سكونٌ اضطراريّ .. لأناسٍ لم يعتادوا السكون

بقلم: باسل محمد خلف


تتجول مساءً في شوارعِ قطاع غزة .. أماكنُ مختلفةٌ وأناسٌ ساكنون .. حديثُهم قليلٌ معَ بعضِهم البعض .. هو أشبهُ بالهمس .. لا أدري ما الذي يتحدثون عنه .. ربما يتحدثون عن حوادثِ القتلِ التي حدثت مؤخرا .. ليس غريبا ً.. ربما يتحدثون في السياسةِ أوِ المال .. كثيرون هم مَن يتحدثون في السياسةِ والمالِ رَغمَ أنهم ليسوا بساسةٍ ولا اقتصاديين.

الغريبُ في الأمرِ يا سادة هو أن حديثَهم لا يُمل .. فتجدُهم تارة ً يرتفعون بأصواتِهم عالياً .. وتارةً أخرى يهمسون بعد أن يحدقوا جيدا ويكشفوا من يجلسُ حولَهم .. ربما يقولونَ سراً .. لا أكادُ أجزمُ بذلك .. لكن اعتقادي يذهب إلى كونِهم يتحدثون في أمرٍ لو تحدثوا فيه علانيةً يخشون شيئا ً ما من أحدٍ ما.

غزة قبل أقل من عشرة أعوام كانت غير غزة اليوم .. صدقا " ساق الله على أيام زمان ".

تتجول في الشوارع فتجدُ الناس أكثر فرحا ً . هكذا كنت ألاحظ سابقا ً .

هي دعوة للتوقف حول نوعية هذا السكون الحادث اليوم وسببه.. تترك هذه الحالةُ الباب مواربا ً أمام العديدِ من الأسئلة المشروعة ..

يا تُرى ما الذي يسكن بل وربما يعبس لأجلِه هؤلاء .. أهو حزن؟؟ أم خوف؟؟ وثمة تساؤلٌ أخر هو من المسئول عن تغيير شحوب وجوه هؤلاء إلى فرح وسعادة ..

ربما بحثت في مخيلتي عن سبب مقنع ولم أجد .. النخب ولأبعاد سياسيةٍ لم يعودوا قادرين على قراءة المجتمع وتوجيه عامة الناس .. دائما ما يأخذون الأمر في كتاباتهم إلي المناكفات السياسية .. أو على الأقل طرح الموضوعات بطريقة موجهة غير خلاقة أو غير مبدعة أو غير مجدية ..

أما الساسة والمسئولون فهناك ما يشغلهم عن دراسة حياة الناس وطباعهم ومقارنة اليوم بالأمس واستشعار حال المستقبل .. هم غارقون وكما نتابعهم يوميا ً في تفاصيل واقع سياسي مليء بالجراثيم.

لا أرى دورا هاماً ولا بارزا للمستقلين ولا لمسئولي مؤسساتِ المجتمع المدني في طرق أبواب بيوت الناس .. لمعرفة ما الذي يفكرون فيه .. 99.9 % من المؤتمرات وورش العمل لا تناقش تفكير الناس وميولهم ومزاجهم .. وإن كانت العناوين المطروحة جذابة فطريقة طرحها سطحية أكثر من اللازم .. عدا عن أن من يحضر هذه اللقاءات هم قليل من الإعلاميين وكثير من المسئولين والمحاضرين.

هل يا ترى واقع بقعة جغرافية كغزة حاضنة المليون وسبعِمائة ألف مواطن ، فيه الغني والفقير.. وفيه المثقف والأمي .. وفيه العالم والعامل .. لا يستطيع أحد أن يفك لغز سكون غزة الذي أراه من فترة ..

يا سادة يا كرام .. عرفت من علوم الإنسان أن الإنسان لا يفرح لمجرد أن حظه سعيد ، فقد تكون السعادة طريقا للشقاء ، وربما هنا أخاطب أهل الحكمة ألا يغالوا في نظرتهم إلى أن المجتمع سوي سليم ، ما أحوجنا إلى أن نرى من كان يتحدث عن أهمية قربه للناس من المسئولين أن نراه بينهم .. في بيوتهم .. في أزقتهم .. في مركباتهم .. في أماكن تجمعهم .. لا تخافوا من قربكم من الناس .. فأنتم دونهم لا شئ .. لا شيء .. لكنكم بهم ( الناس على اختلاف طبقاتهم ) ستصبحون بأفضل حال..

ومن يغالون في الحزن والسكون من عامة الناس .. فأهمس لهم بألا تحزنوا يا أحبة .. فالله عز وجل باحتفاظه بعلم الغيب تركنا لا نعلم إن كان فوات الفرح اليوم َ فيه خير خفي لنا أم شراً صريحاً.
وإن كان السؤال الحسن يقود إلى الجواب الحسن ، فأسأل متى ستخرج غزة من حالة السكون التي أراها ؟؟ وقد أكون أصبت عين الحقيقة أو أخطأت وأحتاج إلى من يقنعني بغير ذلك.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت