تعلمنا من تجاربنا أنه عندما يبدأ أبناء الأنجلوساكسون من بريطانيين وأمريكان يكثرون من الحديث عن عملية أو مبادرة للسـلام في منطقتنا ... إنما هو غطاء أو حيلة لنبتعد عن حقوقنا أكثر فأكثر ... وها هو جون كيري مع توني بلير يأتون إلينا بحيلـة أخرى اسمها مبادرة كسر الجمود !!!
وتعلمنا من تجاربنا أنه ما لا يستطيعون البوح به علناً يضعونه بين السطور وبصياغات يتبجحون بتسميتها بالغموض البنـّاء ... والغموض البنـّاء هذا هو المصطلح الذي يُعلمك كيف تخدع اليوم من لم تستطع خداعهم بالأمس .... ولكثرة ما أصاب شعبنا من هذا الغموض البنـّاء فقد أصبح خبيراً في صياغاته !!!
في بداية المؤتمر الخاص بمبادرة كسر الجمود تحدث الرئيس الفلسطيني ... وبين حروف كلامه وغموضها البنـّاء ومن غمزاته السياسية المعهودة فهمنا منه مدى الشكوك بالهدف النهائي لهذه المبادرة والتي يشـك أنها وبصياغات الغموض البنـّاء لكلماتها لن تنتج في نهاية المطاف إلا الدولة ذات الحدود المؤقتة وقام بتنبيه العاملين على هذه الدولة من وجوه هذا الزمن السافل الرائع بنسيانها وأن لا يـُجهدوا أنفسهم في البحث عن فلسطيني ... فلسطيني واحد يمكنه القبول بها ... ثم ذكـّر الحضور بالخيارات المفتوحة أمام الشباب الفلسطيني !!!
ثم تحدث شمعون بيريز الثعلب الصهيوني وكان كل كلامه استخفاف مبطن بالمسؤولين العرب ... تحدّث طويلاً عن التطور في العلوم والبحث العلمي في كيانه الغاصب فكأنه يـُذكّرهم بالجهل والفقر الذي نشروه بين شعوبهم ؛ وأن عليهم اللجوء إليه ليعلمهم كيف وأين يستثمرون فائض أموالهم ... وكيف يمكن استبدال مساحات الأرض الفلسطينية التي يقوم كيانه بمصادرتها وتسليمها للمستوطنين الصهاينة ببيـت زراعي صغير ( دفايـّة ) وبعض الأبحاث الزراعية التي ستعطيهم نفس المحصول ... ولكنه صمـت عن الكلفة التي سيتقاضاها عن إقامة هذا البيت ؛ وكلفة بقية عناصر الإنتاج من بذور وسماد ولوازم أخرى ؛ وهي أكـلاف ستنتهي وفي ظل التحكم في حركة النقل والاستيراد والتصدير برهن هذا البيت الزراعي ( الدفاية ) خلال خمس سنوات هذا إذا لم يتم الاستيلاء عليه خلالها لصالح الدائنين ... وتحدث عن رغبتهم في نقل تجاربهم إلى الدول العربية ( تطبيع ) ... وتحدث عن حل الدولتين فإذا به يطالب بنفس مطالب نتنياهو وغلاة الصهاينة العنصريين ... يطالب بدولة يهودية ... دولة يهودية ... قالها بصوت هادئ وبدولة للفلسطينيين لكنه لم يقل أين ستكون !!!
ثم تحدث وزير الخارجية الأمريكي ... تحدث وأفـاض عن مليارات أربعة يريد تحريكها وكيف ستنفق لإنعاش بعض الفلسطينيين إو لإلهائهم فالأمر سيان لديه ... وهذه المليارات التي في حقيقتها ليست أربعه وسنوضح ذلك لاحقاً ... ولكن أهم ما جاء في كلمة كيري هو أنه وخلال كلامه عن المعنيين بهذه المبادرة مرر عبارة فضحت الخدعة كلها وكشفت هدفها كله ... فقد ذكر الدول المحيطة بأسمائها ، وعند فلسطين فلم يذكرها بالدول القائمة عليها ؛ بل اختصرهما ... بعاصمتين ... هما القدس ورام الله بطريقة تقول هذه هي عواصم الدولتين ... بهذا أفصح كيري عن الخدعة كلها وكأنه يقول : أيها الفلسطينييون القدس ليست عاصمة لدولتكم ... رام الله هي العاصمة ... أليست في هذا عمل أمريكي بامتياز على الدولة ذات الحدود المؤقتة ؟؟؟
أما قصة المليارات الأربعة التي ستكسر الجمود وتلهينا ببعض بيوت الزراعة المكثفة كبديل عن الأراضي المستلبة والتي تُستلب يومياً ؛ وببعض الأبراج التي تلهينا عن البيوت المصادرة والمهدمة ؛ والبيوت التي تُصادر وتُهدم كل يوم فلن يصل منها إلى أيدي الفلسطينيين أكثر من 600 ــ 800 مليون في أحسن الأحوال لأن شروط الدول المانحة تقتضي بأن يتم إعداد الدراسة لأي مشروع والإشراف عليه بواسطة مختصين من تلك الدول ؛ وأن يتم شراء كل احتياجات المشروع منهم وبالسعر الذي يحددونه والذي يكون عادة بسعر التجزئة وليس بسعر الجملة ؛ ثم يؤخذ منها عمولات البنوك لدى الطرفين ؛ وعمولات للمسؤولين والوسطاء القائمين على التفاوض لإقرار هذه المشاريع وللمقاول الرئيسي لتنفيذ المشروع ومقاول الباطن ... وإن كان الأخ منيب المصري أكثر دراية بهذه النسبة ... أي يتم استقطاع 75 ــ 80 % منها قبل أن تصل المكان الذي ستستثمر فيه .... بعد كل هذا احسبوها وكم سيبقى منها ؟؟؟
باختصار فإن مبادرة كسر الجمود ليست إلا لكسر الجمود الذي أصبح يسيطر على القدرات الوظيفية للكيان الصهيوني ... وهي ليست سوى محاولة بائسة لاسدال الستار على مقولة الأرض مقابل السلام ( دولة على كامل الأراضي التي احتلت عام 1967 ) واستبدالها ببضعة دولارات مقابل القدس والأرض ( دولة بحدود مؤقتة ) !!!
وباختصار فنحن ندرك أن الأمريكان والناتو في عجلة من أمرهم للذهاب إلى خطوط التماس الجديدة في أقصى الشرق وعلى امتداد شواطيء المحيط الهادئ ... وانهم بحاجة إلى تطمين الكيان الصهيوني بأنهم ما زالوا متمسكين به وبدعم دوره ووظيفتة حتى ما قبل العام 2022 ( لأن بعدها شرق أوسط بلا إسرائل حسب تصريحات هنري كيسنجر وتقرير الـ 16 مؤسسة استخبارية أمريكية ) !!!
وباختصار أيضاً فليبقى هذا الجمود لأن هذه المبادرة لكسره ليست سوى محاولات بائسة كبؤس هذا الزمن الحاكم لكسر وإذابة الجمود المحيط بدور ووظيفة الكيان الصهيوني ... وزيادة جموده صلابة وثقلاً على صدور الفلسطينيين !!!
اجتهــاد :
يبدو أن قرارات بدخول حرب في منطقتنا قد اتخذت في أكثر من عاصمة ... ولكن ما لم يتقرر بعد ... هو من الذي سيبدأ بها ؛ ومن أية نقطة في بلادنا ؛ وعلى أية مبررات ستنطلق شرارتها ؛ وحدود انتشار هذا الشرر ... وندعو الله أن لا تكون نقطة البدء عند أهلنا في غـزة ... وعلى سرايا القدس تحديداً ... لأنهـا لن تكون إلا حرباً لكسر ذات الجمود أيضاً !!!
اعتقد ... وربما مازال كثيرون مثلي يعتقدون بأن خامس المجانين الخمسة الذي يرأس الآن الدولة والقيادة الفلسطينية مازال يحتفظ بالقدر الكافي من الجنون الأول والذي يجعله قادراً على النطق بحِكمة أخرى تُكمل الحكمة الأولى التي أخذها شعبنا عنهم في الفاتح من كانون الثاني / يناير 1965 وسارت بها قوافل المناضلين في طريق العودة إلى الوطن ... وأعتقد أيضاً أن في الشباب من أبناء شعبنا ما يكفي من المجانين القادرين على النطق بالحِكَم المتممة لإكمال طريق الثورة حتى النصر ... تماماً حتى النصر الموصوف في البيان الأول للمجانين الذين سبقوهم !!!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت