها بكل عناية ورعاية حيث قال تعالى:(ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ) سورة الإسراء الأية70 "
وأضاف الكحلوت :"بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كل ما ينقص عقل الإنسان أو يخدر، وكل نهي يلزم التحريم المنهي عنه ".
وأشار إلى أن كل هذه المخدرات بأنواعها وإن اختلفت أسماؤها فنتيجتها واحدة وهي النزول بالإنسان من مستوى الفكر السليم والعقل السليم إلى مرتبة الهذيان واللامسؤلية، فكل هذه المفترات حرام في تعاطيها وفي بيعها وفي تحضيرها والعمل على وجودها في أيدي المبتلين بها ليس اقل ضرراً من الخمر التي ثبت حرمتها بالكتاب والسنة ولعن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة من مروجيها، ومن ضمنها (لعن الخمر وشاربها وعاصرها وبائعها وساقيها ومبتاعها والمحمولة إليه )
الإدمان والاستقرار الاجتماعي..
إن تعاطي المخدرات مشكلة اجتماعية خطيرة باتت تهد أمن المجتمع وسلامته، ليس المجتمع الفلسطيين فحسب، بل أصبحت خطراً داهماً يجتاح المجتمعات الإنسانية جمعاء، وتنعكس آثارها على المجتمع من مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية.
الخبير الإجتماعي زياد مزهر قال :" إن المخدرات لعنة تصيب الفرد وكارثة تحل بأسرته وخسارة محققة لوطنه، وتعود بأسوأ النتائج على الفرد في إرادته وعمله ووضعه الاجتماعي، حيث أنه بفعل المخدرات يصبح الشخص مفتقراً لتحقيق الواجبات العادية والمألوفة الملقاة على عاتقه، فالمدمن بما ينفقه من مال على تعاطي المخدرات يؤثر على الحالة المعيشية للأسرة، مما يدفع الأبناء إلى الشروع في بعض الأعمال غير المشروعة، كالتسول أو السرقة أو الدعارة، وكلها من الأمراض الاجتماعية التي تفتك بالفرد والأسرة والمجتمع" .
يواصل مزهر:" الإدمان يعد سبباً مباشراً لوقوع العداوة والبغضاء بين الناس حتى الأصدقاء منهم، منازعات وحزازات بين المدمن وعامة الناس، فينشأ القتل والضرب والسلب والنهب وإفشاء الأسرار وهتك الأستار والأعراض، وخيانة الحكومات والأوطان، وهذه أسقام اجتماعية تؤدي بالمجتمع وتورده شر مورد".
دور وسائل الإعلام..
تعد وسائل الإعلام من أهم طرق الحد من المخدرات، ولها دور كبير في نشر وتوعية المجتمع وخاصة الشباب منه .
رئيس قسم الصحافة والإعلام في جامعة الأزهر بغزة أكرم البياري قال :" إن وسائل الإعلام الفلسطينية تلعب دورا كبيرا في كافة المجالات بوجه عام، وفي مجال مكافحة المخدرات بوجه خاص، لكنها تفتقر إلى برامج ممنهجة ومخطط لها سواء من حيث المضمون أو الأداء، ولذلك لا زال تأثير هذه البرامج يجوبه الضعف وقلة التأثير، وندعو وسائل الإعلام للاهتمام الكبير تجاه المجتمع وتقديم المصلحة العامة عن المصلحة الخاصة .
"المخدرات كالرصاص تمحينا وكأننا لم نكن بدايتها الفضول والتجربة، للهروب من واقع أسوء إلى واقع أسوء بكثير، وأخرها إدمان وضياع فيه تقتل الكرامة ويموت الضمير، وطريقها المظلم في اتجاه واحد نهايته السجن أو الموت البطيء ".
تقرير/ أحمد عباس و هيثم دياب ..