يشهد العمل الاهلي والمجتمعي في الاونة الاخيرة تحولات جذرية تطال جذوره وحتى مفهومه وتعطيه دفعة لم يسبق ان عرفها خلال التاريخ ، وما لهذه الكميات الكبيرة من المال التي تضخ في هذه المنظمات غير الربحية "الاهلية المجتمعية" الا واحدة من هذه التحولات العميقة لانها جائت مشفوعة بنظرة جديدة الى العمل الاهلي التطوعي ودوره في تنمية المجتمع وتحقيق الشرعية المجتمعية لهذه المنظمات بما يكفل إستمرارها في هذا المجتمع.
وما تقدم يدفعنا للحديث عن العمل التطوعي الذي يعتبر الاساس الذي قام عليه عمل المنظمات غير الربحية "الاهلية المجتمعية" من خلال الجهد الذي يقوم به فرد او جماعة من الناس طواعية لخدمة مجتمعهم او احدى فئاته ، فهذه الحركات الاجتماعية تهدف الى تأكيد التعاون وابراز الوجه الانساني لهذه العلاقة بين افراد المجتمع مع تعزيز ظاهرة التفاني في البذل والعطاء عن طيب خاطر في سبيل سعادة الاخرين .
وقد جائت اهمية عمل المنظمات غير الربحية والجمعيات الخيرية من عدم قدرة مؤسسات الدولة على توفير احتياجات مجتمعية او عدم القدرة على الاستجابة بشكل دائم لهذه الاحتياجات العامة او الخاصة بفئة معينة لاسباب متعددة ، ومن هنا فإن مقدرة هذه المنظات والجمعيات على ملامسة حاجات الفئة المستفيدة من هي المقياس على تحقيق شرعية بقائها واستمرارها وتسلسل عملها من الاغاثة الى الخدمات والتمكين ومن ثم التنمية لتكون في نهاية الامر قادرة على تشكيل جماعات الضغط والمناصرة القادرة على التأثير في صنع القرار في الدولة وسياساتها هذا من جهة ومن جهة اخرى التأثير في الظواهر الاجتماعية لتعزيز الايجابي ومحاولة الحد من الظواهر السلبية .
ولكن ان يكون هناك بعض الاهداف غيرالمباشرة والمخفية عند بعض القائمين على هذه المنظمات غير الربحية والجمعية الخيرية سوف تؤثر سلباً على نتائج هذه التحركات التعاونية المجتمعية مما يدفعنا في قنوات من الفساد الاداري والاخلاقي ويفقد هذه المنظمات والمؤسسات صبغة العمل الخيري التطوعي الذي نشأت من اجله . فالحديث عن كواليس هذه المؤسسات يظهر العديد من التجاوزات التي تعتبر في كثير من الاحيان مجحفة بحق موظفيها وكوادرها او فئاتها المستفيدة في بعض الاحيان اذا ما استدعت الحاجة كل ذلك من اجل الحفاظ على المكانة وقبضة اليد المسيطرة على زمام الامور من قبل ادارات هذه المؤسسات التي تعتبر هذه المنظمات الاهلية الخيرية مشاريعها الخاصة ، فهل اصبح مصطلح "دكاكين" الذي ساد في الفترة الماضية هو الاصلح لوصف هذا القطاع الذي شوه صورته مجموعة تعتبر نفسها رائدة في العمل التطوعي والاجتماعي الخيري هذا من جهة ومن جهة اخرى هل تلتزم مؤسساتنا الاهلية بمعايير مكافحة الفساد ، وتعزيز حضور المجتمع المحلي النزاهة والشفافية في كل المعاملات المالية والادارية سواء على مستوى التوظيف او التعامل مع المستفيدين او الشراكة مع الحكومة وهل من يلزمها بهذه المعايير والسياسات.
ان تدفعنا الحاجة المادية للفساد يمكن ان يبرر للبعض ولكن ان يكون الفساد خاصة اخلاقية وسمة مرتبطة بحب التملك والسيطرة والجشع هو ما يحتاج للمحاربة في كل نواحي حياتنا فالفساد لا يقوم به عموماً الفقراء وانما اصحاب السلطة النفوذ والقدرات .
إن التعميم في مثل هذه الامور خاطئ ولكن هناك جشع وغباء في آن واحد فسرقة الاموال بدون وجه حق من اعلى درجات الفساد المباشر ولكن سوء الادارة والرقابة تعتبر من الفساد ايضاً. فكل من ينادي بمحاربة الفساد وتعزيز قيم النزاهة والشفافية وهو فاسد ولن يفلح في تحسين صورته امام المجتمع وكذلك لن يفلح في اصلاح الواقع الموجود فلايمكن لهم محاربة امثالهم فهم اليوم يأمرون الناس بالمعروف وينسون انفسهم ، وانما يجب ان يكون الهجوم من قبل الكفائة العلمية والسمعة الحسنة .
نختم حديثنا بالقول "ان الوقاية خير من العلاج" فالفوائد المادية كبيرة جداً التي يجنيها الفاسدون في كل القطاعات، إلا أن الحقيقة تشير إلى تأثر الفاسدين سلبا من جراء أعمالهم. فهنالك من أهينوا وطردوا عندما انتشرت أعمالهم الفاسدة. لكن هنالك شائعات تشير إلى استمرار هذه الأعمال المشينة في العديد من قطاعات العمل لا سيما المنظمات الاهلية. يجب على الجمعيات المتخصصة والرقابة التحقق منها، من هنا ضرورة وجود حكومات غير فاسدة تحارب هذه الآفة عبر السياسات العامة والوعي المجتمعي وتعزيز مفاهيم الشراكة في البناء.
وما كان هذا الحديث ليخرج الا من واقع نعيشه ونلامس ظروفه كل يوم فما هذا الا غيث من فيض لبعض المشاكل التي تعاني منها بعض مؤسساتنا الاهلية والخيرية في محاولة متواضعة لتحديد مشكلة تؤدي بنا الى هاوية الفساد المالي والاداري والاخلاقي،،، ولا نقصد هنا اي شخص بعينه وان تشابهت الاحداث او المواقف فهي مجرد صدفة!!
بقلم: براء المحسيري
منسق انشطة
بناء المؤسسات والتنمية البشرية
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت