الدور المشبوه لبعض المنظمات الغير حكومية في فلسطين

بقلم: هنادي صادق


كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن المنظمات الغير حكومية ودورها المتعاظم داخل الدول ولتسليط الضوء أكثر على بعض الأمور المتعلقة بالمنظمات الغير حكومية ينبغي لنا أن نتعرف عليها أكثر " حيث يعرفها البنك الدولي بأنها تلك المنظومة واسعة النطاق من اتحادات العمل والمنظمات غير حكومية والمجموعات القائمة على الأديان والمنظمات القائمة على المجتمعات في المجتمع المدني تعبير "منظمات غير حكومية" - في نظر الحكومة الأمريكية - "يشمل منظمات مستقلة تدافع عن السياسة العامة، ومنظمات لا تتوخى الربح تدافع عن حقوق الإنسان وتروج الديمقراطية ، ومنظمات إنسانية، ومؤسسات وصناديق مالية خاصة، وشركات ائتمان خيرية ، وجمعيات وشركات لا تتوخى الربح ، وهي لا تتضمن أحزاباً سياسية .
إن هذا التعريف الوردي لا يلغي حقيقة الدور الغامض والمشبوه الذي تقوم به بعض هذه المنظمات وذلك على الرغم من دورها الكبير الذي تقوم به كوسيط بين الدولة والمجتمع إلا أنها لازالت موضع اتهام وشك العديد من الشخصيات و الهيئات الوطنية على اختلافها ويكمن السبب في علاقاتها الغامضة والمشبوهة مع مؤسسات التمويل الأجنبي، طبعاً هذه الاتهامات ليست جديدة وإنما قديمة متجددة لكنها في الآونة الأخيرة بدأت تأخذ منحاً خطيراً عندما باتت تعمل على ترجمة الأجندات الخارجية وتقوم بمهمة الجاسوس وذلك سواء من حيث تدري أو لا تدري الذي يزود دوائره الخاصة بالمعلومات ذات الصبغة الأمنية ، والتي تشكل اختراقا أو محاولة لتغيير البيئة الاجتماعية والسياسية والثقافية والعقدية بطرق ظاهرها إنساني، حيث يتم استخدام المشاريع الإنسانية في جمع المعلومات المختلفة وعبر طرق وأساليب مختلفة ويتم تقديمها للجهات الممولة ، إن ما يعقد هذا المشهد أن هذه المنظمات لازالت أيضاً تتلقى الدعم من مؤسسات دولية خاصة معروف عنها علاقتها بالدوائر الاستخباراتية ، كما أن المستغرب أيضاً أن يدق "مناضلوا" الوهم المزعومون أبواب المؤسسات الأجنبية، يقدمون الخطط والمشاريع الوهمية حول التعايش والمجتمع المدني ومحاربة التطرف والنزاهة والحكم الرشيد وتمكين المرأة وحقوق الإنسان، فيما يقبضون ثمن " نضالاتهم" الجديدة بالدولار الأمريكي .
ويعتبر شعار الإصلاح السياسي والديمقراطي والحكم الرشيد والنزاهة أحد أهم الوسائل التي يعتمدها المشروع الأمريكي للتدخل بشؤون دول المنطقة ، والضغط على حكوماتها لإجبارها على التخلي عن الكثير من صلاحياتها في المجالات المذكورة أعلاه، وبالتالي إضعاف سلطتها واللاعب الرئيسي الذي يؤدي الجزء الأكبر من هذا الدور هو المنظمات غير الحكومية ، وذلك من خلال تقوية وجودها في المجتمع بدايةً ، اعتماداً على الدعم السخي والغير مراقب الذي تناله ، ثم العمل على إثارة قضايا تساهم في خلخلة المجتمعات ، مثل قضايا الفساد ومحاولة جعل الصورة سوداوية ونشر عدم الثقة بين القيادة والشعب وقضايا كحرية الإعلام وحقوق الإنسان و حقوق المرأة وغيرها ، وتتضح أهمية المنظمات غير الحكومية في تفكيك الدول المستهدفة ومؤسساتها ، عند الاطلاع على ما أشار له الملياردير اليهودي الأمريكي من أصل مجري والممول الرئيسي لعدد كبير من هذه المنظمات في العالم جورج سورس، عن الدور الذي لعبته هذه المنظمات في تقويض الحكومات الشيوعية السابقة في دول أوروبا الشرقية ، حيث يقول: " كان هدف مؤسستي في المجر دعم الأنشطة البديلة للدولة ومؤسساتها وأثبت هذا النهج فعاليته ، فقد أصبحت المؤسسة هي المصدر الرئيسي لدعم المجتمع المدني في المجر ومع ازدهار المجتمع المدني بدأ أفول النظام الشيوعي وإثر انهيار الشيوعية تغيرت رسالة شبكة المؤسسات ، ومن ثم تحولت من مهمة التخريب إلى مهمة البناء ، وهو أمر ليس بالسهل عندما يكون المؤمنون بالمجتمع المدني قد اعتادوا الأنشطة التخريبية ".
إن ما يثير الإستغراب والدهشة أن تجد أن كثير من هذه المنظمات قد وقع على وثيقة ما يسمى نبذ الأرهاب " المقاومة " وما زال يتشدق بمفردات تتحدث عن الحرية والعيش بكرامة والنزاهة والحكم الرشيد " ويتناسى هؤلاء أن كنس الإحتلال وأدواته من أسرع الطرق المؤدية إلى الحرية والعيش بكرامة ، كما أن الذين رفضوا التوقيع الرسمي على هذه الوثيقة يتساوقون معها بطريقة أو بأخرى في سبيل الحصول على التمويل الدولي .
ولا يخفى على أحد أن أغلب هذه المؤسسات سوقت نفسها لدى الجهات المانحة بإدعائها الشفافية والنزاهة وبالمقابل أصدرت التقارير التي تهول من حجم الفساد الموجود في مؤسسات السلطة ، ولقد نجحت هذه المؤسسات في تحويل كثير من الدعم الذي كان يقدم للسلطة إليها مستغلة تراخي أو تخاذل السلطة في متابعة هذه المؤسسات ، ولقد قامت أخيراً هيئة مكافحة الفساد بفتح بعض من ملفات هذه المؤسسات حيث تبدى للعيان بعضاً من أوجه فساد هذه المؤسسات ولكن المطلوب أكثر .
إن ما هو مطلوب من الجهات المختصة وذات العلاقة تفعيل الآليات الرقابية على هذه المنظمات لمعرفة مصادر تمويلها للتأكد من عدم وجود شبهة فساد أو إفساد وأيضاً التعرف على الأوجه التي تصرف بها والتي في الغالب تصرف على المؤتمرات والمطاعم والسفريات ويتم وضع أرقام مبالغ فيها عن التكلفة الحقيقة وذلك حتى تعود هذه الأموال إلى جيوب هؤلاء المنتفعين .
إن الدور المتنامي للمؤسسات الغير حكومية في ظل تراجع التأييد الشعبي للفصائل الفلسطينية يفرض على هذه الفصائل تحديات كثيرة ليس أقلها النزول من البرج العاجي الذي تعيشه بعض هذه الفصائل وملامسة الأوضاع التي يعيشها المواطن الفلسطيني و تفعيل المؤسسات الرسمية والشعبية حتى تقوم بدورها على أكمل وجه وحتى يتم تركيز كافة الطاقات والجهود نحو هدف واحد طال إنتظاره ألا وهو التحرر من الإحتلال .
إن حديثنا عن الدور المشبوه الذي تقوم به بعض المنظمات الغير حكومية لا يلغي حقيقة أن بعض هذه المنظمات تمارس دوراً فعالاً في تعزيز صمود المواطنين من خلال أنشطة وبرامج تلامس حياتهم وتتفاعل مع مشاكلهم وهمومهم ، كما أنه لا يلغي وجود بعض المنظمات ذات الأجندة الأجنبية .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت