يعاني الفلسطينيين من ضعف امام القوة الاسرائيلية, فهي متفوقة عليهم في كافة المجالات, سواء كان في القوة الصلبة وهي العنصر العسكري والاقتصادي, او بالقوة الناعمة كالثقافة والاستمالة والجاذبية, او بالقوة الافتراضية وهي القدرة التكنولوجية, وحاول مرار الفلسطينيين تجاوز هذا الفارق بنضالهم وكفاحهم وصبرهم وصمودهم, والحدث الاهم في تاريخ النضال الفلسطيني هو امتلاكهم لقوة ناعمة جديدة, يمكن استغلالها في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي, وهي الفنان محمد عساف, المشارك في برنامج اراب ايدل على قناة MBC.
ارتبط امتلاك القوة الناعمة بالدول المتقدمة والدول العظمى, فهل حقاً فلسطين اصبحت تمتلك قوة ناعمة, وهل فلسطين ستصبح دولة متقدمة وقوية, لا نريد ان نبالغ بقوة فلسطين, ولكن ما اريد التأكيد علية ان فلسطين فعلا اصبحت تمتلك قوة ناعمة, وكي نعرف ما هي القوة الناعمة, وكيف يمكن ان نستخدمها لنصبح دولة قوية, سنوضحها فقط بالتطبيق على القوة الناعمة المتمثلة في الفنان محمد عساف.
يسأل البعض ما هي القوة الناعمة وما علاقتها بالفنان محمد عساف, وهو سؤال مشروع ويواجه الكثيرين عند قراءة عنوان المقال وسوف نجيب عنه, من الجدير بالذكر ان الولايات المتحدة الامريكية عندما افرطت في استخدام القوة العسكرية من خلال الحروب, والقوة الاقتصادية من خلال العقوبات –وكلها ادوات صلبة للقوة-, وجه لها انتقاد انه يمكن ان تحقق ما تريد بدون الاكراه والاجبار, بل من خلال الاستمالة وهي ان تجعل الاخرون يفعلون ما تريد بدون الاجبار ولكن لإعجابهم بثقافتك وبدولتك, ولكي نكون علميين في طرحنا لا بد من ذكر تعريف جوزيف ناي للقوة الناعمة فهو صاحب هذا المفهوم ويعرفها بأنها "قدرة الدولة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية والاستمالة, بدلاً من الاكراه, وكلما كانت سياسات الدولة مشروعة ازدادت جاذبيتها".
كان الاهتمام بالقوة الناعمة عند بداية الاهتمام بالثقافة والدبلوماسية الشعبية والرأي العام في العلاقات الدولية, وعندما نتحدث عن محمد عساف نجد ان ثقافة وفن الفلسطينيين ينتقل عبر عساف الى الشعوب العربية, فحسب وسائل الاعلام ان هناك حبا كبيرا للفنان محمد عساف لدي الشعوب العربية, وعلى مستوى فلسطين نجد الفلسطينيين ينتظرون موعد غناء هذا الفنان "على أحر من الجمر", فقوة الرأي العام التي يملكها الفنان عساف اثارت في العقل القوة الناعمة, وهو المفهوم الجديد للقوة, والان يمكن للقيادة الفلسطينية استخدام هذه القوة في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي, فعساف يؤثر في عدد كبير من الرأي العام, وكيف يكون التأثير عندما يغني لفلسطين, سيزيد من إثارة القضية الفلسطينية لدى شريحة كبيرة من الناس لم تكن تعلم عنها, وكما ذكرنا ان الرأي العام اصبح يؤثر بشكل كبير في العلاقات الدولية.
ليس محمد عساف اول قوة ناعمة فلسطينية, فالشعب الفلسطيني مليء بالعظماء واخص بالذكر الشاعر محمود درويش, ولكن للأسف القيادات الفلسطينية لم تستطيع استغلال هذه القدرات جيدا لصالح القضية, على الرغم انه كان ولا زال للشاعر محمود درويش تأثير كبير في قلوبنا وقلوب الملاين من البشر, فهو المرجعية الروحية للمناضل الفلسطيني, فدرويش اصبح دستور للمناضل يعود الية حينما يتوه, الا ان القيادات الفلسطينية اثبتت انها غير قادرة على استغلال هذه الكنوز لصالح القضية الفلسطينية.
بما اني طرحت عدم قدرة القيادات على استغلال هذه القدرات لتكون قوة ناعمة فعالة, فلا بد ان يكون لدي تصور لكيفية استخدام هذه العناصر لبناء قوة ناعمة, تؤثر بشكل كبير في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي, ويمكن ان نطرح بعض الطرق لاستخدام هذه القوة وهي كالتالي:
اولاً: يجب انت تسعى السلطة على إبقاء جمهور عساف بل وتعمل على زيادة هذا الجمهور في مناطق اخرى, لانهل ايمكن استخدام عساف كقوة ناعمة بدون الجمهور.
ثانياً: دعم عساف في انتاج اغاني وطنية, بحيث تكون هذه الاغاني عبارة عن قصص تروي تاريخ النضال الفلسطيني, وتروي الظلم الذي يتعرضون له, ومن الافضل ان تكون هذه الاغاني تعالج كل قضية على حدا, يكون اغاني للأسرى, واغاني للاجئين, واغاني عن المقاومة السلمية والمسلحة, واغاني عن المعانة الفلسطينية, فيجب ان تكون هذه الاغاني تثير الرأي العام العربي والعالمي لصالح فلسطين.
ثالثاً: اعلن عساف في مقابلة مع احد المجلات, انه من الطبيعي ان يغني للشاعر محمود درويش, كما اعلن انه الشاعر المفضل لدية, ويجب ان انوه ان غناء عساف يجب ان يضمن قصائد لمحمود درويش, لاننا في هذه الحالة نقوم بكسب الرأي العام عن طريق عنصرين مهمين واسطورتين, هما عساف ودرويش, فيكون من السهل كسب الرأي العام لصالح القضية الفلسطينية.
رابعاً: أما على المستوى الاقتصادي وهو مهم جداً للفلسطينيين, يمكن ان يكون عساف سبب في كثير من الاستثمارات الاقتصادية, او حتى يمكن ان تكون في مجال الفن, فهذه القوة الناعمة يمكن لها ان تعمل على جذب المستثمرين, لأنه كما ذكرنا ان القوة الناعمة هي القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية, ونحن نريد استثمار يمكن ان نحققه من خلال الجاذبية.
خامساً: اعلنت المطربة احلام انها تريد ان تغني مع عساف في فلسطين, واتصور انه اكبر قوة ناعمة يمكن ان يحققها الفلسطينيين هو زيارات الفنانين العرب الى فلسطين, لأن فلسطين تبدو وكأنها منعزلة عن العرب, فلا اجد العرب يقومون بزيارة فلسطين الا في وفود رسمية او كمتضامنين مع الاجانب, وكما قلت لا يوجد قوة اكبر من هذه الزيارات.
سادساً: منذ القدم كانت تحدد قوة الدولة بقوة انتماء مواطنيها للدولة, والفلسطينيين نتيجة الاوضاع الصعبة التي يمرون بها, والضغوطات الاسرائيلية, اصبحوا لا يرون فلسطين كما احبوا اني يروها, وهذا شيء مقصود من اسرائيل واعوانها وهو جزأ من الصراع, وهو جعل الفلسطيني يكره بلده, رغم كل ذلك الا ان هناك واعز وحس وطني لدى الفلسطينيين سرعان ما يتم استنهاضه, ويمكن استغلال عساف في استنهاض الحالة الوطنية, مما يزيد من انتماء هذا الشعب, ويزيد من الصبر والصمود والنضال من اجل فلسطين.
سابعاً: ظلت بالد الخليج العربي غائبة عن الرأي العام العربي, وذلك لأسباب عديدة, ولكن المهم انها استطاعت الحضور في الرأي العام العربي من خلال الاغنية الخليجية, ويمكن ان يكون الفنان محمد عساف بداية لحضور فلسطيني في الرأي العام العربي, مما يساعد الفلسطينيين على مواجهة الاحتلال, فالاحتلال يستغل غياب فلسطين عن الرأي العام العربي والعالمي ويقوم بما يحلوا له من جرائم وظلم ضد الفلسطينيين.
هذه بعض الطرق للاستفادة من القوة الناعمة التي توفرت لفلسطين بفضل الفنان محمد عساف, اتقدم بهذه الطرق الى الحكومتين الفلسطينيتين, واخص حكومة غزة لانهال اتقوم بأي دعم يذكر للفنان عساف, واكثر من ذلك انها تبدو وكأنها ضد هذا الفنان, واقول للقيادات اذا اردتم فلسطين القوية والتي تستطيع مواجهة الاحتلال, يجب عليكم استغلال كل شيء يمكن من خلاله تحقيق اهدافنا, ويجب تذكير حكومة غزة انه عندما تعتمد الدولة على القوة العسكرية فقط, حتما ستهزم حتى لو كانت اقوى دولة في العالم, ومثال على ذلك هزيمة الولايات المتحدة في فيتنام, ويجب تذكير حكومة رام الله انه المقامة السلمية ليس الخيار الوحيد ويجب الخلط بين كافة اشكال المقاومة, القوة العسكرية لم تعد القوة الوحيدة التي من خلالها يمكن تحقيق النصر على العدو, فهناك قوة اقتصادية وقوة ناعمة وقوة المعلومات والتكنولوجيا والمعرفة, فيجب على الدولة كي تحقق ما تريد استغلال كل هذه العناصر.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت