الإعلام الفلسطيني والمعاق حسابات الأول أسقطت الأخير .

بقلم: هبة موسي أبو ستة


يعتبر المعاق جزء أصيل وأساسي في تكوين المجتمع الفلسطيني , فلا يكاد يخلو بيت أو حي إلا ويتواجد فيه إنسان معاق أو أكثر .

وتتربع دولة فلسطين على عرش اكبر نسبة معاقين في العالم , وأعداد هذه الفئة تتزايد بشكل كبير ومخيف جداً , فهناك أكثر من " 115 ألف معاق في الأراضي الفلسطينية وفق تقديرات منظمة الصحة العالمية " .

وهذه الفئة بحاجة إلى رعاية خاصة وجهد جماعي مكثف من الإعلام والمؤسسات الخاصة والعامة, والوزارات الرسمية والشخصيات الاعتبارية , لتغيير نظرة المجتمع حيال أصحاب ذو الإعاقة , من أجل الوصول بهم إلى حياة كريمة .

ويقع الحمل الأكبر على كاهل الإعلام الفلسطيني سواء كان مرئي , مسموع , مقروء أو الكتروني , باعتبار أن الإعلام استطاع أن يجتاز كل بيت في الأراضي الفلسطينية ليبث رسائله بكل الوسائل المتاحة له .

لكن الإعلام الفلسطيني وفي خضم التناقض الذي يعيشه نتيجة بروز إعلام الأحزاب والإعلام الذي يبحث عن الربح , أهمل بشكل كبير الاهتمام بأصحاب ذو الإعاقة , وواصل جحوده في إعطائهم حقوقهم , واقتصر دوره في بث أخبار مختصرة , وأحاديث مقتضبة , ومناقشات على استحياء , ورغم وجود جيش صحفي فلسطيني وتطور وسائل الإعلام الفلسطينية إلا انه لم يتناول قضايا المعاقين بنوع من الحساسية والمسئولية والإنسانية .
وكان تعامل الإعلام الفلسطيني مع قضايا المعاقين تعامل غامض غير واضح الرؤية والهدف , ويفتقر إلى المنهجية والاستمرارية والتجديد وهذا التعامل رغم ضبابيته هو تعامل مناسباتي فقط ينتهي بانتهاء الحدث , فغاب عن متابعة قضاياهم , وتجاهل التبصير بحقوقهم, ولم يؤل الجهد الكافي لتقديم الخدمات الإنسانية لهم , والبحث في أعماقهم عن آلامهم وآمالهم , وتجاهل مشكلاتهم كالبطالة المتفشية في صفوفهم , وتأخر الزواج والحالة النفسية الصعبة التي يمر بها المعاق ومحيطه .

واكتفي الإعلام الفلسطيني بطرق أبواب تقليدية روتينية واستفزازية في كثير من الأحيان , وتحدث بكثير من الإسهاب عن قضايا خلافية عملت ولازالت على تأجيج الوضع الفلسطيني برمته وإثارة الفتن .
والمتابع للبرامج التي يقدمها هذا الإعلام سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية يلاحظ سقوط شريحة ذو الإعاقة من حسابات الإعلام الحالي الذي انقسم إلى إعلام حزبي أو سلطوي أو إعلام مادي هدفه الأول والأخير الربح .

وابتدع هذا الإعلام في تهميش المعاقين والاستغناء عنهم وتجاهل قضاياهم في غالبية برامجه ، حتى في أشد الظروف حلكة , كفترة الحروب والطوارئ , وهذا ما لاحظناه بشكل كبير ولافت للنظر والاستغراب من توجيه النصائح وإرشادات الوقاية أثناء فترة المنخفض الجوي القوي الذي تعرضت له فلسطين قبل عدة أشهر للأشخاص الأسوياء فقط , ولم يقدم خدمة إخبارية لشريحة المعاقين حيث أن الخبر والمعلومة حق مكتسب لكل شرائح المجتمع ومن ضمنهم الأشخاص ذو الإعاقة .

حتى أن تلفزيون فلسطين باعتباره التلفزيون الرسمي للدولة الفلسطينية يفتقر إلى إستراتيجية واضحة ومستقبلية تخدم قضايا المعاقين , وهناك قصور واضح في هذا الاتجاه بحجة أن مثل هذه البرامج بجاحة إلى تكاليف مادية باهظة , في حين لا يتواني هو ولا غيره من الفضائيات الفلسطينية الحزبية الأخرى في تخصيص مبالغ خيالية لتمجيد الحركات والأحزاب والأفراد التابعين لهم , حتى وان كانت هذه الأمجاد وهمية , وعمل هذا الإعلام بشكل مرهق على العزف على أوتار الجعجعة الفارغة وإثارة النعرات الحزبية والمناكفات الإعلامية والتربص بهذا الحزب أو ذاك .

أما على صعيد الإذاعات المحلية فهناك تقصير يشوب أدائها في تناول قضايا المعاقين, وتكتفي بتلميحات من فينة لأخرى , وان وجدت بعض البرامج فإنها تكون سطحية لا اهتمام فيها ولا مهنية في الشرح والطرح .
في حين ان الإعلام المقروء لم يقدم حتي اللحظة أي خدمة خاصة للمعاقين , وهذا التقصير والتجاهل والتهميش الواضح والمقصود من قبل الإعلام يتنافي مع ما جاء في قانون المعاق رقم 4 لعام 1999 الذي ينص صراحة " على وزارة الإعلام الفلسطينية مكلفة بإقامة حملات للتأثير في رأي المجتمع المحلي ونشر الإرشادات العامة والوعي بهدف تقديم المجتمع للمعوق ودمجه واستخدام لغة الإشارة في التلفزيون ."

وباستثناء قناة الكتاب الفضائية التي تقدم نشرة أخبار بلغة الإشارة للصم , ووجود إذاعة فرسان الإرادة الناطقة باسم المعاقين , إلا أن الأخيرة لم تسهم بشكل جدي في اجتياز هذا الاختبار الصعب , بسبب ضعف جهاز الإرسال الخاص بها , وافتقارها للإمكانيات وعدم ملائمة مكان الإذاعة لذو الإعاقة , وبهذا يكون الإعلام الفلسطيني قد فشل فشلا ذريعاً في خوض معركة تبني الإنسانية المجروحة والمتكئة على أمل التغيير يوماً لصالحهم .

إن حضارة الأمم وإنسانيتها تقاس بمدى عنايتها بالمعاق وتبني حقوقه والدفاع عنها , وهذا يحتم على الإعلام الفلسطيني أن يعود إلى جادة الصواب لخدمة المجتمع بكل أفراده وفئاته , بعيداً عن فكرة الاقصاء والتهميش , وضرورة الخروج بالمعاق من دائرة الشفقة إلى حيز الدمج والاستيعاب والتفاعل , وتبني مشروعية حقه في فرص متكاملة مع غيرهم في مجالات الحياة والعيش بكرامة وحرية , وضرورة أن يكون الإعلام الفلسطيني معافى بشكل كامل , ويركز على استخدام لغة الاشارة في الوسائل المرئية وخط برايل في الصحف والمجلات , حتى وان كانت تكاليفها باهظة الثمن ففئة المعاقين فئة تستحق أن يجود الإعلام بشيء من حساباته لأجلها وأن يناقش موضوعاتهم بشيء من المسئولية والانسانية , وهذا الاهتمام بالمعاق وبأحواله ليس منةً من الإعلام او نوعاً من الكرم , وإنما هو واجب وفرض عين على المجتمع ككل , فالجزء الأكبر من أصحاب هذه الفئة تشكلت اعاقتهم وهم يدافعون عن الوطن الذي يتغني به من لم يعطيه شيئاً .


بقلم الصحافية هبة موسي أبو ستة .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت