كان يعلم ابنه ويغرس فيه منذ الصغر ،بألا يرحم أبدا أي إنسان يحاول إهانته ،أويسيء إليه بقصد أو بغير قصد ،وأن عليه أن يأخذ الثأر على الفور ،وأن عليه لايبكي أبدا حتى لو أوجعته ضربات الحياة القاسية ،لأن البكاء ليس من شيمة الرجال ..هكذا تربى الابن في مدرسة العنف ،وقساوة القلب ،وعدم المغفرة ،أو التسامح عندما يخطيء معه الآخرين ،تلك كانت كيمياء التعامل ، عنده الخطأ الأول هو الخطأ الأخير كما يقول خبراء المفرقعات ..!!،مسكين ذاك الأب لم يكن يدرك أبدا أن السحر سينقلب يوما من الأيام على الساحر..،وأن من يزرع الأشواك لا يحصد سوى الحنظل !!،لم يكن يدرك أن الحياة تعامل ،وأسلوب ،وأخلاق، وذوق ،وأن عالم الإنسان يختلف عن بقية المخلوقات !!،وأن الرأفة والتعاطف مع الآخرين هي سمة البشر ،وأن التسامح فضيلة من الفضائل الكبرى ..ترى لو كان الأب مثقفا هل سينحو نفس هذا النهج الشاذ في تعليم أبنائه؟! ..بكل تأكيد كانت هناك أشياء كثيرة سوف تتبدل ،بل ستنقلب كل الموازيين ،في مكنونات حياته ..المهم مرت الأيام ،وإذ بالابن ،وقد جرجر أحد الشيوخ الكبار من جلابيبه ،وقذف به أمام والده على الأرض كأكياس القطن ،أو القش بكل عنفوان ،وغطرسة ،كاد الموقف أن يصدم والده الذي تغيرت ملامح وجهة للسواد على عجالة ،وقد احمرت عيناه وبدت عليه الغضب الشديد ،لكنه لملم بنفسه بسرعة ،وصرخ على ابنه بأعلى صوته قائلا:ما هذا الذي فعلته يا مجنون، أنسيت أنه عمك أيها الغبي ؟! إلى هذا الحد فقدت صوابك فأصبحت لا تقدر على التمييز بين الناس ؟! ..،وحاول أن يهجم عليه ليضربه ، ،لكن الابن أسرع بقوله الذي نزل على رأس أبيه كالصاعقة حيث قال :تمهل يا والدي ..فأنا تلميذك المطيع ،والنجيب، لقد علمتني أن أدافع عن نفسي بكل ما أوتيت به من قوة ،،وأن آخذ حقوقي في ذات اللحظة من أي شخص كان ،فإن عمي هذا قد أهانني أمام أصدقائي ،والذين سخروا مني حاولت أن أضبط أعصابي ، لكن بلا جدوى ، الشيطان وسوس لي مرددا نفس نصائحك التي كنت علمتني إياها حيث همس بأذني قائلا :أيها الأحمق!!.. أنسيت إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب ؟!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت